العالم المتخبط بالحروب العسكرية والتجارية يواجه أزمة جديدة تطل برأسها من بلاد السند والهند، حيث يتأجج الصراع النائم منذ عقود بين الدولتين النوويتين الآسيويين الهند وباكستان، وعادت المشكلات لتنفث نيرانها في الخلاف المتأصل بين الجارتين اللدودتين.
بعد الهجوم الدامي في الجزء الذي تسيطر عليه من كشمير، أعلنت الهند تعليق معاهدة مياه نهر السند مع باكستان، فيما حذّرت إسلام آباد من أن أي محاولة لوقف تدفق المياه ستعتبرها “عملاً حربياً”.
وتعتبر المعاهدة المبرمة قبل 65 عاماً نجاحاً دبلوماسياً نادراً بين الخصمين النوويين اللذين خاضا حروباً عدة. ومع تصاعد التهديدات المتبادلة، يتفق الخبراء على جانبي الحدود أنه، رغم أهميتها، لن يكون لتعليق المعاهدة سوى تأثير فوري محدود على تدفق المياه.
ما الذي حدث؟
نهر السند هو أحد أطول الأنهر في آسيا، ويمر عبر خطوط ترسيم حساسة للغاية بين الهند وباكستان في إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة والمتنازع عليه. ويطالب البلدان بكامل الإقليم الواقع في جبال الهيمالايا.
وعلقت نيودلهي مشاركتها في المعاهدة بعد أن قتل مسلحون في الجزء الهندي من كشمير 26 سائحاً في 22 أبريل/ نيسان.
وعلى الفور اتهمت الهند باكستان بدعم “الإرهاب عبر الحدود”، بينما نفت إسلام آباد ذلك. وقالت باكستان إن الهند انتهكت القانون الدولي، مؤكدة أنها سترد “بكل قوة” على أي محاولة لوقف تدفق المياه.
كيف تدحرجت الأمور؟
في مطلع هذا الأسبوع، وفي مشهد يعيد إلى الواجهة هشاشة العلاقات بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا، اندفعت الهند نحو تصعيد حاد بحق جارتها، إذ أمهلت صباح الخميس جميع المواطنين الباكستانيين المقيمين على أراضيها حتى التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان لمغادرتها.
أتى ذلك في أعقاب هجوم دموي وقع في “بيهالغام”، إحدى مناطق إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين تخضع للإدارة الهندية، أودى بحياة 26 شخصاً في فصل من العنف في المنطقة التي تقطنها أغلبية مسلمة.
الإجراءات الهندية شملت أيضاً تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم المياه، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين البلدين الجارين، وتقليص الممثلين الدبلوماسيين، وسحب العديد من الدبلوماسيين والملحقين العسكريين والموظفين الهنود من إسلام آباد، وتوجيه إنذارات لنظرائهم الباكستانيين للعودة إلى ديارهم.
لم تنتظر إسلام آباد طويلاً للرد، فأكدت في بيان شديد اللهجة أن أي تهديد لسيادتها سيُقابل بردٍ رادع، وأن أي محاولة هندية لوقف أو تحويل تدفق مياه نهر السند ونقض المعاهدة “ستعتبر سبباً للحرب”، وأغلقت مجالها الجوي والحدود البرية مع الهند، وعلّقت التجارة الثنائية وطردت عدداً من الدبلوماسيين الهنود.
ما هي تفاصيل المعاهدة؟
المعاهدة المبرمة عام 1960، بعد مفاوضات رعاها البنك الدولي على مدى سنوات، تنص على “الاستخدام المنصف” لستة روافد تغذي نهر السند. وتعتبر قضية المياه حساسة للغاية بالنسبة لكلا البلدين.
والمياه حاجة ضرورية للشرب والزراعة في باكستان التي تعاني من الجفاف.
وبموجب المعاهدة، تم الاتفاق على أن تسيطر الهند بشكل كامل على ثلاثة من روافد شرق نهر السند، وهي نهر رافي، ونهر سوتليج، ونهر بياس. وللهند حق غير محدود في استخدام الروافد الثلاثة لأغراض الري وتوليد الطاقة.
رغم استغلال الهند لمعظم مياه الروافد، فإنها لا تزال تتدفق إلى باكستان، خصوصاً خلال موسم الأمطار عندما تمتلئ السدود. في المقابل، تقع ثلاثة روافد غربية هي نهر تشيناب، ونهر جيلوم، ونهر السند، في باكستان.
لكن يمكن للهند استغلالها لأغراض غير استهلاكية، مثل توليد الطاقة الكهرومائية. ومن المتوقع أن تؤدي السدود التي تعمل الهند على إقامتها على نهر تشيناب إلى زيادة استفادتها منه.
الأمن المائي
حول عواقب تعليق اتفاقية نهر السند، يقول منسق شبكة جنوب آسيا للسدود والأنهار والشعوب ومقرها الهند، هيمناشو تاكار، إنه “في الأمد القريب، قد لا تكون هناك أي آثار عملية مباشرة”. ويضيف أن إقامة “أي بنية تحتية آمنة لتحويل المياه، بخلاف ما يحدث الآن، تستغرق عدة سنوات، وغالباً أكثر من عقد”، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ولا تتيح السدود القائمة حالياً في الهند قطع المياه أو تحويل وجهتها.
بدوره، يقول خبير المياه الباكستاني حسن عباس: “لا تستطيع الهند وقف تدفق هذه الأنهر على الفور، لأن ذلك غير ممكن من الناحية الفنية وغير مستدام اقتصادياً”.
والفائدة الأكبر للمعاهدة كانت إيجاد آلية لحل النزاعات، لكن تاكار يشير إلى أنها كانت بالفعل “في حالة جمود” منذ سنوات.
في عام 2016، هدد رئيس الوزراء القومي الهندوسي ناريندرا مودي باستخدام المياه سلاحاً، بعد هجوم في الجزء الذي تديره الهند من كشمير. وقال يومها: “لا يمكن للدم والماء أن يتدفقا معاً”.
تأثيرات الصراع الاقتصادية
لكن ما جاء في رسالة التعليق التي بعثت بها الهند إلى باكستان أن هناك “تغييرات جوهرية في الظروف” منذ توقيع المعاهدة، من بينها ديناميات السكان فضلاً عن “الحاجة إلى تسريع تطوير الطاقة النظيفة”.
وتتعرض المياه إلى الاستنزاف نتيجة زيادة عدد السكان وتنامي الاحتياجات الزراعية، فضلاً عن مشاريع الطاقة الكهرومائية التي تغذيها احتياجات الطاقة المتزايدة.
ويؤدي بناء المزيد من السدود إلى إعاقة تدفق المياه بشكل أكبر مهمة صعبة في التضاريس الجبلية الوعرة، لكنها ليست مستحيلة.
وتعني التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ، وتغير أنظمة الطقس، وذوبان الأنهار الجليدية في منطقة الهيمالايا على نطاق أوسع أن المياه أصبحت أكثر قيمة من أي وقت مضى.
في هذا الإطار، أشارت صحيفة “ذي داون” الباكستانية إلى أن هذه الخطوة “ليست بلا ثمن” بالنسبة للهند. ولفتت إلى أن الصين تسيطر على منابع نهر براهمابوترا، وهو نهر كبير شديد الأهمية لشمال شرق الهند.
وقالت الصحيفة إن “تعليق المعاهدة والتصرف بشكل أحادي الجانب يشكلان سابقة يمكن استخدامها ضد (الهند) يوماً ما”.
صراع تاريخي منذ عام 1947
النزاع حول هذا الإقليم ليس طارئاً بين الدولتين النوويتين، فقد بدأ مباشرةً بعد تقسيم بريطانيا لمستعمرتها السابقة الهند عام 1947، إذ قرر حاكم الإقليم الهندوسي هاري سينغ حينها الانضمام إلى الهند على الرغم من وجود أغلبية مسلمة كانت تود الانضمام إلى باكستان.
إلا أنه لاحقاً اقترح معاهدة لإبقاء الوضع على ما هو عليه، فقبلت إسلام آباد، ورفضت نيودلهي. وعدم أدى إلى تفاقم التوترات واندلاع أول حرب بين سكان الإقليم والقوات الهندية عام 1947، ما مكن الهند من السيطرة على ثلثي المنطقة.
واقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء ذات الأغلبية المسلمة من كشمير إلى باكستان، والأخرى ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، إلا أن هذا الاقتراح لم ينفذ.
ومنذ ذلك التاريخ خاضت الهند وباكستان 3 حروب بسبب هذا الإقليم الاستراتيجي.
عام 2019، كاد التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة عشرات الجنود الهنود، أن يُشعل حرباً ضروساً، لاسيما أن الهند اتهمت حينها جماعة “جيش محمد” المدعومة من باكستان بتنفيذه.
وتقع منطقة كشمير المتنازع عليها شمال غرب الهند وشمال شرق باكستان وجنوب غرب الصين في وسط آسيا. كما عرفت تاريخياً على أنها المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية.
تبلغ مساحة هذا الإقليم 242.000 كم مربع، وعدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة. نحو 90% منهم من المسلمين، و8% من أتباع الديانة الهندوسية، و1% من أتباع البوذية.
ويعد نهر السند أحد أطول أنهار القارة الآسيوية، لترسيم الحدود بين الهند وباكستان المسلحتين نووياً في كشمير.
وفق معهد سيبري تملك الهند 172 رأساً نووياً، فيما لدى باكستان 170 رأس نووي.