كتب/ محمد المقالح
التقيت اليوم بأحد القادمين للتو من الجنوب وحدثني وياليته لم يعمل؛ لأنه أشعرني كم نحن مضللون تجاه ما يجري في عديد من محافظات الجنوبية والشرقية، في ظل الاحتلال والجماعات الإرهابية وأمراء الحرب ومرافقيهم من المسلحين والنقاط التابعة لهم في كل مكان؛ وفي كل منعطف اكثر من نقطة وأكثر من جماعة.
و الخلاصة أبناء الجنوب في الجنوب قبل أبناء الشمال في الجنوب يعيشون اليوم مأساة حقيقية في ظل الاحتلال الخليجي؛ وسيطرت الجماعات الارهابية وامراء الحرب والبلاطجة، والمأساة الاكبر هي ان ابناء الجنوب لا يرون افقا لإخراجهم من هذا الوضع الخطير؛ حيث حياة الناس وحقوقهم وحرية تنقلهم وبيعهم وشرائهم وطريقة ملبسهم وعيشهم معرضة جميعها لخطر السؤال والاستفزاز من قبل اكثر من جهة وأكثر من سلطة او جماعة مسلحة.
و يمكن لأصغر جماعة مسلحة وتحت اي عنوان او حجة ان تتحكم بحركة الناس او حياتهم او تصادر اراضيهم او اموالهم باسم انه شمالي او من اصول شمالية مرة او بحجة انه جنوبي ولكنه موال للحوثي او عفاش مرات عديدة.
كما يمكن لأي قاتل او قاطع طريق او ارهابي ان يقتل او يعذب او يختطف اي مواطن باعتباره كافر او منحرف او غير صحيح العقيدة او ساحر او زاني او مختل مع غير محرم، ويمكن ان تقام له محاكمة صورية ويقتل او يرجم او تقطع يده او راْسه في الطريق.
حرمة البيوت والدكاكين والسيارات منتهكة ويمكن لأي بلطجي ان يقتحمها ويُعبث بها او يطرد سكانها منها باعتباره من غير أصول جنوبية؛ حتى لو كان يقيم في عدن او عتق او الحوطة قبل هذا البلطجي بسنين قبل الوحدة لا بعدها.
و التهجير الذي ثارت حوله ضجة إعلامية مؤخرا لم يكن الاول بل حدث مثله وأكثر منه بعد دخول قوات الاحتلال السعودي الإماراتي مباشرة، ورافق ذلك قتل وسحل وإعدامات خارج القانون، والتهمة حينها انهم من مقاتلي الحوثي او من العملاء والجواسيس الذين فتحوا وسهلوا للحوثيين السيطرة على عدن، ومع ان كثير ممن أعدموا كانوا اسرى من مقاتلي الحوثي والجيش؛ الا ان كثير غيرهم أعدموا او نكل بهم؛ وهم باعة متجولين او بتهمة العمالة للحوثي وبينهم جنوبيين ومن ابناء عدن نفسها، وشى بهم كل صاحب مصلحة بالتخلص منهم وساعد على انتشار ظاهرة الاعدامات في الأزقة والشوارع والمعسكرات في الأيام الاولى لسقوط عدن في يد قوات الاحتلال وفصائل المقاومة تعدد الجماعات وعدم وجود سلطة واحدة تحكم احياء عدن المختلفة.
و المهم انه ومن حينها يغادر عدن العشرات من اَهلها خوفا على حياتهم حتى اضعف ذلك ويشكل ملحوظ حركة التجارة والسياحة الداخلية وتعطلت الاعمال وقطعت أرزاق مئات الأسر العدنية التي كانت تعتاش على الايجارات والفنادق والمطاعم وغيرها.
و في السياق اقدمت الجماعات المتطرفة على تهجير اتباع العديد من الأقليات من سكان عدن كالخوجة والإسماعيليين والفرس والهندوس وغيرهم، وتم الاستيلاء على ممتلكات واموال ومعابد هذه الأقليات وعلى مسمع ومراء المنظمات الحقوقية وسلطات الاحتلال والصحافة.
عشرات من رجال الاعمال تم خطفهم وطلب فدية للإفراج عنهم بمبالغ خيالية، والذي يمتنع او تردد هددوه و هددوا أسرته بقتله او بيعه لإحدى الجماعات الإرهابية لقطع راْسه باعتباره رافضي او خائن.
لا تستطيع قاطرات نقل الاغذية والبترول او البضائع الثمينة كالسيارات والمولدات والثلاجات ان تمر في الطرقات الطويلة بين عدن وصنعاء او حضرموت وصنعاء الا بعد ان تدفع لنقاط التفتيش العديدة مبالغ مالية خيالية تصل الى عشرات الملايين، والا تم مصادرة البضاعة بكاملها وتم بيعها بالجملة او بالتفرقة.
فجرت عشرات المساجد والأضرحة والقباب والمعالم التاريخية في كل من عدن ولحج وأبين والمكلا والشحر وغيرها..
كل هذا حدث ويحدث كل يوم في عدن او حدث ويحدث يوميا في الوهط والحوطة وهكذا في زنجبار او المكلا او عزان او الشحر، ولكن هذه الجرائم والفضاعات لا يتحدث عنها الحقوقيون والصحفيون والنشطاء؛ والجميع متواطئ على تجاهلها او التخفيف من وقعها واعتبارها فردية او عرضية وحتى لا يستفيد الحوثي وصالح صودرت الحريات الخاصة والحريات السياسية في معظم تلك المحافظات واقتحمت مقرات الأحزاب والنقابات والاتحادات وتم مصادرة الكثير منها بالقوة وبعضها أعيدت ولكن بعد ان دفع لناهبيها الملايين و لم تعد تسمع عن وجود اي نشاط او بيان لأي حزب سياسي وما عدا بيانات القاعدة وداعش والجماعات المسلحة لم يصدر اي بيان او يقام اي نشاط للأحزاب التاريخية كالاشتراكي او الناصري او التجمع او المؤتمر او حتى اصدار بيان سياسي لم يصدر ومع هذا فكلهم يصمتون ويخافون. حتى لا يثيرون بنشاطهم تلك الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة.
و هكذا بالنسبة للحريات الشخصية وبقاء معظم النساء في بيوتهن او خروجهن مع محارمهن وهن منقبات ونادرا ما تجد اليوم امرأة تمشي وحيدة وهي كاشفة وجهها دون ان تتعرض للسؤال والاستفزاز من قبل اي نقطة تفتيش.
عشرات بل مئات من العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي طالت في معظمها ضباط وجنود في اجهزة الأمن والجيش وشخصيات سياسية وصحفيين وموظفين في المنظمات الانسانية.
و الخلاصة هناك ظلم كبير يمارس في الجنوب اليوم على أبناء الجنوب اولا قبل أبناء الشمال من قبل عشرات الجماعات والقتلة والمحتلين وهناك تواطؤ بالصمت والتجاهل من قبل السياسيين والصحفيين والنشطاء؛ اما خوفا من القتل والتنكيل او خدمة لأجندات الاحتلال الإماراتي السعودي الامريكي في اليمن عموما؛ و في المحافظات الجنوبية والشرقية خصوصا..
اشعر بالقهر وانا استمع الى صديقي وهو يتحدث بكل هذا الحزن والألم عن كل هذه الفضاعات واشعر بالخجل لأنني لم اعمل شيئا لكشف هذه الجرائم والفضاعات في حق أبناء شعبي في الجنوب المحتل.
أيها اليمنيون أنتم شركاء الاحتلال ومرتزقته اذا واصلتم الصمت وإذا قال احدكم بوقاحة او بغباء وانا مالي او يستأهلوا لأنهم قبلوا بالاحتلال .. هذا افتراء كبير ومحاولة بائسة ومكشوفة لعدم قيامنا بمسؤولياتنا الوطنية والأخلاقية والإنسانية تجاه كشف كل هذه الجرائم اولا والعمل على ايقافها بكل الطرق المشروعة بل الواجبة ثانيا..
يبقى ان أقول غاضبا وحزينا: أيها التافهون كفوا عن الصمت او التشفي واعملوا شيئا لإيقاف جرائم الاحتلال في حق شعبنا وبلدنا في الجنوب.