المشهد اليمني الأول/
مناورات أمريكية تستهدف باب المندب والإمَارَات تطلب تدخلاً عسكرياً ,, تحركات أمريكية لاحتلال جنوب اليَمَن عسكرياً
شهدت الأيامُ القليلةُ الماضيةُ من شهر أبريل الجاري حدثين خطيرين جرى التخطيط لهما بعنايةٍ فائقةٍ تمهيداً للتدخل الأمريكي عسكرياً في جنوب اليَمَن بشكل يفوق دوره في دعم تحالف العُــدْوَان، وهو ما جعل من خطر الاحتلال الأمريكي لليَمَن أقربَ من أي وقت جرى فيه التحذيرُ من ذلك.
وتمثل الحدثان بالمناورة البحرية التي قادتها أمريكا بمشاركة 30 دولة في البحرين؛ بهدف ما وُصِفَ بحماية الممرات البحرية من خطر القاعدة وداعش وحماية الملاحة الدولية في باب المندب والسويس ومضيق هرمز. أما الحدثُ الآخر فكان طلب الإمَارَات للمساندة العسكرية الأمريكية لمواجهة القاعدة في جنوب اليَمَن.
وأكدت الخطوة الإمَارَاتية الأخيرة بطلب المساعدة الأمريكية في الجنوب، صحة التنبؤات التي كانت تقول إن العُــدْوَان السعودي جاء ليضع اللبنة الأولى للاحتلال الأمريكي، والذريعة الثابتة دائماً هي الإرهاب، رغم ظهور توسُّع تنظيمي القاعدة وداعش بالتزامن مع العُــدْوَان في الجنوب جزء من تلك المسرحية التي كان لا بد أن تفضي لمثل هذا الطلب الإمَارَاتي غير الشرعي للتدخل الأمريكي في اليَمَن.
في هذا الشأن نشرت وكالة “رويترز” الجمعة خبراً كشفت فيه أَن الإمَارَات ِطلبت بشكل رسمي المساعدة من الولايات المتحدة في الحرب على مسلحي القاعدة في الجنوب، ونقلت الوكالة هذا الخبر على لسان مسؤولين أمريكيين الذين أوضحوا “إن الإمَارَات طلبت مساعدة الولايات المتحدة في عمليات إجلاء طبية وبحث وإنقاذ خلال القتال ضمن طلب أكبر بدعم جوي ومخابراتي ولوجيستي أمريكي”.
وبدت ثغراتُ هذه المسرحية، كما يصفها مراقبون، من خلال عدم قدرتها على حبك التفاصيل، خُصُـوصاً أن الإمَارَات أبدت أن طلب المساعدة الأمريكية يأتي في إطار عمليات الإجلاء الطبية والبحث والإنقاذ، وهو سقف منخفض في ظاهره عن سقف الدعم العسكري الذي تقدمه أمريكا لتحالف العُــدْوَان والإمَارَات أحد أركانه، فكيف ستطلب من الأمريكان ما هو أقل مما تقدمه واشنطن أصلاً؟.
الجزء الثاني من المسرحية بدا من أن وسائل الإعلام كشفت عن الطلب الإمَارَاتي وأولها وكالة رويترز التي نشرت خبر الطلب الإمَارَاتي وسبقه رَدّ الفعل الأمريكي على ذلك الطلب، معلناً عن وضعه للدراسة، وجاء عنوان الخبر على هذا النحو “واشنطن تدرس طلباً من الإمَارَات بمساعدة عسكرية في اليَمَن.
ومرة أُخْــرَى نقلت فيه عن مسؤولين أمريكيين قولهم “إن الولايات المتحدة تدرُسُ طلباً من دولة الإمَارَات العربية المتحدة بدعم عسكري يساعد في شن هجوم جديد ضد تنظيم القاعدة باليَمَن.” وهنا تكفّل الأمريكان بالكشف عن الطلب الإمَارَاتي وأبدوا ردَّ فعل سريعاً بوضعه للدراسة في مشهد يذكّر بسرعة استجابة واشنطن لدعم تحالف العُــدْوَان فور الإعلان عنه من قبل السفير السعودي من واشنطن ذاتها.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما عبّر في أكثر من مناسبة أن سياسته قائمة على عدم التدخل العسكري المباشر في الدول الأُخْــرَى وأبدى ندمَه على مشاركة الولايات المتحدة ضمن حلف الناتو في العمليات العسكرية بليبيا وعاد ليشن هجوماً على الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية قائلاً إنهم يريدون توريط واشنطن في حرب سوريا. وهو ما يرفضه ويخالف سياسته.
مشيراً إلى أن على الدول العربية أَن تخوض حروبَها بنفسها، وهنا يضع مراقبون تساؤلاتٍ على خلفية وضع الطلب الإمَارَاتي للدراسة من قبل واشنطن، وهو الطلب المرتبط بالتدخل العسكري المباشر في اليَمَن، فلماذا لا تمتلك واشنطن رداً واضحاً وسريعاً على الطلب الإمَارَاتي كونه يتنافى مع سياسة أوباما؟
ويتكفل المراقبون أنفسُهم بالإجابة على تلك التساؤلات بالقول إن العُــدْوَان على اليَمَن في حقيقته حربٌ أمريكية وأن الخليجيين هذه المرة هُم من شن الحرب نيابة عنها، فيما تحينت واشنطن الفرصةَ بعد الاطمئنان على توسع القاعدة في الجنوب تحت أعين طائرات العُــدْوَان.
وهي الذريعة المناسبة للتدخلات الأمريكية خُصُـوصاً أنها كانت تشن غاراتٍ بين الحين والآخر على مواقع للقاعدة في حضرموت تزامناً مع العُــدْوَان الذي امتنع عن ذلك بما يوحي أن واشنطن تقول: إن حرب القاعدة مسؤوليتها وهي الحرب التي عادة لا تنتهي بالقضاء على الإرهاب على غرار ما حدث ويحدث من تدخل امريكي في العراق وسوريا على خلفية محاربة داعش والتي أفضت في نهاية المطاف لتواجد أمريكي وظهور دعوات التقسيم، لكنها لم تفضِ إلى القضاء على داعش سوى ما حقّقه الجيش السوري نفسه بمساندة روسية وليس أمريكية.
واشنطن.. صناعة الإرهاب ومحاربته
مع إكمال العُــدْوَان السعودي على اليَمَن عامَه الأول امتلأت الصحفُ العالمية بتقارير مراكز الدراسات ومقالات الباحثين التي قيمت نتائج العُــدْوَان على اليَمَن، وجميعُها لم يخرج عن ثلاث نتائج رئيسية الأولى فشل العُــدْوَان في تحقيق انتصار عسكري، والثانية إدانته بارتكاب جرائم ضد المدنيين والتسبب بكارثة إنسانية باليَمَن جراء الحصار الشامل، والثالثة تتعلق بتوسع الجماعات الإرهابية خُصُـوصاً في جنوب اليَمَن، وفي جميعِ تلك النتائج الرئيسية حضرت أمريكا باعتبارِها طرَفاً في تحالف العُــدْوَان وطرفاً فيما أفضى إليه.
في الثامن من أبريل الجاري نشرت وكالة رويترز تقريراً خاصّاً يسلط الضوء على الامبراطورية المالية التي أقامها تنظيم القاعدة الإرهابي في المكلا عاصمة حضرموت، مستفيداً من العُــدْوَان السعودي الأمريكي على اليَمَن.
وتحت عنوان “القاعدة تخرُجُ من حرب اليَمَن.. أقوى وأغنى” أوضح التقريرَ أَن تنظيم القاعدة بسيطرته على حضرموت بات يحكم دويلة على مرأى ومسمع الجميع وبمخزونات مالية تقدر بنحو 100 مليون دولار جاءت من نهب ودائع بنكية وعائدات إدارة ثالث أكبر موانئ البلاد”.
واستطاع التنظيم أَن يضاعف قوته أكثر من أي وقت مضى، حيث يقول التقرير إن العُــدْوَان السعودي الذي تدعمه الولايات المتحدة “ساعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أن يصبح أقوى من أي وقت منذ ظهوره أول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً”.
بناءً على ذلك يتضح أَن أمريكا تواصل سياستها في تحريك ورقة الإرهاب وتمكينها في خطوة تسبق وظيفة أمريكا في محاربة الإرهاب وما حدث باليَمَن لا يختلف عما تم في ليبيا والعراق وسوريا.
الطريقةُ التي سيطر بها تنظيم القاعدة على حضرموت كبرى محافظات اليَمَن بعد أسبوع من العُــدْوَان دون التعرض له من قبل تحالف العُــدْوَان ومن ورائه أمريكا ثم تمكينه من التوسع في ابين وشبوة ولحج وعدن كلها وضعت صورةً واضحةً للمراقبين الذين رأوا أَن الاحجامَ الأمريكي عن مجابهة التوسع الإرهابي في اليَمَن جاء بهدف خلق حالة تواجد على مساحات كبيرة في اليَمَن تصبح مبرراً لانطلاق عمل عسكري أمريكي يتطلب تواجداً للقوات الأمريكية باسم محاربة القاعدة، ورغم انها مقاربة تم التحدث عنها باكراً إلا أن الطلب الإمَارَاتي المزعوم وضع خاتمةً أكدت كُلّ القراءات التي تقول: إن توسع القاعدة جاء بمخطط سعودي أمريكي كُتب له أن ينتهي باحتلال أمريكي للجنوب.
وشهدت الأيامُ القليلةُ الماضيةُ خطوةً أمريكية في إطار التمهيد لاحتلال جنوب اليَمَن والسيطرة على الموانئ ومضيق باب المندب بنفسِ الذريعة مجدداً المتمثلة بمواجهة خطر القاعدة عبر مناورات بحرية قادتها واشنطن بمشاركة ثلاثين دولة.
ففي التاسع من إبريل الجاري أجرت 30 دولة تقودُها البحرية الأمريكية مناورات في مياه الشرق الأوسط زعمت واشنطن أنها ستساعد في حماية الممرات البحرية من خطر الجماعات الإرهابية.
المناورات التي جاءت تحت اسم “التدريب العالمي المضاد للألغام” والتي أقيمت في البحرين التي يتمركز في مياهها الأسطول الأمريكي الخامس يقولُ عنها كيفين دونجان، قائد القوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية إنها “تستهدف منع المتشددين من إحداث أي تعطيل للملاحة، حيث علمت القيادة العسكرية الأمريكية “برغبتهم في عرقلة الممرات التجارية“.
وأضاف دونجان أن المنطقةَ الشرق أوسطية “توفر فرصة تدريب قوية لمختلف الدول في جميع أنحاء العالم نظراً لوجود 3 من أصل 6 مضائق بحرية رئيسية” فيها، وذلك في إشارة إلى كُلٍّ من قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز.
وما أن انهت أمريكا بمشاركة تلك الدول، المناورة المذكورة خرجت الإمَارَات بطلب المساندة الأمريكية في جنوب اليَمَن تحت عنوان داعش والقاعدة، وهنا تتطابق الخطوات الأمريكية وتتسق مع سياسَة أمريكا في جمع الأخطار وتهويلها بعد صناعتها وإبرازها على المستوى العالمي لتصبحَ قضيةً بنفس الحجم والمستوى عالمياً بما يجري تدويلِ الحرب في اليَمَن وإيجاد موضع قدَمٍ أمريكية في مضيق باب المندب وموانئ اليَمَن خُصُـوصاً أن توسُّعَ القاعدة وداعش في اليَمَن استمرَّ على مدى عام بالتزامُن مع العُــدْوَان السعودي الأمريكي على اليَمَن الذي ظل يلعب دورَ المتفرج على تحرُّكات العناصر الإرهابية، ناهيكَ عن انخراط مسلحي القاعدة وداعش في صفوف مرتزقة العُــدْوَان.
الإمَارَات تخرُجُ عن النص السعودي وشماعة الشرعية
منذُ دخول القوات الغازية إلى الجنوب ظهر تباين في المشروع السعودي عن نظيره الإمَارَاتي، هذا التباين قسم معسكر الفصائل الموالية للعُــدْوَان إلى موالٍ للرياض وموالٍ لأبو ظبي وأوصل إلى مفترق طرق عبّرت عنه الخلافات القائمة بين الموالين والمشروع الذي يرتبط به كُلّ فريق.
وشعرت الإمَارَات أنها الخاسر في المعركة مع المشروع السعودي الذي سلّط القاعدة وداعش لاستهداف الموالين لأبو ظبي، ومؤخراً التخلص من رجلها الأول المتمثل بخالد بحاح، وهو ما قاد الإمَارَاتيين للخروج عن النصوص والديباجات الشكلية لتحالف العُــدْوَان.
وتمثل هذا الخروج في أن الإمَارَات تجاوزت وجودها ضمن تحالف تقوده السعودية، وقامت بمطالبة أمريكا بالمساندة العسكرية بمعزلٍ عن ذلك التحالف، وأيضاً تجاوزت شمّاعة الشرعية وأن العمليات العسكرية باليَمَن محصورةٌ بحدود ما تطلبه “الشرعية” وما تقرره.
حالةُ الطلاق غير المعلن بين السعودية والإمَارَات امتدت لتصلَ إلى مأرب، حيث تشير معلومات أن الثانية سحبت معداتها العسكرية من معسكرات المرتزقة هناك، وهو ما دفع الأولى للاتفاق مع الأردن لتغطية الفراغ الذي تركه الإمَارَاتيون هناك.
وتستمر فصول المواجهة المسرحية بين الإمَارَات والسعودية، وفيما تقدمت الأولى خطوة باتجاه أمريكا لمساندتها، فيما يقول عنه المسؤولون الأمريكيون إنها “تجهّز لشن حملة على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” لكنهم وبحسب رويترز “رفضوا الإدلاء بتفاصيل”.
هذه الخطوةُ من قبل الإمَارَات قوبلت بردٍّ سعودي بالإعلان عن سيطرة ما وصفته وسائلُ إعلامية “قوات حكومية” على مدينة الحوطة بمحافظة لحج، وزعمت أَن السيطرة جاءت بعد معركةٍ مع مسلحي القاعدة غير أن مصادرَ جنوبية أكدت أن المعركة كانت عبارةً عن عمليةِ استلام وتسليم وتبادل أدوار بنفس الطريقة التي سيطر بها مسلحو القاعدة على المدينة دون قتال.
ورأت قياداتٌ جنوبيةٌ أن الإعلانَ عن طَرْدِ القاعدة من مدينة الحوطة يأتي في سياقِ مواجهة الإمَارَات والزعمِ بانحسار القاعدة في الجنوب وإسقاط الحاجة إلى عملية عسكرية إمَارَاتية لمواجهة التنظيم الإرهابي.