المشهد اليمني الأول/ الوقت
اتسم العقد الأخير من تاريخ المملكة العربية السعودية بالسعي الدائم للتقرب من الكيان الاسرائيلي عبر عقد اجتماعات سرية مع قيادته والسماح للاسرائيليين بالمشاركة في نشاطات رياضية تنظمها المملكة فضلا عن مغازلة “اسرائيل” إعلاميا عبر برنامج ممنهج هدفه “كي وعي” الشعب السعودية وفق خطة ممنهجة يتم التحضير لها منذ زمن بعيد نسبيا ويروج لها الآن عبر منصات إعلامية رسمية وشخصيات إعلامية وثقافية بارزة.
التطبيع الإعلامي مع الصهاينة كان في السابق شبه مستحيل ويعد من المحرمات، نظرا لكون الشعب السعودي تربى على أن “اسرائيل” عدو يغتصب أراضي الفلسطينيين ويأخذ حقوقهم جهارا نهارا، وبالتالي فإن الدفاع عن هذا الشعب وقضيته أمر حتمي وواجب على الشعب والمملكة، ولكن مع وصول الشاب محمد بن سلمان إلى ولاية العهد بدأت الأمور تأخذ منحا آخر يتسم بمغازلة “اسرائيل” والتقرب منها مقابل الابتعاد عن القضية الفلسطينية وتجنب الحديث عنها في الإعلام الرسمي والإكتفاء بالتنديد الشكلي لأي قرار يضر بالقضية الفلسطينية ويقوضها، وهذا ما حدث بالفعل بعد اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ “اسرائيل”.
الأمير بن سلمان ليس غبيا كما يظنه البعض فالشاب ينتهج اسلوبا ذكيا لضمان حصوله على العرش والتفرد به عشرات السنين، ولكي يحصل على ما يصبوا عليه لابد من دفع الثمن، وهذا ما أدركه بن سلمان جيدا، لذلك بدأ بالتقرب من طفلة أمريكا المدللة “اسرائيل” ليضمن الرضا والمباركة الأمريكية، ولكن على مايبدو بن سلمان ذهب بالأمور إلى أبعد ما كانت تحلم به “اسرائيل وأمريكا”، ابتداءا بزيارة سرية له إلى اسرائيل ومحاصرة قطر فيما بعد مرورا بالالتفاف على القضية الفلسطينية وتهميشها ومحاربة من يدعمها وصولا إلى القيام بخطوات علنية تطبيعية مع الكيان الاسرائيلي كان مفتاحها “الإعلام”، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف تلقى الشعب السعودي كل هذه التغيرات التي طرأت على سياسة مملكتهم مع قدوم بن سلمان إلى الواجهة السياسية في المملكة وما هو موقفهم من التطبيع وهل انتصر عليهم بن سلمان في حربه الناعمة التي يخوضها الآن لصالح اسرائيل؟!.
لا أحد يستطيع أن يشكك بوطنية الشعب السعودي الذي لا يتوانى أبدا في الدفاع عن القضية الفلسطينية مهما كلف الأمر، ولقد شاهدنا هجوما شرس من قبل السعوديين في وجه التطبيع الذي يروج له ساسة المملكة، ورأينا هذا الأمر جليا بعد المقابلة التي أجرتها صحيفة “إيلاف” السعودية مع مع رئيس الأركان غادي ايزنكوت والتي شهدت اعتارضات واسعة، وعلى اثرها انطلقت هاشتاجات “#سعوديون_ضد_التطبيع” و”#تطبيع_الفيصل_لا_يمثلنا”، واستجاب السعوديون الرافضون للتطبيع لدعوة “حركة مقاطعة إسرائيل في الخليج”BDS Gulf” بتكثيف الرفض للتطبيع، وسخروا من الشخصيات السعودية التي خرجت تقلل من شأن القضية الفلسطينية، مؤكدين على أن قضية فلسطين ثابتة في قلوب السعوديين.
ولكن في الوقت نفسه يجب ألا ننكر بأن عدة من الشعب السعودي رضخوا لسياسة بن سلمان الحالية وبدأوا يدافعون عن سياسة مملكتهم فيما يخص موضوع العلاقة مع اسرائيل، وهذا أمر مخيف حقا ومقلق، ويدفعنا للتساؤل عما إذا كان بن سلمان قد استطاع الانتصار على شعبه من خلال البروباغندا الإعلامية الضخمة التي يعمل عليها لاقناع الشعب بأن العلاقة مع اسرائيل ستكون لصالح المملكة خاصة أن هناك عدة نقاط مشتركة بينهما وأبرزها “مواجهة الخطر الإيراني”.
وما يبرز هذا التساؤل هو عدم إعارة أي أهمية للمقابلة الأخيرة التي أجراها موقع “إيلاف” السعودي مع إسحاق هيرتسوغ، زعيم المعارضة الإسرائيلية، والنائب في الكنيست الإسرائيلي، على عكس المقابلة السابقة التي أجراها الموقع نفسه مع رئيس الأركان الاسرائيلي والتي شهدت معارضة واسعة في الأوساط السعودية.
وكان لافتا في المقابلة الأخير الغزل الذي أعرب عنه هيرتسوغ للأمير الشاب، معربا عن احترامه الشديد لخطوات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.ووصف المعارض الإسرائيلي ولي العهد أنه “أحد الثوريين الكبار في الشرق الأوسط”، وعليهم (كإسرائيل) مساعدة السعودية على إحياء العملية السلمية مع الفلسطينيين. وأضاف “أعتقد أن القيادة العربية الحالية في المنطقة أكثر شبابية وخالية من عقد الماضي والتغيير ومنفتحة على التغيير ويمكنها أن تقود شعوبها نحو التغيير والأفضل. وهذا يلزم القيادة الإسرائيلية أن تستجيب للوضع الحالي والتحديات، وهذا ما لا تقوم به في هذا الوقت للأسف”.
هذا الكلام يقودنا للكلام السابق الذي صرح به رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، أنور عشقي، والذي يتناغم مع كلام رئيس المعارضة الاسرائيلية، حيث قال: ” إن الشارع مهيأ لذلك، ويتضح ذلك من خلال متابعة تفاعل المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، فسنجد أن البعض يغردون مثلًا بأن “الخطر الإيراني أشد من الإسرائيلي”، وبأن “إسرائيل لم تضربنا بصواريخ، ولم تقم بأعمال عدائية ضدنا، وإنما إيران هي التي تفعل ذلك، وهي التي تهدد أمننا القومي”، وما كان يريده عشقي من ذلك هو إيهام العالم بأن الشارع السعودي حاليا مستعد لأي تطبيع مع الكيان الاسرائيلي.
ختاما؛ هذا الكلام حقا مخيف في حال أصبح أمر واقع ومعمم، وفي حال تقبل الشعب السعودي فكرة التطبيع وتبناها سنكون أمام مفترق طرق كبير في الصراع العربي الاسرائيلي وسيبدأ الضياع والتشتت العربي أكثر مما هو عليه الآن، وقد تضطر الناس المعارضة للتطبيع إلى تشكيل منظمات خاصة بها تنبثق عن اجتماعات تعارض التطبيع لتتحول فيما بعد إلى معارضة قد تنتشر كالنار في الهشيم في ظل غياب أي دور عربي فعال على المستوى الرسمي لمواجهة هذا السرطان الصهيوني في المنطقة؟!.