المشهد اليمني الأول| تقارير
لا يزال الوضع الإنساني في اليمن متأزماً، مُنذ اندلاع العدوان السعودي بمشاركة ٍ أمريكية. فيما تحوّلت البلاد إثر الحرب إلى ساحة دمار، كان أكثر من تأذى بسببها المدنيون، خصوصاً أن أياً من أهداف الرياض العسكرية لم تتحقق.
بينما يتميَّز سلوك السعودية العسكري، بإستهداف المدنيين فقط. لكن وعلى الرغم من التجاهل الإعلامي والحقوقي للأزمة اليمنية على مدار الأشهر الماضية، يبدو أن العالم بدأ يلتفت إلى القضية الإنسانية المنسية وسط الحرب في اليمن. وهو ما تؤكده الحقائق، لا سيما كلام الحقوقيين حول العالم، و وعي الشعوب.
قبل أيام، أصدرت الأمم المتحدة، تقريراً بشأن الحرب في اليمن، أدرجت فيه السعودية وحلفاءها التسعة، ضمن ما يُعرف بـ “اللائحة السوداء” للدول والحركات المتهمة بقتل الأطفال في النزاعات، قبل أن تحذفهم من القائمة بعد ذلك.
وكان التقرير قد أورد بأن الرياض، التي تقود ما يُسمى بـ”حرب التحالف العربي ضد الحوثيين”، تتحمل مسؤولية 60% من حصيلة تبلغ 786 طفلاً قتيلاً، و1168 قاصراً جريحاً العام الماضي في اليمن. وفي نفس التقرير أيضاً، يُتهم تنظيم القاعدة بتجنيد ما يقارب 762 طفل في حرب اليمن.
وهنا فقد أثار التراجع عن نتائج التقرير، استياءاً عاماً من قبل المنظمات الحقوقية في العالم، حيث اعتبرت “منظمة العفو الدولية”، في بيان لها أن إعلان الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون”، سحب ما يُسمى بـ “التحالف العربي” من اللائحة السوداء، هي نتيجة مباشرة للضغوط الدبلوماسية التي مارستها الرياض. مضيفةً بأن مصداقية منظمة الأمم المتحدة باتت محل شك، بعد أن تراجعت بشكل فج أمام الضغوط.
من جهته عبَّر “فيليب بولوبيون”، نائب مدير “هيومن رايتس و وتش”، على موقع التواصل الإجتماعي التويتر، بأن “ثمة مستوى جديداً من الإنحطاط في الأمم المتحدة، فيما يخص الإنتهاكات السعودية ضد الأطفال في اليمن، وتبييض ساحتها تحت الضغط”.
وهنا فإن لجوء الأمم المتحدة للقول بأن الحقائق حول تورط السعودية، تحتاج لإعادة نظر، هو ما تدحضه الكثير من الأدلة والتقارير والتي تؤكد تورط الرياض. وهنا نشير للتالي:
سبق لمنظمة العفو الدولية أن حذرت من مخاطر استخدام الرياض وتحالفها، للقنابل العنقودية، والتي ترميها طائرات العدوان السعودي. حيث تبقى بعضها غير منفجرة، مما يعرض الأطفال والمدنيين للموت.
كما اتهمت المنظمة ذاتها دول التحالف في كانون الأول المنصرم، بشن غارات تستهدف المدارس، ما حرم آلاف الأطفال اليمنيين من الدراسة.
في سياقٍ متصل وثقت “لجنة خبراء الأمم المتحدة” في تقرير لها بداية العام الحالي، ما يساوي 120 طلعة جوية للعداون السعودي، تتصل بإنتهاك القانون الإنساني الدولي، مؤكدة أن العديد من الطلعات الجوية استهدفت مدنيين. كما وصفت هذه الأعمال، بأنها انتهاكات واسعة النطاق وبشكل ممنهج، قد ترقى “لجرائم حرب ضد الإنسانية”.
في نفس السياق، طالبت “هيومن رايتس ووتش” المجتمع الدولي بفتح تحقيق مستقل حول الوضع في اليمن، بعد أن حملت العدوان السعودي، مسؤولية التسبب في مقتل حوالي 310 من المدنيين، وإصابة أكثر من 414 آخرين باليمن.
كما اتهمت منظمة “بلا حدود”، في بداية العام الحالي، تحالف الرياض باستهداف سيارة إسعاف تابعة لها، ومقتل سائقها وأربعة آخرين، بالإضافة إلى إصابة 35 من المدنيين.
تحليل ودلالات
بناءاً لما تقدم، يمكن استنتاج التالي:
يبدو واضحاً أن السعودية تملك نفوذاً دبلوماسياً داخل أروقة الأمم المتحدة، على الرغم من أنها لا تشغل أي مقعد في مجلس الأمن الدولي. لكنها تتحكم في النقاشات التي تدور هناك حول الأزمة اليمنية، بدعمٍ غربي وأمريكي، بالإضافة الى تغطية اللوبي الصهيوني.
وهنا، لم يكن غريباً ما كشفته صحيفة التلغراف البريطانية، حيال إسقاط السعودية وحلفائها في العدوان على اليمن، من القائمة السوداء، بعد ضغوطاتٍ مارستها السعودية وعددٌ من العواصم الغربية الى جانب أعضاء في مجلس الأمن.
في حين بلغت التهديدات حد التلويح بوقف تمويلات برامج المنظمة الدولية، والتأثير على مسار محادثات السلام اليمنية الجارية في الكويت، في حال لم يُزل التحالف العربي أي الرياض وحلفاؤها في العدوان من تقرير اللائحة السوداء.
لذلك يُشير العديد من المراقبين الدوليين، والحقوقيين، الى أنها ليست المرة الأولى التي تنجح فيها الرياض وعبر دعم حلفائها، لا سيما بريطانيا وأمريكا، من عرقلة إجراءات كبح سلوكها العسكري والسياسي.
والحيلولة دون تسليط الضوء على سلوكها في اليمن، لا سيما عبر تغطية الخسائر الإنسانية الكبيرة نتيجة الصراع في اليمن.
فبحسب الحقائق، فإن نيوزيلاندا، سبق أن وضعت مقترحاً لدى مجلس الأمن، يهدف لشق ممرٍ آمنٍ للإغاثة الإنسانية داخل المناطق المنكوبة في اليمن. إلا أن هذا المقترح، جوبه بالرفض. كما تم إبطال محاولة “هولندا” تشكيل لجنة تحقيق في مجلس حقوق الإنسان، للنظر في الإنتهاكات الحاصلة للقانون الدولي، والذي اقترفته السعودية وحلفاؤها في اليمن.
كما عملت السعودية من خلال نفوذها، للتأثير على عمل لجنة خبراء الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في الأزمة الإنسانية باليمن، ما أدى إلى تنحي خبيرين مستقلين، هما “فيرجينيا هيل” و “لوسي ماثيسون”، بسبب الضغوطات عليهما لحجب الأدلة التي تورِّط الرياض.
إذن، ليست الأمم المُتحدة طرفاً قادراً على لعب دور القاضي. وهي المنظمة التي أثبتت طوال التاريخ أنها تحاكم الجلاد وتُبرئ الضحية. فيما يُثبت سلوكها الجديد، أنها ليست إلا حامياً للإرهاب، ومنصاعاً للسياسة الأمريكية.
فالعالم بأسره بات شاهداً على حجم الجرائم السعودية. بل إن أفعالها في اليمن، أضحت راسخةً في عقول الشعوب. ومهما فعلت الأمم المتحدة عبر التغطية لأهداف تتناقض مع أهدفها الوجودية، فإن ذلك لن يؤثِّر، في الرأي القائل بأن الرياض هي كالكيان الإسرائيلي، صانعة الإرهاب والتطرف.
كل ذلك تحت العين الأمريكية والرعاية الغربية. فيما توجد الكثير من الحقائق والأدلة حول إجرام الرياض، والتي تبدأ بإعترافاتٍ سابقة لللأمم المتحدة ولا تنتهي بالحرب على اليمن.