بقلم/ ناصر قنديل

– لا يمكن الاستهانة بحجم الأوراق التي أظهر محور واشنطن الرياض تل أبيب امتلاكها لفرض توازنات جديدة مقابل انتصارات محور المقاومة في سورية، وصموده في اليمن، وتعزيز نسبة شراكته في العراق، وتصاعد مصادر قوّته في لبنان وإيران، وصولاً لنهوض روسيا كقوة عظمى فاعلة ومقرّرة، فتكفي نظرة على ما شهدته ساحات المواجهة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي لمعرفة حجم وأهمية هذه الأوراق ومدى خطورتها لو كتب النجاح لاستخدامها.

– يكفي تخيّل معنى أن تكون السعودية قد نجحت بتأديب قطر وضمّها إلى محورها بقيادة محمد بن سلمان، لتقود مع الإمارات بدعم أميركي «إسرائيلي» مشروع انفصال كردستان عن العراق وتشكيل حاضنة معترف بها لفصل أكراد سورية وتوفير غطاء شرعي للوجود الأميركي وربما «الإسرائيلي» في سورية وفي العراق أيضاً، ليتكامل كلّ ذلك مع نجاح مشروع الفتنة في لبنان باحتجاز وإقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض وفرض حَجْر على منصب رئاسة الحكومة يأخذ لبنان إما لرئيس حكومة يمكن تفجير الشارع بوجهه أو لفراغ حكومي يفجّر البلد بغيابه، ليلحق بالمشهد اللبناني المتفجّر مشهد اليمن وقد سقطت صنعاء بيد الرئيس السابق علي عبدالله صالح وانقلابه بدعم سعودي إماراتي. والأهمّ أن تأتي الأحداث الإيرانية الأخيرة في كلّ هذا المشهد المتداعي في ساحات انتصارات محور المقاومة، لتستند إلى حاضنة جغرافية مفتوحة الحدود مع إيران في كردستان العراق، وإلى انشغال في العراق وسورية ولبنان واليمن كلّ بنيران تشتعل في أطراف ثوبه.

– تساقطت أوراق كانت كلفة وجودها جهود وإمكانات هائلة وسنوات طويلة، واحترقت خلال أيام، فقضية ترويض قطر انقلبت بتقارب قطري إيراني. وانفصال كردستان صار خطراً لخسارة الأكراد مكاسب ما قبل الانفصال، ومزيداً من إمساك الحكومة العراقية المركزية بالقرار الأمني والعسكري والسياسي. وفتنة لبنان أنتجت مزيداً من التفلت اللبناني من القبضة السعودية، بحيث ضعف الحلف الذي تقوده الرياض وفقد قدرته على التأثير في رسم السياسات. والانقلاب اليمني منح أنصار الله الإمساك بالعاصمة بما جعل التسوية معهم ممراً إجبارياً لأيّ نهاية للحرب في اليمن، أما الأحداث الإيرانية التي لم تشذّ عن القاعدة بتساقط أوراقها بأيام فقد منحت الدولة الإيرانية فرصة المزيد من التماسك حول سياسات اقتصادية تعالج المشكلات وتبعد أجنحة الدولة عن التنافس، كما منحتها مزيداً من المناعة بوجه محاولات التخريب وقدرة على امتصاص واحتواء التحركات المطلبية وفصلها عن المشاريع السياسية الخارجية.

– تسقط آخر الأوراق التي اشتغل الأميركيون و«الإسرائيليون» والسعودية لتكوين نواتها وآلياتها شهوراً وأنفقوا عليها أموالاً طائلة، وراهنوا عليها لتدخلهم إلى القلعة الإيرانية وتكون حصان طروادة الذي يغيّر مجرى كلّ حروبهم الخاسرة. وها هي الحصيلة، في اليوم السابع لم يبقَ منها إلا ما يقولونه كذباً في إعلامهم عن استمرار التظاهرات الاحتجاجية والمواجهات بين المتظاهرين وأجهزة الدولة. وبمثل ما يجب التساؤل ماذا لو نجحت الحلقات تباعاً، يجب التساؤل كيف سقطت الحلقات تباعاً فلم تشتعل حلقة جديدة إلا وقد أخمدت التي قبلها، وهل يعني ذلك غير تحسّب محور المقاومة وجهوزيّته للمفاجآت؟

– الآن يضعون روسيا على جدول الأعمال لحراك الربيع بمناسبة الانتخابات الرئاسية وآمالهم كبيرة بجمع اللوبيات اليهودية والتجمّعات الإسلامية والتأثير الأميركي في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، والمال السعودي والمخابرات «الإسرائيلية»، وروسيا تستعدّ وتدرك ما يُدبَّر، وكما احترقت الأوراق التي سبقت ستحترق الأوراق اللاحقة، وقد نضبت، لتقول حقيقة إنّ الصناعة لا تحلّ مكان الطبيعة والافتعال لا يغلّب الفعل والتذاكي لا يتغلّب على الذكاء.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا