كتب/ ناصر قنديل
– المؤشرات على تقدّم مفاوضات الفريقين اليمنيّين باتت فوق النقاش والجدل، خصوصاً أنّ هذه المفاوضات التي جرت في ظروف مختلفة منذ البداية عن جولات سابقة في جنيف، حملت ما يدعو للتساؤل عن فرص أفضل لمجرد قبول دولة الكويت وأميرها باستضافتها وتقديم رعاية إضافية لها دون ضمانات من الأطراف بنجاحها، وبشكل خاص ضمانات سعودية أميركية بدعم الكويت لبلوغ تسوية تلاقي ما يتيح ضمان قبوله من الحوثيين الذين يمثلون الطرف الفاعل على الضفة المقابلة، وبرغم الطريق المتعرّج للمفاوضات بدا أنّ الاعتكاف المتكرّر للفريق المدعوم سعودياً لم يترجم مرة بمغادرة الكويت، حيث تجري المفاوضات، بينما بدا أيضاً أنّ الاستعداد لتثبيت وقف النار بصورة كلية واحد من مصادر التفاؤل الأممي بالنجاح في رعاية المفاوضات نحو الحلّ، وأنّ وقف الغارات السعودية وتسليم مهمة مراقبة الموانئ للأمم المتحدة يعبّران عن رسالة سعودية بتغيّر المقاربة التي أفشلت جنيف والقائمة على ربط وقف الغارات بالتوصل إلى تفاهم ينفذ فيه الحوثيون المطالبات بتسليم صنعاء والسلاح لحكومة وقوات منصور هادي، وهو ما يرفضه الحوثيون جملة وتفصيلاً، فلا يقبلون بربط وقف الغارات بتقدّم التفاوض، ولا يقبلون للتفاوض سقفاً يعني دعوتهم للاستسلام، كما عبّروا مراراً في جنيف وفي الكويت.
– المسار التفاوضي الذي كان يدور في حلقة مفرغة، رغم الإصرار على عدم الفشل، كان يبدو محكوماً بصعوبة الجمع بين ربط الحوثيين وحلفائهم لأيّ ترتيبات أمنية كالبحث بتسليم المدن والسلاح، وفقاً لنص القرار الأممي الذي يرفعه السعوديون وجماعتهم مرجعاً حاكماً للمفاوضات، بتفاهم سياسي عنوانه حكومة موحّدة تمهّد لدستور جديد تجري على أساسه انتخابات رئاسية ونيابية، وبين إصرار السعوديين وجماعتهم على أولوية الترتيبات الأمنية التي نصّ عليها القرار الأممي للدخول بالبحث السياسي، وبدا أنّ تعويض الفشل بحلّ مؤقت وموضعي اسمه تبادل المعتقلين والأسرى، لا يكفي، وأنّ ما جرى من تفاوض سعودي مباشر مع الحوثيين قبل الانتقال إلى الكويت قد وصل إلى تصوّرات ربما تصلح للخروج من الحلقة المفرغة، خصوصاً أنّ الانتظار أكثر صار أشدّ خطورة، فالسعوديون وصلوا إلى الطريق المسدود في حربهم، وما جرى في تعز وصنعاء عسكرياً، وفقاً لروايات جماعة منصور هادي، يقول إنّ الحوثيين هم مَن يسيطر على الموقف العسكري ويمسك بزمام المبادرة، وفي المقابل فالحرب السعودية أنعشت تنظيم القاعدة بما في ذلك نسخته المنقحة داعش، وأنّ هذا الانتعاش لم يكن عفوياً بل بسبب عجز السعوديين عن إيجاد قوة محلية حقيقية تقف بوجه الحوثيين غير القاعدة، وما ظهر من تمدّد وتجذّر القاعدة بدأ يبشر بتوسع بقعة الصومال وتواصلها مع اليمن بحراً عبر شواطئ مضيق باب المندب وحضرموت وعدن عبر البحر الأحمر بظهور نمو لتنظيم القاعدة في جيبوتي، وربما في السودان، ومتى تجذّرت القاعدة في السودان تواصلت مع ليبيا وصار الوضع شديد الخطورة. وهذا ما يفسّر وحده الإصرار الأميركي بشخص الرئيس باراك أوباما أثناء زيارته للسعودية وبحضور أمير الكويت على التوصل إلى حلّ للأزمة اليمنية مع نهاية أيار ومطلع حزيران.
– أهمّ ما حملته التطورات اليمنية هذين اليومين ما نُقل عن المبعوث الأممي إسماعيل شيخ أحمد من توافق على تشكيل لجنة عسكرية من ضباط لم يتموضعوا في الحرب، يتولون إعادة دمج وحدات الجيش اليمني، وفقاً لعقيدة مكافحة الإرهاب، ونشرها في المدن بداية من صنعاء وعدن وتسليم سلاح الجيش الموجود بأيدي الفريقين لها تدريجاً لتصير هذه الوحدات نواة الجيش الوطني اليمني، لتستمرّ المحادثات بسلاسة حول شروط ولادة حكومة وحدة وطنية، تكون هي السقف السياسي لتطبيق بنود تسوية، لا يبدو أنها نضجت على نار تفاهمات إقليمية ترتبط عضوياً بالتفاهم السعودي الإيراني الذي لا يزال بعيداً، بل تبدو الحركة السعودية نحو الحلّ اليمني تمديداً للجمود في العلاقة مع إيران، رغم ما فيها من تسليم بفشل الحرب، وما يعنيه القبول بحكومة شراكة يطلبها الحوثيون منذ البداية ولا يزالون، ورغم ما فيها من قبول بنفوذ إيراني في اليمن يمثله الحوثيون، قالت السعودية إنّ اجتثاثه كان سببها الجوهري للحرب، فالرياض تتصرّف على قاعدة الفصل بين مقتضيات يمنية ودولية للتسوية وبين مستقبل العلاقة مع إيران رغم التشابك والتداخل بينهما. فالموقف السعودي قائم على معادلة التصعيد السياسي والإعلامي مع إيران والقطيعة معها كسياسة قائمة بذاتها ولذاتها، وليس كنتيجة للخلافات على الملفات. فالقطيعة والعدائية تسمحان بالإمساك بالداخل السعودي والخليجي على قاعدة العداء وملاحقة كلّ مَن يوحي بتخطي هذا العداء، بينما التصالح سيفتح الأبواب التي تخشاها السعودية، ولو اقتضى الأمر كما في لبنان أن يطلب السعوديون من تيار المستقبل قبول تشكيل حكومة موحّدة مع حزب الله، فسيفعلون وهم يواصلون لغة العداء ضدّ إيران وحزب الله، تحصيناً لوضعهم الداخلي، بعدما خرج العداء عن مجرد كونه نتاجاً لخلافات وصار جزءاً من مقتضيات التحصين الداخلي سياسة قائمة بذاتها ولذاتها.
– مشكلة السعوديين أنهم يصحون على معادلة وراثة أزمات بسبب خلافهم مع إيران واضطرارهم لقبولها بعد حروب فاشلة والنزاع مع إيران لم يحلّ. وقبولهم التعايش مع شراكات لحلفاء إيران يدفعون حلفاءهم نحوها إقراراً بالفشل، دون أن يتمكّنوا من توظيف هذه المصالحات لتشكيل إطار توازن إقليمي لثنائية علاقتهم بإيران، ومشكلتهم الأكبر أنهم سيكتشفون أنّ البلدان المحيطة بهم ومن حولهم على مساحة المنطقة، وخصوصاً التي كانوا يرونها مقفلة في وجه حلفاء إيران، قد صارت شراكة معترفاً بها، والأهمّ أنّ اليمن المدى الحيوي والإقليمي للسعودية، نجح فيه التيار الحوثي بإخضاعهم لمعادلة تسوية يعترفون له بموجبها بحجمه كشريك حتمي، دون الادّعاء أنهم فعلوا ذلك ضمن مقتضيات التسوية مع إيران، ليجيء هذا النصر للحوثيين بلا تشويش، نصراً خالصاً لهم، كما هو حال انتصار حزب الله في حرب تموز، بلا مشاركة مباشرة من سورية أو إيران لحماية المقاومة، وكما سقطت الحقبة الإسرائيلية بعد حرب تموز، تسقط الحقبة السعودية بعد حرب اليمن، ويتكامل في ميدان التطبيق الواقعي مسار القرار 2216 اليمني بمسار القرار 1701 اللبناني، لجهة الفرق بين ما أراده الذين كتبوه عن الذي طبق واقعياً، ولجهة مَن كانت له اليد العليا في النهاية؟
نقلا عن جريدة البناء