قراءة : عبدالخالق النقيب – مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني
ثمة إدراك دولي وإقليمي متزايد بأن استمرار الحرب والصراع بغية تحقيق أهداف سياسية في اليمن لم يعد ذات جدوى
وأن الحل السياسي انتقل تناوله من “إعادة تقييم” إلى “خيار حتمي” ومطلب إقليمي ودولي وأن هناك ثمة محددات تبدوا أكثر استشرافاً لسيناريوهات الخروج من الحرب في اليمن.
في الوقت نفسه تواجه التسوية السياسية في اليمن تحديات مزدوجة بشقيها الداخلي والخارجي فالأبعاد الجيوسياسية لليمن مثلت مثار اهتمام وأولوية في أجندات النفوذ العالمي وأدت إلى تباين إدارة القوى الإقليمية والدولية وطبيعة الدور التنافسي الذي تقوم به حيال حرب اليمن وصولاً إلى استثمارها والتعاطي مع عواملها المؤثرة كأدوات اعتبارية فاعلة تمريراً لمصالح تلك القوى وتحالفاتها التقسيمية على نطاق أوسع دون أخذ الاعتبارات الإنسانية وجرائم الحرب على محمل الحسم كأولوية تستدعي فرض حالة من السلم والتدخل الإنساني والدولي الطارئ.
وفي خضم البيئة الداخلية المتعلقة بالتطورات العسكرية والسياسية والاقتصادية على أرض الواقع اليمني فشل عدوان التحالف العسكري السعودي في إجبار القوى الوطنية المناهضة (أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهما) بالجلوس على طاولة الحوار وفق إملاءات التحالف وتصوراته للحل الذي يتفق مع منطق الهيمنة السياسية على اليمن بعد فشل الهيمنة بالقوة وهو الأمر الذي دفع بالتحالف لمواصلة الاعتماد على القوة العسكرية وتبني مسارات بديلة لإعاقة الدور الأممي والتأثير على توجه الدول الراعية لعملية السلام في اليمن .
التسوية السياسية على وقع آلة الحرب
عدم واقعية الحلول المطروحة ومحاولة فرض خيارات لا تتفق مع التطورات العسكرية والإنسانية على أرض الواقع اليمني هو نوع من الالتفاف على أي تقارب في مسار التسوية السياسية لصالح القرار العسكري وإبقاء الملف اليمني مفتوحاً ومحكوماً عليه باستمرار الحرب والقتال بغطاء أممي.
تعدد اللاعبون الإقليميون والدوليون وتناقض أجنداتهم في اليمن لازال يمثل تهديداً محورياً للتسوية السياسية في اليمن.
تتحكم دول التحالف العسكري الذي تتزعمه السعودية في أضخم ترسانة عسكرية وباللعب على مدارات التأثير الدولي لكن قدرتها فشلت في إجبار القوى الوطنية المناهضة لعدوانها بالجلوس على طاولة الحوار وفق إملاءات التحالف وتصوره للحل.
تتعرض أنظمة التحالف العسكري لموجة انتقاد تتسع دائرتها على نحو متنامي ـ وتتوعدها منظمات دولية غير رسمية بملاحقة انتهاكاتها الانسانية وجرائمها في اليمن غير أن أنظمة التحالف الذي تقوده السعودية تجد ملاذاً في الأنظمة العالمية الموالية لها كـ”الولايات المتحدة ـ ومملكة بريطانيا ” أو أنظمة الدول التي ترغب بالارتباط معها كسوق ضخم لمنتجاتها من الأسلحة ما يضيف مزيداً من التعقيد على مجريات الحرب والصراع في اليمن.
إضعاف الدور الأممي في إدارة الملف اليمني يعود إلى تفوق دولتي التحالف “السعودية والإمارات” في استخدام القوة الناعمة “المال والتأثير” لملائمة الدور الأممي والتأثير على توجه الدول الراعية للسلام وفق الاعتبارات الاستراتيجية لخطط التحالف العسكرية في مختلف مناطق ومدن اليمن ما يقوض جهود تلك المنظمات ويجعلها تبدو مجرد إجراء شكلي لإيهام الرأي العام العالمي بأن هناك تحرك سياسي ومساعي تصب باتجاه إحلال السلام في اليمن .
مصير أي تسوية سياسية لم يعد مرتبطاً بمدى توافق الأطراف اليمنية اليمنية بل بمدى رغبة القوى العالمية ذات النفوذ أولاً وقناعتها بأن الوقت قد حان لتسوية الملف اليمني وطي النزاع والحرب القائمة ثم بمدى رغبة تحالف العدوان العسكري السعودي الذي يرى في التوجه نحو عملية سياسية تطوراً منطقياً لفشله الذريع في الحسم العسكري .
آفاق الخيارات والتوجهات المستقبلية للقوى الوطنية المناهضة للعدوان
– تكثيف عمليات الهجوم العسكرية داخل المناطق الجنوبية لأراضي المملكة السعودية ورفع منسوب الخطر الذي يتهددها ويطال أهداف عسكرية واقتصادية داخل العمق السعودي باعتباره أكثر الأسباب استشرافاً لإجبار المملكة بالدخول في مفاوضات مباشرة وإعلانها إيقاف شن العمليات العسكرية على اليمن.
– رفع وتيرة الاستهداف العسكري وتوظيف استخدامها في دقة اصطياد الأهداف العسكرية النوعية التابعة لقوات التحالف سيما القطع البحرية والبارجات اللوجستية المقاتلة التابعة للتحالف إضافة لاستهداف القواعد العسكرية التي تستخدمها التحالف في قيادة عملياتها العسكرية .
– تعزيز صلابة القوة العسكرية وإيجاد قواسم قوة إضافية تؤسس لتماسك الجبهة الداخلية وتفرض حالة تهديد دائمة تطال المرتزقة وحلفاء ومعسكرات التحالف الداخلية والخارجية.
– تحفيز التخاطب المباشر مع الدول الصديقة ذات الثقل الدولي والمتعاطفة مع قضية الشعب اليمني كروسيا والصين باعتبارهما تتفهمان الحالة السياسية التي تم إغراق اليمن بها واستخدامها لاحقاً لشن عمليات عسكرية خارج قواعد وأخلاقيات الحرب.
– إعادة ضبط العلاقات والتواصل مع الدول المناهضة للتحالف السعودي الإماراتي والاستفادة القصوى من أبعاد الأزمة الخليجية باعتبارها تحول مهم ، أسهمت قطر من خلالها إلى حد كبير في تعرية الأدوار السعودية والإماراتية وكشف تورطها بجرائم حرب وانتهاكات إنسانية مروعة إضافة لكشف فشلها المتواصل عسكرياً .
– الوضع الإنساني يتطلب العمل بتركيز أكبر يصاحبها امتلاك رؤية بديلة تعمل على تعطيل قرار مجلس الأمن 2216 أو العمل على تجميده للحد من معاناة الشعب اليمني وصولاً لإيقاف الحرب.
– فهم معطيات القوانين الدولية المحركة للقضية اليمنية داخلياً وخارجياً إذ أن زحزحة الملف اليمني أممياً ودولياً يقتضي تجاوز معيقات القوانين الدولية وتهيئة بيئة ملائمة أمام أي فرص دولية حقيقية قادمة .
– استيعاب الوعي المتزايد لأبناء الجنوب إزاء انكشاف المخططات الإماراتية الاحتلالية في جنوب الوطن وباتت تمس سيادة وأراضي اليمن بشكل فاضح .
مقدمة
بالنظر إلى الانكماش السياسي العالمي الحالي لم تعد الحرب في اليمن أزمة يمكن فصلها بشكل جزئي أو كلي عن الأزمة العالمية وانعكاساتها على تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في المنطقة سواءً أكان ذلك بالبعد السياسي أو البعد الجيواستراتيجي وهو ما كثف رغبة قوى النفوذ الخارجية في اسقاط أجنداتها المتعارضة على مجريات الحرب والحصار في اليمن كجزء من سياسات الإدارة الإمبريالية للمنطقة .
أسفر هذا التحول عن توغل الحرب اليمنية في أزمات متعددة وعميقة وأدخل تبدلات إضافية على المشهد السياسي وبدخول لاعبين إقليميين ودوليين في اليمن وفق أجندات متعارضه لها علاقة بحسابات الأبعاد الجيوسياسية حمايةً لمصالحها وحضورها في معادلة التأثير العالمي وهو ما يمثل تهديداً جوهرياً لمستقبل التسوية السياسية في اليمن ، ويحول دون تحقيق أي تقارب يمكن التعويل عليه في إحداث أي خرق جدي في جدار الجمود السياسي الراهن حيث ترى قوى النفوذ الخارجية في استمرار المعارك فرصة ممكنة للعب دور أبرز يجري العمل عليه لربط تسوية الملعب اليمني بما ستؤول إليه ملفات المنطقة في سوريا والعراق وليبيا وقطر وملائمتها مع المشروعين السائدين والجاري تطبيقهما كأكثر التوجهات استشرافاً في المنطقة واللذان يسيران نحو خلق حالة سياسية منسجمة مع مشروع التطبيع الإسرائيلي ومشروع إعادة صياغة تحالفات المنطقة وترتيب وضعها العسكري والسياسي وفرضها على الواقع بناءً على توافق إرادة الأطراف الدولية ذات النفوذ والتأثير .
وفيما يتعلق بالجولات التي تم خوضها للتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن ظلت بعيدة عن فضاءات الحل وكلما اقتربت من مراحل اكتمال التشكل والنضج وبدأت باستشراف الحقائق التي يجب التسليم بها ابتداءً ليتم البناء عليها في ذهاب الأطراف نحو أرضية صلبة ومتماسكة للحل تعرضت مسارات التسوية لتعليق مفتعل وإيقاف شبه كلي وهو ما كان يحدث بعد جولات ومبادرات عديدة تتوافق مع إعلان قوات التحالف العسكري فتح جبهات جديدة وشن عمليات عسكرية مفتوحة مدعومة بكل أشكال الدعم اللوجستي كخطوة إضافية نحو فرض المشروع التقسيمي للأقاليم في محاولة لفرض الهيمنة العسكرية على “ميدي ، والسواحل والمدن الغربية ، ومأرب ، والجوف” بهدف حصر القوى المناهضة للعدوان في ما سمي بإقليم آزال وبالتالي نجاح مشروع الأقاليم عملياً على الأرض حتى يتسنى على إثرها استئناف العملية السياسية بناءً على واقع جديد وجعله أساساً لأي تسوية سياسية قادمة لتبدو منسجمة مع تصور التحالف للحل وانسياقه مع منطق التبعية والهيمنة السياسية على اليمن وهو ما لم يتحقق في ظل انسداد أفق الخيارات العسكرية للتحالف المسنود عالمياً واصطدامها بقدرة عسكرية مقاومة تمكنت بفضلها القوى الوطنية من فرض إرادتها في معادلة ميزان القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية على حدٍ سواء .
انتكاسة السلام الدولي والدور الأممي
جانب كبير من الغموض الذي يكتنف مستقبل إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن يتعلق بمهمة الأمم المتحدة ولعبها أدواراً مثيرة للجدل عبر مبعوثها إلى اليمن السيد إسماعيل ولد الشيخ وتماهيها مع انحدار مؤشرات السلام الدولي في ظل تعدد وتنامي صور النزاع والحروب واتساع رقعتها في المنطقة وعدد من دول العالم وسط تدني ملحوظ لمستوى تحرك المجتمع الدولي في سبيل تعزيز فرص الأمن والسلام الدوليين وهو ما انعكس سلباً على حالة التأزم وتعقيداتها في المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي في اليمن.
تخبط المبعوث الدولي إلى اليمن وتفاعله الغير منسجم مع التطورات الإنسانية والعسكرية على الأرض بمواقف حضر فيها ولد الشيخ منتهكاً لمعايير أداء الوسيط ومنتهكاً لضوابط المساعي الأممية والتزاماتها المبدئية والأخلاقية تجاه حالات الحروب والنزاع المسلح وفي أحيان كثيرة كانت تثار تقييمات قوية حيال مواقف مكشوفة تفسر تحرك الموفد الدولي إلى اليمن وهو مرغم على مسايرة الاعتبارات الاستراتيجية لخطط التحالف العسكري الذي تتزعمه السعودية ومعاركها الميدانية وهو خرق فاضح أخل بمنطقية الحياد تجاه التعاطي مع الملف اليمني والانحراف بأبعاده إما عبر الذهاب إلى جزئيات وتشكيل لجان من قبيل الالتفاف على أي مقترح أممي أو مسودة للحل باتت الأطراف الوطنية “أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهما” على مقربة من القبول بها كأرضية للحوار وإما بالذهاب لتبني مبادرة اللجنة الرباعية “الولايات المتحدة وبريطانيا، والسعودية والإمارات” وأخيراً انخراطه في تبني مبدأ المقايضة وربط سلامة ميناء الحديدة بدفع مرتبات موظفي القطاع العام للدولة والذي تحول فيه السيد ولد الشيخ مؤخراً إلى مبعوث للسعودية باعتبارها خطوة صادمة لا علاقة لها بأي دور أممي أو مهمة إنسانية من شأنها إنها الحرب وإيقاف معاناة الملايين من المدنيين وبالتالي فإن أداء الأمم المتحدة وفق هذا التصور بات يتعامل مع المدنيين وقضاياهم الإنسانية البحتة كجزء من أدوات الحرب وطرف في الصراع وليس باعتبارهم ضحايا.
ومجمل تلك الانتكاسات شكلت منعطفاً خطيراً في المهمة الأممية كونها تضر بسلامة مسار العمل السلمي الوحيد في حرب اليمن وخروجه من دائرة الاشتباه إلى دوامة التناقض الذي لا يمكن الوصول معه إلى حل سياسي برعاية أممية ومشاركة الدول الخمس دائمة العضوية .
الأداء الغير سليم إزاء القضايا والتحولات التي سايرت أداء الأمم المتحدة وضعت القوى الوطنية “أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهما” أمام خيار مدروس تمثل ابتداءً بمقاطعة المبعوث الدولي إلى اليمن السيد إسماعيل ولد الشيخ ثم المطالبة بإنهاء مهمته في اليمن وتبديله بمبعوث يسترعي التزامات مساعي الوسيط وهو توجه واضح أعلنته القوى الوطنية في إطار خياراتها المتاحة غير أن طبيعة الدور الأممي الحالي تسبب بنسبة عالية في حالة الجمود السياسي الذي اعترى جهود السلام في اليمن وساعده في ذلك حالة الانتكاسة المجتمعية للسلام الدولي.
الجولات المكوكية للمبعوث الدولي واستحداث نائباً له
ثبت مراراً إلى يومنا هذا أن الإطار الحالي الذي يعمل فيه المبعوث الدولي إلى اليمن مشوب بالكثير من المراوغة والمغالطات وأسلوب الترضية لطرف بعينه الأمر الذي يعده مراقبون عقبة كبرى في طريق التسوية السياسية ويستحيل معه بلورة أفكار جديدة تساعد على ابتكار الحلول وخلق فرص حقيقية أمام مساعي إحلال السلام في اليمن وهنا بات واضح للكثير أن الجولات المكوكية للمبعوث الدولي الذي يقصد بها عواصم دول المنطقة ومنها طهران أنها ليست إلا اختزال روتيني بطيئ وممل ويأتي في إطار تحركه المعتاد قبيل انعقاد أي جلسة يتقرر فيها مناقشة الملف اليمني أمام مجلس الأمن وهو تحرك استباقي للجلسة يساعده في الحصول على مادة جيدة تجعل من تقريره المقدم مزدحم بالأعمال البيروقراطية .
في الملمح العام الدور الذي تحضر به الأمم المتحدة في اليمن وتماهيه مع الفشل يأتي استحداث منصب نائب للمبعوث الدولي إلى اليمن الذي تم التمديد له نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي تطور إضافي ليس باعتباره فعل مفاجئ بل لكونه تجلياً واضحاً لاستمرار الأمم المتحدة ومواصلة إصرارها على تقديم أداء لا ينسجم مع مسار ومعطيات الحل باعتبار أن تعيين “معين شريم” كمساعد لولد الشيخ لم يأتي لمواجهة الضغط الذي تفرضه طبيعة المهمة المعطلة أساساً إنما بحسب العارفون أن مثل هذا الإجراء في هذا التوقيت جاء للالتفاف على مطالب القوى الوطنية بتبديل المبعوث الدولي وبعد تسريب تقارير دولية نشرتها وكالات أنباء منها (وكالة الأناضول) تحدث عن تعامل مشبوه للمبعوث الدولي إلى اليمن مع قيادة التحالف العسكري الذي تتزعمه السعودية وأن استعارة منصب جديد في ظل ضغوط تمارسها منظمات دولية على الأمم المتحدة يبدو مجرد إجراء شكلي لإيهام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأن هناك تحرك سياسي وأنها مستمرة وماضية في مساعيها لإحلال السلام في اليمن.
الحل السياسي من “إعادة تقييم” إلى “مطلب إقليمي ودولي”
توالت مؤخراً المواقف الإقليمية والدولية المشددة على أن الحل لأزمة الحرب في اليمن سياسي حصراً فبعد ثلاثة أعوام تقريباً أفضت الحرب إلى تفكك التحالف وفيما تبقى منه أصبح أكثر شتاتاً وانقساماً على نفسه وأعجز من قدرته على تكوين رؤية واضحة مشتركة ولا يبدو اليوم أن هناك طريقاً صالحاً للسلام في اليمن فبينما ينتقل الحديث من إعادة تقييم الحل السياسي إلى خيار حتمي ومطلب إقليمي ودولي باعتباره الخيار الوحيد الذي سيضع حداً للحرب التي تسببت في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم إلا أن دولتي التحالف “السعودية والإمارات” تصر على مواصلة الاعتماد على القوة العسكرية بحجة أن هناك حاجة للضغط العسكري متواصل على القوى الوطنية المناهضة لها ولم تستسلم لأي من اشتراطاتها.
يقول الجبير : “إننا نرى أنه لا سبيل لإنهاء هذه الأزمة إلا من خلال حل سياسي ” مضيفاُ “إن الحل العسكري لن ينهي الأزمة في اليمن ” أول مرة يبدو عليها صراحة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمته التي ألقاها في اجتماع الأمم المتحدة الأخير وتحت سطوة الضغوط الدولية ذاتها دعا بدوره وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في كلمته بالمناسبة نفسها إلى تقديم حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
ورغم تغير الموقف الأمريكي بعد صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة إلا أن السفير الأمريكي “ماثيو تولر” أكد أن الإدارة الجديدة تلتزم بمبادرة السلام المقدمة من قبل وزير الخارجية السابق جون كيري والتي نص أحد بنودها على تنحية هادي وتسليم صلاحياته لنائب توافقي ما يعني أنه بعد كل الفرص التي تم اتاحتها أم خيارات الحسم العسكري دون أن تتمكن من إنجاز مهمتها في فرض الهيمنة بالقوة جاءت المواقف الدولية والإقليمية أكثر ليونة خصوصاً بعد فشل قوات التحالف العسكري السعودي من السيطرة على المخا والوصول إلى ميناء الحديدة أو كسر الجمود في الجبهات العسكرية المتاخمة للعاصمة صنعاء .
يظهر الحل السياسي في اليمن وقد بات مطلباً إقليمياً ودولياً عبرت عنه الأمم المتحدة بطريقة أكثر جدية على لسان مبعوثها السيد ولد الشيخ الذي جاء في تصريحه الأخير : ” استحالة الحل العسكري في اليمن لإنهاء الإنقلاب وضرورة دفع أطراف الأزمة إلى التشاور وطاولة المفاوضات بما يفضي إلى وقف الحرب التي أدت إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم ” انتهى.
مجمل تلك التوجهات تحمل إقراراً بأن الحرب في اليمن فشلت عسكرياً أمام مقاومة القوى المناهضة للتحالف ولن تتمكن القوة العسكرية لاحقاً بتحقيق ما عجزت عنه في السابق ولن تنجح محاولاتها في فرض أي هيمنة عسكرية أو سياسية وأن البحث جاري عن خيارات بديلة أبرزها البحث عن حلول سلمية مقبولة.
الهزيمة الضمنية للتحالف في مسرح العمليات العسكرية
في جردة الحساب تتجلى المعادلة العسكرية الأكثر قساوة بالنسبة إلى الرياض وأبوظبي فالحرب التي تم خوضها في اليمن بناءً على زمن قياسي وتدخل سريع اختبرت فيها شتى أنواع التموضع والتجارب العسكرية واعتماد خيارات وبدائل استراتيجية دون أن تحقق أي من أهدافها الرئيسية وما يبدو صادماً وثقيل على التحالف العسكري السعودي الاعتراف والاقرار بندية القوى الوطنية المناهضة لعدوانها وما أبدته من مقاومة شرسة وقدرة هائلة (حقيقة لا مجازاً) حتى غاب وجود منتصر قادر على فرض إرادته يحدث هذا في العام الثالث للحرب وفي ظل انعدام ميزان عسكري يؤسس لقواسم قوة متقاربة بين تحالف مسنود بطفرة مالية وقوة عسكرية وتقنية ضاربة وبين القوى الوطنية المناهضة والتي تخضع لحصار محكم الخناق ولازالت تعلن عن خيارات استراتيجية جديدة وتقدم عسكري.
لقد أصبحت أهداف التحالف خارج سياق الحرب التي طال أمدها وبدلاً من أن تنجح في إعادة الشرعية إلى صنعاء فقدت المملكة السعودية سيطرتها على جزء من أراضيها وتفاقم عجزها العسكري في تأمين حدودها الجنوبية مع اليمن التي باتت في مرمى نيران الجيش المسنود باللجان الشعبية وأخفقت قواتها العسكرية في حسم أي من المعارك المفتوحة ، ما اتسع أمامها دائرة الانتكاسات المتكررة والهزائم العسكرية في ظل تطورات الوضع العسكري .
تطورات الوضع العسكري
في ضوء التطورات العسكرية التي حدثت في مسرح العمليات براً وبحراً وعلى الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن تنعكس تأثيرات الصراع ونتائج المعارك على الأرض بوصفها نقطة تحول مهمة لقراءة أي المسافات أقرب بينها وبين الحسم العسكري أم الذهاب نحو تسوية سياسية حتمية .
مسرح العمليات الحدودي
استفاد الجيش اليمني واللجان الشعبية من تنامي القدرة الصاروخية وتحييدها عن منظومة الدفاع التابعة للقوات السعودية في تكثيف هجماته الصاروخية على أهداف عسكرية واقتصادية داخل العمق السعودي آخرها ما كشفت عنه تقارير البنتاغون الإمريكية إثر استهداف مصافي “ينبع″ السعودية وما سبقها من أهداف وهو تطور يهدد أمن المملكة السعودية ويجعل مدنها في مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية ما يعني أنه تكتيك قادر على إجبار المملكة السعودية بالدخول في مفاوضات مباشرة بعد نجاح هذا النوع من الخيارات الاستراتيجية في إرغام السلطات السعودية على إفراغ المناطق الحدودية من سكانها ما يترتب عليه تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية كما أنه يعد أحد الاحترازات الاضطرارية لتفادي الخسائر البشرية الناجمة عن سقوط المقذوفات الصاروخية الصغيرة الغير قابلة للاعتراض .
مسرح العمليات البحرية
عزز الجيش اليمني واللجان الشعبية قدرته في اصطياد القوات البحرية المتطورة للتحالف العسكري السعودي آخرها نجاحه باستهداف إحدى السفن الحربية المقاتلة التي كانت ترسو في رصيف ميناء المخا وقبلها هجوم مارس قبل الماضي على فرقاطة تابعة للبحرية الملكية السعودية ومقاتلة لوجستية تابعة للبحرية الإماراتية في يونيو كأبرز الضربات الموجعة التي تلقاها التحالف وهو النجاح الذي يغير من موازين القوى وأفشل مخطط العدوان الرامي للسيطرة على الساحل الغربي وميناء ومدينة الحديدة وبالتالي إحباط وإفشال محاولاتهم العسكرية المتكررة في فرض مخطط الأقاليم بالقوة وحصر القوى الوطنية “أنصار الله والمؤتمر” في الإقليم المسمى “إقليم آزال” والذهاب لاحقاً إلى حوار محسوم النتائج.
مسرح العمليات البرية
التطور المستمر للقدرة الصاروخية التابعة للجيش اليمن واللجان الشعبية لعب دوراً بارزاً في مجريات الحرب الدائرة وكسب المعارك ونجاحها في فرض حالة تهديد دائمة تطال المرتزقة وحلفاء معسكر التحالف السعودي ونجاحها الفريد في اختراق وكسر التفوق الهائل لفارق ونوعية التسليح المتطور للعدوان وتحقيق توازن عسكري مذهل بعد أن ألحقت بهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات كما أن الجيش اليمني واللجان أظهر براعة في التخطيط لها وتوظيف استخدامها في دقة اصطياد الأهداف النوعية التي أودت بحياة العشرات من الجنود الإماراتيين والبحرينيين والسوادنيين والسعوديين وشركاءهم من الجنسيات في مختلف الجبهات.
هندسة الصراع في المناطق والمحافظات الجنوبية
في معادلة الصراع في المناطق والمحافظات الجنوبية تحضر السعودية عن طريق هادي وحكومته بينما تحضر الإمارات عن طريق قيادات الحراك الجنوبي وقوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية وفي الفترة الأخيرة قوات النخبة الشبوانية وبناءاً على جملة من الحسابات والأهداف الاستراتيجية الغير معلنة فليس هناك وجود لما يسمى الشرعية .
وبالنظر إلى الملابسات الجارية في المناطق والمحافظات الجنوبية وتمايزها بعد الأزمة الخليجية فقد قبلت السعودية بالعمل مع الإمارات ضد الإخوان واتفقتا على استبدال ملعب المناطق والمحافظات الجنوبية بتسوية ملعب ما يسمى “السلطة الشرعية” فما سيتم هو إبراء الشرعية من المسخ الذي أصيبت به من قبل السعودية قبل الذهاب إلى الكويت وإعادة بحاح باعتباره الرجل المدعوم بالقرار الأممي وبالمبادرة الخليجية وبالتدرج سيتم التخلص من منظومة الإخوان مقابل تخلي الإمارات عن فصيل الحراك الجنوبي مستفيدة من حالة الفوضى والاقتتال اليومي المسلح وتدهور المعيشة وانقطاع الخدمات ورغم أنه مر على احتلالها عامين لم تبدأ مرحلة الإعمار الملزم لدول التحالف وفق التزاماتها الدولية هكذا تعيد دولتي التحالف ترتيب خططها لاستخدام عدن والمحافظات الجنوبية كقاعدة لوجستية وبشرية تقاتل بها وتصنع منها حاميات وكتائب وأحزمة وجناحات مسلحة ترضخ لتعليماتها العسكرية لتتمكن من استهلاكها وفق التزامات مزدوجة تارة لقواعد الاشتباك التي فرضها الصراع على السلطة في اليمن وتارة أخرى لخيارات قتالية تفرضها الأطماع والطموحات التي يتم التنازع عليها داخل دول التحالف كأهداف استراتيجية احتلالية تقف وراء الحرب على اليمن..! وما الشرعية وخطر المد الإيراني إلا مشجب لهذه الحرب المدمرة ..
الأزمة الخليجية مع قطر وارتداداتها على حرب اليمن
إن قرار السعودية والإمارات بخوض أزمة مفتوحة مع قطر وبدخولها في طور التصعيد والتدويل يفسر حالة الاندفاع غير المنطقية في إدارتها لكل ملفات المنطقة، بما فيها ملف اليمن وعمليات التحالف العسكري فيها ما يعني افتقارها لاستراتيجية واضحة المعالم والرؤى وتنقلها بين الملفات للعب أدوار متعارضة ومزدوجة ما يعزز فرضية انحسار وتضاؤل الفرص المتبقية أمام عاصفة الحزم، وبعثرت أهدافها التي عجزت عن تحقيقها منذ عامين ونصف العام باعتبار أن التوترات الحاصلة في منطقة الخليج ستنعكس بالضرورة على عمليات التحالف التي ستشهد تحولا كبيرا في العلاقات وعملية الاستقطابات الجديدة وظهور تصنيفات بينية بدأت تطفو على السطح في صفوف مرتزقة التحالف وتأخذ نصيبها من الجدل والتصادم وربما الاقتتال البيني وتفريخ الجماعات المسلحة .
السعودية تبحث عن دور كبير وتفكر في زعامة العالم العربي والإسلامي فهي تمضي في استهلاك هذا الطموح كمبرر لهذا الصراع العبثي الذي يدفع بها إلى المقامرة معتمدة على ثروتها في خوض مغامرات الوصول إلى ما تريد دون أن يعنيها القفز على التزاماتها السابقة والحالية وبالتالي تحويلها إلى أعباء إضافية وجديدة وفي النهاية لن تحصل على انتصارات يمكن ترجمتها إلى حقائق عملية من أي نوع سوى الضجيج الإعلامي المكلف والباهض الثمن.
اليمن ليست بعيدة عن توترات الأزمة الخليجية مع قطر باعتبار أن الأولوية باتت الآن في التركيز على مآلاتها الآخذة في التصعيد بعد رفض قطر الاستسلام وانتقال الأزمة إلى دائرة التدويل وعلى أساسها وجدت قطر نفسها مضطرة للاندفاع نحو تعاون وثيق مع إيران تحديداً واكثر استفادة من حرب اليمن كملف ثري وثمين لاستخدامه كورقة مجدية في مواجهة السعودية والإمارات لمعرفتها الجيدة بحجم الانتهاكات وجرائم الحرب بحق المدنيين والإنسانية في اليمن سواءً بقصف الطيران المتكرر لأهداف مدنية معظم ضحاياها من النساء والأطفال او بكشف السجون السرية وعمليات الاعتقال والإخفاء القسري وأيضاً عبر مراقبتها لكل التحركات الإماراتية التي تتوجه بإقامة مشاريع احتلالية بعيدة ما أهداف عاصفة الحزم المعلنة دفعها ذلك توسيع رقعة القطيعة والعداء الفج مع قطر وخنقها دون أن تدرك الدول الثلاث أنها بذلك تدفعها إلى الزاوية التي تخدم إيران وتمنحها فرصة استثمارها جيداً.
كما أن هذه الحالة من التصعيد تجبر السعودية والإمارات على ضرورة مواجهتها دبلوماسياً ودولياً وبتمويل حملاتها واستعداداتها على حساب عمليات التحالف العسكري في اليمن، وهو الأمر الذي سيحدث تغييراً كبيراً في أداء المعارك وإدارة الحرب وبإنهاء مشاركة قطر في عمليات التحالف وانسحاب قواتها وإيقاف تمويلها المادي تقلصت معارك “عاصفة الحزم” وتراجعت إلى السعودية والإمارات ما يفقد مستوى وقيمة المشاركة للدول الخليجية.
ظهرت قطر وهي بحاجة لتغيير قواعد اللعبة كلياً وتوسيع قاعدة استقطاباتها في المنطقة، لبناء تحالفات جديدة تضمن من خلالها القدرة على التأثير وتعديل ميزان القوى مع السعودية والإمارات وهذا لن يتأتى إلا عبر انفتاح قطر على خصوم السعودية والإمارات في المنطقة ومنها اليمن التي بات الاعتماد على فصيل الإخوان فيها أمرا لا يمكن الرهان عليه، سيما وأن الإخوان في اليمن ليس لديهم رؤية للتعاطي مع المتغيرات الجديدة غير أنهم مضطرين لمواصلة القتال تحت سقف التحالف الذي يخوض حرباً علنية ومفتوحة ضد الإخوان وعلى نطاق دولي أوسع وستتجه قطر لتعزيز وتقوية حضورها في الداخل اليمني بصيغة جديدة باعتبار اليمن أهم ملفات التأثير والاستحواذ في المنطقة والخليج.
قراءة في الداخل السعودي
أراد محمد بن سلمان من خلال “عاصفة الحزم” أن يدشن بها حضوره الدولي وأن يفتح الأبواب واسعة أمام تطلعه نحو منصة التتويج وحلمه بأن يكون الملك الثامن للمملكة بلا منازع أو منافس، ورغم أن عاصفة الحزم قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة إلا أنه استطاع بأريحية تامة استخدامها في إخماد أصوات الجميع وليصبح بعدها الحاكم الفعلي للمملكة. لذلك عمل على خلط الأوراق وإرباك المنطقة بالأزمات بل وتعنيف المشهد سياسياً وعسكرياً لخلق حالة تأزم شديدة في المجتمع السعودي تجرُّه نحو تأثيرات مفتعله من شأنها إنتاج مجموعة عوامل شديدة التأثير يتم استهلاكها كشواهد مفزعة تمس السلم الأهلي للبلاد كما يسهل تحويرها إلى تبريرات وازنة تتيح تسريع خطوات تغيير النظام الأساسي للحكم، وبدون تلك الفوضى والاختلالات لا يمكن ضمان انتقال الحكم الملكي إلى عائلة سلمان بشكل مريح، فليس من حق “سلمان” وهو الملك السابع للملكة تنفيذ انقلاب على مستوى من الخطورة قبل إنجاز ترتيبات حاسمة مع الإدارة الأمريكية من جهة والمؤسسة الدينية المتمثلة بهيئة كبار العلماء من جهة ثانية ومنظومة الأسرة الحاكمة من جهة أخرى واسترضاءها قبيل تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد ليصبح وريثاً للعرش بعد والده سلمان.
لقد صار محمد بن سلمان ولياً للعهد كأمر مفروض يصعب تجاوزه، وبات بديهياً أن يتنازل الملك سلمان عن الحكم لصالح نجله محمد ويبقى الجدل منحصرا في التوقيت فقط، هذا ما يخطط له الملك سلمان ليطمئن على مشروعه المتمثل بتثبيت عرش نجله وهو لا يزال على قيد الحياة ما يعني أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة السعودية التي ينجح ملك من أبناء المؤسس عبد العزيز في افتعال سلسلة من الأزمات والإرهاصات الواسعة تمهد لتنصيب ابنه ولياً للعهد، فيما حاول الملوك “سعود، وفيصل، وفهد، وعبد الله” فعل ذلك وفشلوا.!
باعتبار أن حصر السلطة في فرع واحد من أبناء الملك وليس في العائلة المالكة أمر يستحيل تحقيقه في حال تعيش المملكة ظروفاً طبيعية بوصفه تحول يغير تاريخ حكم آل سعود ويجعل الخاسرين من نمط التغيير يتكاثرون إلى قدر يصعب التكهن بما سوف تكون عليه ردود الفعل والمقاومة من البنية القديمة داخل أسرة آل سعود.! ما استدعى اللعب على “مدارات التأثير” والاندفاعة الشديدة في شكل ومستوى التدخل العسكري في حروب دول المنطقة والارتكاز على حرب اليمن كمحور أساس لإعادة انتاج الحكم بالطريقة السلمانية.!
حرب اليمن التي أطلقها محمد بن سلمان عقب ثلاثة أشهر من تولي والده عرش المملكة وضعت تحت يده أضخم ميزانية تسليح تاريخية على الإطلاق وحققت رغبته في إغراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي التقاه في 14 آذار الماضي بصفقات تسليح مفتوحة جعلت منه رجل أمريكا الأول في السعودية بدلاً عن محمد بن نايف الذي كانت تعول عليه أمريكا لحكم البلاد، وبعد زيارة ترامب للرياض الذي عاد بعدها إلى بلاده مبشراً بغنيمة باهظة الثمن لقاء صفقة سميت بـ”صفقة القرن” فضمن الأمير موافقة حاسمة من الإدارة الأمريكية في توليه العرش. منذ وقت مبكر اشتغلت آلة دعائية فتاكة بصحبة المؤسسة الدينية المتمثلة في هيئة كبار العلماء عزفت على وتر الخطر الإيراني على الحد الجنوبي للمملكة وانسجمت المؤسسة الدينية في مسايرتها بحماسة منقطعة النظير وبذلك يكون الأمير قد حصل على الموافقة الثانية التي تربطه بمنصة التتويج وتبقى تقديم ضمانات شكلية وترضيات داخل منظومة الأسرة الحاكمة أتت لاحقاً بتعديل المادة الخامسة من النظام الأساسي السعودي.
ثمة احتمال يقول أن محمد بن سلمان ربط مصير وصوله إلى الحكم وتثبيت عرشه بمصير الحرب في اليمن ما يعني بنظر نخبة المراقبين أنه لايزال هناك متسع من الوقت أمام الحرب في اليمن وسيكون من الصعب على محمد بن سلمان التخلي عن حرب اليمن بسهولة لضمان استثمارها في مواجهة أي تقلبات مباغتة قد تنحرف بمسار توليه الحكم في أي لحظة من اللحظات.
هزائم المحور السعودي الداعشي في العراق وسوريا
بالنظر إلى المحور السعودي في المنطقة فقد أخذت تتسع دائرة الهزائم العسكرية التي تتلقاها المملكة في المنطقة ومنيت بها بصورة متلاحقة وبعد أن الحقت الهزائم بدولة داعش في الكثير من مناطق ومدن العراق وسوريا، خسرت المملكة أهم أوراق اللعب التي ظلت تراهن بها في المنطقة وفق منهجيتها المتطرفة ووجدت الآن نفسها مضطرة للتعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد كأمر واقع لا يمكن تجاوزه بعد أن كانت لا تقبل مجرد الخوض والنقاش فيه. ما سيدفع المملكة لإدارة الملف اليمني ضمن دائرة الملعب في المنطقة، وفي حال ذهبت الأمور في الشأن السوري إلى اتفاقات تسوية مع المعارضة والنظام ففي المقابل ستذهب المملكة لتسوية الملف اليمني وفق آخر المتغيرات التي يفرضها ميدان المعارك.
وتيرة التحرك الدولي
يجري حالياً تأطير التحرك الدولي باتجاه إخضاع جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية بحق اليمن لتدقيق دولي صارم حتى وإن جرى القفز عليها كما حدث مؤخراً بضغط أكبر مارسته السعودية والإمارات غير أن هذا النوع من التحرك وبوتيرة متزايدة يعد تطور لافت ويأتي بسياق مختلف في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان التي ظلت السعودية تعطله مبكراً وتعارضه بشكل متكرر لأكثر من عامين وبعد أن فاضت رائحتها من الجرائم والفاشية وبلغت الحد الذي يسمح القبول به أو التراجع عن مواجهته إلا بثمن باهض الكلفة وسيصعب لاحقاً على دول العدوان الإيفاء به لقاء استمرار الصمت الدولي عن جرائمها المستمرة بحق الإنسانية في اليمن.
تراجع هولندا وكندا عن مسودة مشروعهما الأخير بشأن تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة عن جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف في اليمن بعد أن كان مقرر عرضها في الـ29من أيلول سبتمبر الفائت يحمل أبعاداً لا يمكن تجاهلها أقلها يتمثل بأن حجم خطر الانتهاكات قد تجاوز حدها وأن الثمن المسحوب لصالح التراجع كان باهض الكلفة بما يجعل هولندا وكندا أن تعدل عن طلبها بالتحقيق عن ما وصفته بـ” بالفضائع والظروف المروعة واللاإنسانية في اليمن”.
لم يعد هناك وقت طويل وسيتجاوز الأمر مسرحية حقوق الإنسان إلى ما هو أبعد من تصفية الخصوم ولعبة القضاء على معسكرات انتهى دورها وبات تصفيتها ضمن آخر مهمة تفرضها قواعد اللعبة وهذا التحرك الدولي بمنسوب غير مسبوق هي أحد الأوراق التي تم بها تعبيد الطريق للقادم المؤلم على تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات .
محددات سيناريو الخروج من الحرب في اليمن :
– التوجهات الحالية والمستقبلية للقوى العالمية ذات النفوذ والتأثير الدولي إما وفق تموضع مصالحها الاستراتيجية المتعددة في المنطقة أو بناءً على إفرازات الحرب في اليمن عسكرياً وسياسياً وإنسانياً ومدى انعكاسات على منسوب الخطر الذي قد يلحق بالأمن القومي العالمي والإقليمي .
– عودة المحور الروسي إلى المنطقة كلاعب قادر على فرض إرادته على المحور الإمريكي السعودي بعد تفوق الدور الروسي في سوريا والعراق ما يعزز فرص ممكنة لذات المحور في لعب دور أبرز في إدارة الملف اليمني.
– وصول الحرب التي يشنها التحالف العسكري السعودي في اليمن إلى طريق مسدود وهزيمة ضمنية منيت بها السعودية والإمارات بعد أن أفضت إلى تفكك التحالف وانسداد أفق الخيارات العسكرية واللوجستية والسياسية والاقتصادية كافة وتحولت إلى حرب استنزاف هائلة وثقيلة للسعودية والإمارات .
– انهيار الوضع الإنساني وبلوغه منعطفاً خطيراً لا يحتمل التمادي ويستدعي فرض حالة من السلم الإنساني والتدخل الدولي العاجل .
– إخضاع جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية بحق اليمن واليمنيين إلى تدقيق دولي صارم واتساع موجة الملاحقة التي تتعرض لها السعودية والإمارات من منظمات دولية رسمية وغير رسمية .
– مخاوف المملكة السعودية من ارتدادات عكسية مفاجئة تجرها نحو جملة من التهديدات الأمنية والاقتصادية والسياسية أخذت مؤشراتها الأولية تطفو على المشهد وتؤثر على مكانتها داخلياً وإقليمياً ودولياً .
– يتعين على المملكة السعودية تعديل سياستها العدائية في المنطقة ومنها اليمن لإتمام عملية التوجه الداخلي للملك سلمان في تسوية الانقلاب على أسرة آل سعود وتوطيد الحكم في فرع عائلته ما يتطلب تغيير واسع يضمن استقرار المملكة وتتويج ابنه محمد ملكاً للبلاد .
خاتمة
يتعذر على دول التحالف العسكري السعودي الخروج من الحرب في اليمن وفق سيناريو آمن يتماشى مع تصوراته للحل أو خيارات متعددة تحفظ لها ماء الوجه وتبقي على مكانتها الإقليمية والدولية وفي الوقت الذي تتعاظم فيه حاجتها للخروج العاجل من الحرب في اليمن تجد نفسها أمام ضغوط دولية واسعة ومحددات متعددة وهي مجبرة على التكيف معها .
وتبقى فيما يبدوا على مدارات التأثير المحلية والإقليمية والدولية أن تحدد وتدفع نحو سيناريو خروج إجباري من الحرب في اليمن ولن يكون ذلك الخروج وفق ما تتصوره دول التحالف بل بتفوق أي من مدارات التأثير على بقية المحددات والذي يشكل فيه الإطار المقاوم وصمود الجبهة الداخلية أبرز عوامل التأثير.