كتب/ أحمد ناصر الشريف
الشيءُ المتعارفُ عليه كقاعدة ثابتة أَن كُلَّ عمل عظيم ترافقه أخطاء وقد تكون أَحْيَاناً كبيرة؛ لأن الذي يعمل يخطئ والذي لا يعمل لا يخطئ، وهي حقيقة لا يستطيع أحدٌ تجاوُزَها أَوْ انكارها, لكن مع الأسف الشديد فَـــإن الذين تعودوا دائماً الاصطياد في الماء العكر لا يركزون إلّا على الأخطاء ويتجاهلون الانجازات على أرض الواقع مهما كان حجمها كبيرا لغرض في أنفسهم وخدمة لمصالحهم الخَاصَّـة التي يقدمونها على المصلحة الوطنية.. على سبيل المثال: ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي قامت عام 2014م لم تأت ِترفاً أَوْ حباً في التسلط من قبل طرف معين وانما جاءت كضرورة وطنية حتمية فأنقذت شعب من الوقوع في براثن الإرَادَة الأمريكية والارادتين السعودية والإسْرَائيلية والتي عملت المستحيل لتقسيم الوطن الـيَـمَـني إلَى كانتونات بحيث يسهل السيطرة عليه وتطويع شعبه ليظل خاضعاً لإرَادَة الخارج.
ومع أَن ثورة 21 سبتمبر الشعبية قد أتت في نفس اليوم باتفاق السلم والشراكة الوطنية ولم تستأثر بالسلطة لنفسها وهي كانت قادرة أَن تفعل ذلك لو أرادت إلّا أَن أَصْحَـاب المصالح والمرتبطين بالخارج وصفوها بالانقلاب على الشرعية المزعومة والتي بسببها دمروا الوطن الـيَـمَـني وقتلوا شيوخه ونسائه وأَطْفَاله من خلال عُـدْوَان بربري تحالف فيه كُلّ الأشرار ولم يشهد له التأريخ مثيلاً لا من حيث قذارته وقسوته ولا من حيث حقد وعداوة من تصدّروا هذا العُـدْوَان ضد الـيَـمَـن وشعبها العظيم..
ولأن ثورة 21 سبتمبر الشعبية هي الحركة الوحيدة التي استطاعت خلال أَكْثَر من نصف قرن أَن تحرّك المياه الراكدة وتتمكن من إسْقَـاط رموز الفساد الذين تعاملوا مع الوطن الـيَـمَـني كله وكأنه قطعة أرض خَاصَّـة بهم شروها من حُر مالهم وكادوا يستعبدون الشعب بما فرضوا عليه من قيود وتوجّهات وخضوع لإرادتهم فَـــإن أَصْحَـابَ المصالح من السياسيين والمثقفين والإعْـلَاميين لم يعترفوا بهذه الحقيقة الساطعة التي تُعتبر بالنسبة لهم مُرة فشنوا حملةً شعواءَ ضد ثورة 21 سبتمبر الشعبية وتحديداً ضد مكون أَنْـصَـار الله كونه مَن قاد هذه الثورة الشعبية التي جاءت في الأساس مصحِّحة لمسار الثورة الـيَـمَـنية الأم (سبتمبر واكتوبر) والتي تم الرميُ بأهدافها الستة المعلنة عرض الحائط ولم ينفذ منها على أرض الواقع هدف واحد، بل حولوا الجمهورية إلَى جمهورية ملكية واقطاعية تنفيذاً لرغبة جارة السوء السعودية التي تسلّم ملكها الراحل فيصل بن عبدالعزيز راية الإشراف على الثورة الـيَـمَـنية من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في النصف الثاني من عام 1967م..
أضف إلَى ذلك أَن الملك فيصل اشترط على الرئيس عبدالناصر للاعتراف بالجمهورية العربية الـيَـمَـنية لتبقى كمسمى فقط للنظام تحت الإرَادَة السعودية تعيين الراحل أنور السادات نائباً للرئيس جمال عبدالناصر ثم بعد ذلك دسّوا له السهم في المطار وهو يودع أمير الكويت الراحل سالم الصباح ليقضوا على حياته.. ومن المفارقات أَن أنور السادات نفسه هو من دس السم لرئيسه جمال عبدالناصر بالاتفاق مع الملك فيصل والمخابرات الأمريكية ليخلوا الجو بعد ذلك لأمريكا والنظام السعودي وإسْرَائيل للتحكم في مقدرات المنطقة العربية وهذا ما حدث فعلاً حتّى يومنا هذا.
وعليه نقول لمن تعودوا الاصطياد في الماء العكر واستغلال الأخطاء وتوظيفها لخدمة مصالحهم الخَاصَّـة وتحريض الخارج على الـيَـمَـن وشعبها: لو لم يكن لمكون أَنْـصَـار الله إلّا حسنة إسْقَـاط مراكز النفوذ التي كانت تتحكم في مقدرات الـيَـمَـن والـيَـمَـنيين منذ عدة عقود وعجز كُلّ الحكام السابقين خلال أَكْثَر من نصف قرن زحزحتهم لكان هذا كافيا ليدخل مكون أَنْـصَـار الله التأريخ من أوسع أَبْـوَابه.. من كان يصدّق أَن أولاد الشيخ عبدالله الأحمر الذين كان يشكل الواحد منهم دولة داخل الدولة سيتساقطون كأوراق الخريف ويصبحون مشردين في الخارج.. ومن كان يصدق أَن الحاكم بأمره الجنرال علي محسن صالح الذي كان يتفاخر بأنه الرجل الأول في نظام الرئيس الأسبق عَلَـى عبدالله صالح سيهرب مثل القط المذعور ويصبح مطلوب للعدالة..
ومن كان يصدق أَن مراكز النفوذ في مختلف المحافظات الـيَـمَـنية سيخفضون أجنحة الذل لثورة 21 سبتمبر الشعبية وهم الذين في السابق لم يكن أحدٌ يستطيع الاقتراب منهم.. بل من كان يستطيع من الحكام السابقين أَن يقول لأمريكا والسعودية: لا.. ويطلب منهما رفع وصايتهما عن القرار السياسي الـيَـمَـني..
صحيحٌ أَن الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله حاول بالتلميح من خلال رفعه لشعار بناء الدولة الحديثة فقتلوه واستبدلوه بمَن ينفذ لهم رغباتهم لجعل الـيَـمَـن تحت سيطرتهم وفي المؤخّرة.. وكم هو فخر لقيادة ثورة 21 سبتمبر الشعبية قُدرتها التي جعلت من الجيش الـيَـمَـني المسنود باللجان الشعبية جيشاً وطنياً يواجه عُـدْوَاناً بربرياً تشارك فيه 36 دولة بما تمتلكه من امبراطوريات السلاح والمال والإعْـلَام وهو الذي كان يتهم بأنه جيش عائلي عقيدته التي تربى عليها هي الدفاع عن الحكام وليس الدفاع عن الوطن.
وهناك انجازاتٌ أُخْـرَى كثيرة حققتها ثورة 21 سبتمبر بفضل حكمة قيادتها أَصْبَحت محط اعجاب العالم بل واعترف بها العدو قبل الصديق.. لكن العملاء والمرتزقة والمتمصلحين لا ينظرون إليها إلّا من خلال عين ترصد الأخطاء التي يرتكبها البعض بقصد أَوْ بغير قصد وقدموها لأنفسهم وللعالم على أنها هي الانجازات لثورة 21 سبتمبر لاسيما أخطاء المندسين في اللجان الثورية سواء أكانوا محسوبين على مكوّن أَنْـصَـار الله أَوْ ينتمون إلَى قوى سياسية أُخْـرَى ولكنهم ركبوا الموجة من أجل خدمة مصالحهم؛ كونهم متشبعين بثقافة الفيد والفساد التي خلفتها لشعبنا أَنْظمَة ما قبل قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية.