كتب/ الشيخ عبدالمنان السنبلي
كما هو معروفٌ دائماً عن السياسة أنها عبارة عن فن تحقيق الممكن و أنها كما يقولون (لعبة الكبار)، لذلك ليست العبرة بأساليب و طُرق ممارستها و إلى أي مدى تتسق مع الثوابت و المبادئ الوطنية أو القومية أو لا.. بقدر ما هي بالوصول إلى الغايات و الأهداف التي ينبغي أن لا تتجاوز الخطوط و الهامش المسموح و المتاح للثوابت و المبادئ الوطنية .
من هنا لو أخذنا زيارة الناطق الرسمي لأنصارالله الأستاذ محمد عبدالسلام و وضعناها في إطار هذه المعادلة برؤية معمقة و غير سطحية و بعيداً عن ما صاحبها من تراشق إعلامي محموم ما بين مؤيد و رافض للزيارة، و بدأنا نفحص و نمحّص في جدوى هذه الزيارة من عدمه لتوصلنا إلى عدة أشياء لم تؤخذ في الحسبان لدى بعض الإعلاميين و الناشطين المتحمسين و الذي تغلب على مواقفهم العاطفة و التسرع أكثر من التعقل و التأني .
أولاً لا أعتقد أن زيارة الإستاذ محمد عبدالسلام إلى ظهران الجنوب قد تمت بدون التنسيق و التفاهم المسبق مع و فد المؤتمر الشعبي العام، و لولا أن السعوديين قد قرروا عدم التعامل مع المؤتمر الشعبي العام لغاياتٍ في أنفسهم ليس أقلها محاولة الإيقاع بين أنصارالله و المؤتمر، لما ذهب محمد عبدالسلام وحيداً و بمعزلٍ عن أحد قيادات المؤتمر .
ثانياً لا أرى في هذه الزيارة ما يشير إلى الإستسلام أو الإنقلاب على شركاء رفض و مواجهة العدوان بقدر ما أنظر إليه كحركة إستراتيجية تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدام المتواجدين في فنادق الرياض و تحييدهم و إزاحتهم من الواجهة إلى الخلف شيئاً فشيئا حتى يجدوا أنفسهم في مقاعد المهملين و (الكمبارس) الذين لم يعد لتواجدهم و حضورهم أهمية تذكر .
ثالثاً لمجرد أن تفاوض السعودية سراً و بمعزلٍ عن أولئك القابعين في فنادقها، فإن هذا يرسل لهم إشارةً قويةً مفادها أن السعودية لم يعد يهمها اللهث وراء شرعية هادي الضائعة بقدر ما وصلت نفسها إلى قناعةٍ تامةٍ بضرورة البحث عن مخرجٍ لها من هذا المأزق الذي أوقعت نفسها فيه و أنها لم تعد تراهن على أولئك المتسكعين على أبواب قصورها بعد أن ثبت لديها حقيقة حجمهم الصغير و حضورهم الضعيف في معادلة الصراع المعقدة .
رابعاً : من المعروف عن السعودية أنها لايمكن أن تقبل أن يدخل أراضيها أي إنسانٍ إلا بموجب دعوةٍ مسبقةٍ منها أو بناءً على تفاهمٍ مسبق، و هذا يعني أن السعودية قد بدأت تغير نظرتها و إستراتيجيتها تجاه أطراف الصراع اليمني، فمن كانوا بالأمس غير مرحبٍ بهم و يُصنفون كحركات و ميليشيات إرهابية يجب إستئصالهم و محاربتهم هاهم اليوم يحظون بإعترافٍ سعودي واضح و يتلقون الدعوات منها للحضور للتفاهم و بحث الحلول و المخارج المناسبة و ليس بعيداً أن يُفرش لهم البساط الأحمر كما حدث في الكويت .
خامساً و هو الأهم : أن السعودية أدركت أنها لن تسطيع كسر شوكة و إرادة الشعب اليمني و أنها كلما أستمرت في عدوانها عليه كلما إرتد ذلك عكسياً على أمنها و إستقرارها بصورةٍ قد تفضي في نهاية الأمر إلى إنهيار نظامها و سقوطه على المدى المنظور، لذلك فهي اليوم قد بدأت في البحث الجدي عن معالجاتٍ لما أرتكبته من حماقاتٍ لأكثر من عامٍ بحق الشعب اليمني و ما تصريح ولي عهد المملكة إلا دليلٌ على هذا التغير المفاجئ في موقف بلاده .
هكذا يبدو لي الأمر بعد تأملٍ شديد في معطيات الصراع السياسية و العسكرية و أن لا مشكلة في زيارة الناطق الرسمي لأنصارالله إلى السعودية طالما و أن الزيارة تحمل طابعاً تكتيكياً لا ينم عن إستسلامٍ أو خنوع ..
و من هنا أهيب بحملة الأقلام و الكتاب المتسرعين أن لا يضفوا على هذه الزيارة أي نوعٍ من التبرير الأعمى أو التخوين المتسرع بما يسهم في خلق أجواءٍ من الإحتقان الغير مبرر على مستوى الشارع الرافض و المواجه للعدوان و ذلك حفاظاً على تماسك الجبهة الداخلية و وحدة صفها، فالعبرة كما يقولون بخواتيم الأمور…