المشهد اليمني الأول| متابعات
في ظل الهجمة الإعلامية الشرسة التي تنشد مذهبية الصراع، وعلى وقع “النفخ” في الأبواق الطائفية، كشف المستشار في الديوان الملكي السعودي وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع أن الهيئة تحضر لحوار مع “عقلاء” الشيعة في المملكة والعراق وايران “لبيان الحق لهم”.
وأوضح المنيع في تصريح اوردته صحيفة “المدينة” السعودية أن”هناك الآن محاولة وتهيئة لإيجاد حوار مع معتدليهم من المواطنين منهم في الأحساء والقطيف، أو حتى من شيعة العراق وإيران، أو أي بلد من البلدان التى فيها طوائف شيعية لمحاورتهم وبيان الحق لهم”.
لم تحدّد الهيئة موعد اللقاء بعد، فخطوة مماثلة بحسب المنيع، وهو أحد كبار أعضائها، تحتاج إلى “تهيئة من أجل إيجاد حوار مع معتدلي الشيعة من المواطنين في الأحساء والقطيف”، موضحاً أن “هناك إعداداً لبرامج حوارية على هذا الأساس، ونأمل أن يكون وراء ذلك خير”. وتبدو الهيئة مقتنعة بقدرتها على إقناع “العقلاء”، فهي “تأمل فيهم خيراً”، لا سيما أنها “تطرح ثوابت من الكتاب والسنة والأصول التي يجب ألا يختلف عليها أحد، وبناء على هذا تكون معايير الوصول إلى حقائق وقناعة موجودة ومتوفرة”.
حوار أم إملاء؟
لا يختلف إثنان على أهمية هذا الحوار، وإيجابية طرحه من قبل هيئة كبار العلماء، لأن حال الشقاق بين السنة والشيعة وصلت إلى مرحلة تحتاج فيه الحوار بشدة، لكن ليس أي حوار في ظل احتدام الصراع السني – الشيعي، داخلياً لا سيما بعد إعدام القيادي الشيعي الشيخ نمر باقر النمر مطلع العام الحالي، وإقليمياً مع تفاعل الحرب السورية واليمنية والعراقية، وامتداداتها على كامل المنطقة.
من هنا، يُعدّ الحوار في نفسه إيجابياً، في وقت يتوقف البعض عند فعالية حوار يحمل في طيات التحضير له هدفاً وحيداً وهو “تبيان الحق للشيعة” على ثوابت “القرآن والسنة، ومن خالفهما فهو على ضلال”.
انقسم المتابعون في الداخل السعودي بشقهم الأكبر إلى رفض الحوار، رغم أنه حاجته اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ما يكشف مدى الإحتقان الذي يتربّع على صدور العديد من أتباع الوهابية السعودية، بخلاف أتباع الأزهر الشريف في مصر.
دعوة الشيخ المنيع لاقت ردود أفعال مختلفة في الداخل السعودي، ففي حين وجد كثير من المدونين السعوديين المتفاعلين مع الموضوع النشط في النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، أن مثل هذا الحوار لن يقدم أي جديد في قضية خلافية بين مذهبين تعود لأكثر من ألف عام لعدم قناعتهم بما يسمى “حوار الأديان”، عارض آخرون مثل هذا الحوار لأسباب أخرى، مثل الخشية أن يفتح الحوار المجال للتنازل عن ما يعتبرونه ثوابت في أصل الدين الإسلامي لا في مذهبيهم، أو لأن اللقاء يحمل بوادر “إملاء” وليس “حوار”، فالطرف المهلّل للحوار، سارع في إستحضار حوادث عن إقناع بعض الشيعة بأنهم على خطأ.
رغم أن الحوار السني الشيعي ليس هو الأول من نوعه، فقد شهد التاريخ الإسلامي الحديث حوارات عديدة بين علماء تمثّل شطري الأمة الإسلامية، أبرزها الحوار الذي جرى بين عالمين جليلين لكل منهما خطره ومكانته في مذهبه علماً وخلقاً وأدباً وبكل ما تتضمنه هذه الكلمات من معنى، الأول منهما العالم الجليل الشيخ سليم البشري شيخ الإسلام وعمدة المحدثين في مصر، والثاني السيد الشريف صاحب السماحة العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين شيخ علماء الشيعة وإمام الحفاظ والمحدثين في لبنان، إضافة إلى لقاءات عدّة مماثلة، إلا أن الجديد في هذا الحوار صدوره عن المدرسة الدينية السعودية التي تتبع النهج الوهابي، بإعتبار أن أغلب، إن لم تكن كافة الحوارات السابقة إنحصرت بين النجف الأشرف وقم المقدّسة والأزهر الشريف، ما يعد سابقة في تاريخ الحوار الإسلامي.
إن الخلاف السني الشيعي هو خلاف تاريخي بين أكبر طائفتين إسلاميتين، أهل السنة والجماعة والطائفة الشيعية، ويتركّز في عدة محاور؛ منها ما هو متعلق بالعقيدة، ومنها ما هو متعلق بالمسائل الفقهية، إلا أن ذلك لا يعني أبداً خروج هذا الخلاف أو الإختلاف عن الحديث النبوي الشريف “إختلاف أمتي رحمة”، ولعل التجارب السابقة خير دليل على أن هذه الحوارات هي “ربح محض”، لا لطرف على حساب الأخر، بل للأمة الإسلامية جمعاء، وتحديداً شعوب دول الشرق الأوسط التي عانت الأمرين من ويلات هذا النفخ الطائفي الذي أسّست له واشنطن أرضية مناسبة، تارة عبر الأسلوب الخشن كـ”داعش” وأخواتها، واخرى عبر الأسلوب الناعم كالفضائيات الفتنوية السنية والشيعية، على حدّ سواء.
بانتظار بدء الحوار المأمول، في ظل النقاش السلبي في الفضاء العام، ما يؤكد أن حال الشقاق وصلت إلى مرحلة تحتاج فيه الحوار بشدة، لكن ليس أي حوار من ناحية، وضرورة التركيز على الأداء الإعلامي لمنع الفتنة من ناحية آخرى.
المصدر: الوقت