كتب/ الشيخ عبدالمنان السنبلي
ظلت العلاقات السعودية الإسرائيلية منذ زراعة الأخيرة على أرض فلسطين تتسم بالسرية حيناً و حيناً آخراً بما يشبه العلنية، إلا أنها في كل الأحوال ظلت على قدرٍ من الثبات عند خطٍ و نقطةٍ معينة، لا يمكن التراجع عنهما قيد أنملة حفاظاً على كينونة و وجود الدولتين المزروعتين في قلب الأمة العربية و الإسلامية، و في أهم البقع المقدسة لدى المسلمين عموماً، فكلا الكيانين يستفيد من الآخر بموجب حسابات إستراتيجية عالمية تم وضعها و تصورها بعناية فائقة و دقيقة من جانب القوى الإستعمارية الكبرى و على رأسها أمريكا .
من هنا و من خلال مبدأ إستفادة كلٍ منهما بعلاقته السرية في أغلب الأحوال مع الآخر نجد أن الإسرائيلين في صراعهم مع العرب قد إستخدموا السعودية و أخواتها الدائرات في فلكها من إمارات و مشيخات الخليج طوال عقود لعرقلة و تعطيل أي مشروعٍ أو توجهٍ عربيٍ جاد للملمة و توحيد صف العرب بإتجاه تحرير فلسطين و القضاء على الكيان الصهيوني الغاصب .
بدءاً من وقوفهم العجيب في وجه مشروع جمال عبد الناصر القومي و محاربته عسكرياً بشكل مباشر في اليمن و سياسياً و إقتصادياً في أكثر من محفل و بصورة علنية بدون أي مبرر الأمر الذي تسبب في نكسة 67، و ما موقف الملك فيصل في حرب إكتوبر 73 إلا ديكوراً تلميعياً و تجميلياً متفق عليه مسبقاً مع الإسرائيلين و الأمريكان في حدودٍ معينة لا يمكن تجاوزها الغرض منه تحسين صورة النظام السعودي لدى الشارع العربي، بعد تعريته تماماً و كشف حقيقته في حقبة جمال عبدالناصر، و إلا لماذا لم تستهدف إسرائيل السعودية في كل حروبها مع العرب رغم قربها منها من الجهة الشمالية الغربية للسعودية ؟!!
في المقابل تستغل السعودية علاقتها مع الكيان الصهيوني كضمانة لإستمرارية الدعم و الرعاية و الحماية الأمريكية للنظام السعودي، فالسعوديون يرون في إسرائيل انها تشكل ورقة ضغط في أيديهم بإمكانهم إستخدامها لجر أمريكا إلى حروبٍ و صراعاتٍ عسكرية في إطار تصفية حساباتٍ سعودية مع دولٍ إقليمية بالنيابة عنها كما حصل في العراق و ليبيا و كاد أن يحصل في إيران، و ما هو حاصلٌ اليوم في سوريا و اليمن .
كذلك يرى النظام السعودي في علاقته مع الكيان الصهيوني بعداً إستراتيجياً آخراً بعيد المدى حيث يجعلون من علاقتهم بإسرائيل بمثابة خط رجعةٍ لهم في حالة ما فكر الأمريكان يوماً بالإنقلاب عليهم أو التخلي عنهم بسبب وصولهم إلى نقطة عدم تحمل المزيد من أعمالهم و تصرفاتهم الصبيانية الرعناء و التي أصبحت كما هو حاصلٌ اليوم تمس أمن و مصالح الأمريكيين بشكل مباشر، و هذا ما يبرر بروز العلاقة و التعامل السعودي الصهيوني على السطح مؤخراً .
و لأول مرة بصورة رسمية و علنية من خلال بعض المغازلات السياسية التي يطلقها مسئولو الجانبين تجاه الآخر في مناسبات شتى أثمرت عن تعيين الوليد بن طلال كأول سفيرٍ (فخريٍ) للمملكة في إسرائيل، في الوقت الذي بدأ التململ الأمريكي الغير رسمي و الإعلامي من النظام السعودي يخرج للعلن، و بشكل حاد، ليس آخرها موافقة الكونجرس على قانون يجيز محاكمة النظام السعودي بتهمة وقوفه خلف أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
و لذلك فإن السعوديين يراهنون على علاقتهم مع إسرائيل في الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة من خلال اللوبي الصهيوني في أمريكا، في أي محاولةٍ أمريكيةٍ لمحاسبة السعودية على تورطها في الوقوف خلف الكثير من الملفات التي مست الأمن الأمريكي بشكل مباشر، على إعتبار أن السعودية حليف إستراتيجي لإسرائيل في المنطقة، و صديقٌ دائمٌ و قديم .
من هنا أتوقع أن تشهد العلاقات السعودية الإسرائيلية، في الفترة القادمة نمواً و تطوراً ملحوظاً و سريعاً قد يصل إلى التطبيع الكامل و العلني، و أن السعودية ستجر أيضاً معها معظم الدول العربية إلى ذات الهدف، و الغاية حتى لا تكون وحيدةً في إشهار علاقتها الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل خاصةً بعد أن إستطاعت السعودية تدجين و تفريخ الحركات القومية و الإسلامية المناهضة للوجود الإسرائيلي، و وضعها جميعاً تحت إبطها، بإستثناء أولئك الذين تحاربهم اليوم في أكثر من مكان، و الذين لايزالون عند مواقفهم الرافضة و المقاومة للمؤامرة الأمريكية الإسرائيلية السعودية في اليمن و سوريا و لبنان و غيرها، و لا عزاء للعرب لا عزاء للفلسطينين .