المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    العدوان الأمريكي يستهدف “محافظات يمنية” بأكثر من 18 غارة

    شن العدوان الأمريكي، الساعات الماضية، اكثر من 18 غارة...

    ربيع طهران: من الاتفاق النووي إلى المفاوضات الحالية.. ما الذي تغير؟

    لا يبدو أنّ المرونة الايرانية المتجددة جاءت بصورة مفاجئة،...

    ربيع طهران: من الاتفاق النووي إلى المفاوضات الحالية.. ما الذي تغير؟

    لا يبدو أنّ المرونة الايرانية المتجددة جاءت بصورة مفاجئة، فالتحضير لها كان على قدم وساق طوال سنتين سبقتا فوز ترمب بالرئاسة الأميركية.

    في حديقة “باغ إيراني” المتوارية عن الأنظار بين أبنية شاهقة حديثة شمال العاصمة طهران، يفترشون مسطبة يتوسطها نافورة ماء ومحاطة بأزهار التوليب أو الخزامى كبيرة الحجم والمبهجة والمفعمة بالألوان الزاهية، حمراء وزهرية وصفراء وبيضاء.

    هكذا يحتفل الإيرانيون بالربيع، فالنوروز رأس سنتهم، وبعده تتفتح أزهار التوليب في حدائق طهران والمدن الإيرانية وهي أحد مواطنه الأصلية.

    يتصاعد البخار من قدر الأرز، ومن سماور الشاي إلى جانب العائلتين وهما تتجاذبان أطراف الحديث. يقول عماد لجليسه: “آمل أن تنتهي الأمور إلى خير.. لقد تراجع الدولار سريعًا.. لكنني أعتقد أنه سيرتفع مجدّدًا.. التجارة والأعمال غير مستقرة بسبب هذا الأمر”.

    كغيرهما تشغلهما المفاوضات النووية هذه الأيام.. فما يدور بين طهران وواشنطن في الغرف المغلقة تنعكس نتائجه سريعًا في أسواق إيران: انخفضت أسعار الذهب، وتحسّن التومان الإيراني بما يقارب 20% أمام الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، و عاد اللون الأخضر إلى شاشات أسهم البورصة الإيرانية.

    عقود من العقوبات على ايران

    ينتظر الإيرانيون ربيع أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.. يقول البعض إن البلاد اعتادت العقوبات طوال نحو نصف قرن من عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنّ تضييق الخناق منذ 2018 عندما انسحب دونالد ترمب من الاتفاق النووي وبدأ سياسة “الضغوط القصوى” ضدّ إيران، أضيف إلى أزمات اقتصادية وإدارية عديدة تعاني منها البلاد، فضاقت موائد الإيرانيين. يقول عماد: “لم نعتد العقوبات لكننا مضطرون للتأقلم معها”.

    للإيرانيين حياة كاملة بتفاصيل يومية كثيرة، منفصلة عن دول العالم، من البطاقات البنكية إلى التطبيقات المختلفة، مرورًا بالالتفاف على الحجب الداخلي والعقوبات الخارجية. تشبه حياتهم هذه حياة بصلة التوليب، تزرع أوائل الخريف، وتنتظر طوال الشتاء تحت التراب فصل الربيع حيث تزهر، لكنها تبقى قادرة على تحمّل البرد القارس.

    من الاتفاق النووي إلى المفاوضات مع إدارة ترمب.. ما الذي تغير؟

    قبيل المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015، تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي عن “المرونة البطولية”. استلهم من تاريخ الإسلام بما ينسجم مع أسس الجمهورية الإسلامية، تعامل الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، لكن الاتفاق النووي اصطدم بجدار دونالد ترمب الذي وقع مذكرة رئاسية عام 2018 أعلن فيها انسحاب واشنطن منه.

    تعقّد المشهد.. اتفاق نووي ميت سريريًا دون الولايات المتحدة، عقوبات متتالية لا تتوقف، خطوات إيرانية تحللت فيها طهران من التزاماتها في الاتفاق النووي ورفعت فيها مستويات تخصيب اليوارنيوم إلى 60%، هجمات مشبوهة متككرة على ناقلات في المياه الخليجية وبحر عمان، هجوم على منشأة أرامكو السعودية، إسقاط طائرة تجسس أميركية من قبل إيران فوق مضيق هرمز، تصعيد كبير في المنطقة زادت فيه الهجمات ضد القوات الأميركية في المنطقة، خصوصًا في سوريا و العراق، اغتيال قاسم سليماني في بغداد..

    يغادر ترمب البيت الأبيض، تتكرر محاولات التهدئة: من مفاوضات فيينا في أبريل/ نيسان 2021، وصولاً إلى وساطات عمانية وقطرية أسفرت عن “تفاهم غير مكتوب” بتبادل إطلاق السجناء والإفراج عن أموال ايرانية مجمدة بالخارج، لكن في النهاية، لاحت أجواء عودة ترمب إلى البيت الأبيض في الأفق، تزامنًا مع مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى” والتصعيد الذي أدى إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وقادة من الحرس الثوري الإيراني وقادة فلسطينيين منهم إسماعيل هنية في طهران، ومواجهات مباشرة بين طهران وتل أبيب أدت إلى عمليات عسكرية وقصف متبادل.

    داخل إيراني يغلي وجرس إنذار يُقرَع

    بعيدًا عن الأحداث الإقليمية والدولية، بين عامي 2018 و2025، والتي عززت فيها إيران أيضًا توجهها شرقًا، وتمكّنت في خضمها من نيل عضوية منظمتي بريكس وشنغهاي، عاشت إيران أحداثًا داخلية غير مسبوقة، من احتجاجات البنزين عام 2019، وصولاً إلى الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني الشابة الإيرانية التي أوقفتها الشرطة لعدم مراعاتها الحجاب عام 2022، مرورًا بإسقاط الطائرة الأوكرانية عام 2020، واعتصامات المعلمين والعمال والمتقاعدين، والاعتراضات على الجفاف ونقص المياه في غير محافظة إيرانية، والاعتراضات على خسارات كبيرة في البورصة الإيرانية، إضافة إلى اجواء الامتعاض العام من سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

    ما يدور بين طهران وواشنطن في الغرف المغلقة تنعكس نتائجه سريعًا في أسواق إيران: انخفضت أسعار الذهب، وتحسّن التومان الإيراني بما يقارب 20% أمام الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، و عاد اللون الأخضر إلى شاشات أسهم البورصة الإيرانية.

    يقول اليوم وزير الداخلية الإيراني اسكندر مومني: “في مجال الأمن وتطبيق القانون، أولويتنا الرئيسية هي منع تحول الظواهر الاجتماعية إلى ظواهر أمنية”، حيث تظهر المخططات البيانية التي ترصد الاحتجاجات الشعبية بمختلف حالاتها تقلص الفترة الزمنية بين تحرك وآخر خلال العقد الأخير في إيران.

    كل هذا أسفر عن دورتي انتخابات رئاسية، الأولى عام 2021 أسفرت عن فوز إبراهيم رئيسي بعد تسجيل نسبة مشاركة بلغت 48.8%، والثانية عام 2024 والتي فاز فيها مسعود بزشكيان في الجولة الثانية التي سجلت نسبة مشاركة بلغت 49.68% بعد جولة أولى سجلت 39.93% و كانت، مع نسبة الانتخابات السابقة، الأدنى منذ 1979، فشكلتا ناقوس الخطر الأكبر بالنسبة للنظام الإيراني.

    إيران “تغازل” ترمب

    اليوم من جديد لا يعارض المرشد الإيراني المفاوضات بين طهران وإدارة دونالد ترمب، لا بل إن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينقل عنه أيضًا عدم معارضته استثمارات أميركية في المشاريع الإيرانية، و يفصل وزير خارجية ايران في هذا، فيما فهم أنه غزل غير مباشر إيراني لترامب.

    يقول عباس عراقجي في مقاله في واشنطن بوست: “من وضع العوائق في طريق الشركات الأميركية هي الإدارات الأميركية والكونغرس، وليس إيران، ما حال دون استفادة الشركات الأميركية من فرصة تريليون دولار التي يوفرها الوصول إلى اقتصادنا”. ويضيف في كلمة افتراضية كانت مقررة له في مؤتمر كارنيغي ألغيت لاحقًا ونشرها على حسابه في إكس: “الفرصة التي يُتيحها اقتصاد ايران والتي تبلغ تريليون دولار، قد تكون متاحة للشركات الأميركية. وهذا يشمل الشركات التي يُمكنها مساعدتنا في توليد كهرباء نظيفة”.

    تعقيدات المفاوضات النووية

    باختصار، كثيرة هي تعقيدات المفاوضات النووية الإيرانية، في المكان والشكل والمضمون، وحتى الأبعاد والنتائج. التسريبات عنها كثيرة. شرقًا وغربًا تتنافس وسائل الإعلام في الحصول على ما يدور في الغرف المغلقة، حول شكل الاتفاق ومصير اليوانيوم المخصب في إيران وضمانات ترمب و غير ذلك.

    لكن بعيدًا عن ذلك، تبقى القاعدة هي ذاتها التي بني عليها الاتفاق النووي: “طمأنة المجتمع الدولي حيال برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات بشكل مؤثر عن إيران”، ووسط ذلك تفاصيل كثير من مواقف دول المنطقة، الداعمة للمفاوضات الإيرانية الأميركية، إلى التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية، وتأكيد القوات المسلحة الإيرانية أن يدها على الزناد.

    عمومًا، لا يبدو أنّ المرونة الايرانية المتجددة جاءت بصورة مفاجئة، فالتحضير لها كان على قدم وساق طوال سنتين سبقتا فوز ترمب بالرئاسة الأميركية.

    وكما للتوليب حياتان، زهرة و بصيلة، وللحياة في إيران شكلان، خارج البيوت وداخلها، واندماج مع العالم والتفاف على العقوبات، فإن للدبلوماسية وجهَيْن أيضًا، بل أكثر ربما.

    بهذا المعنى، يكشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد مهدي شهرياري في تصريحات له، أنّ ️قضية المفاوضات لم تبدأ اليوم أو بالأمس، قائلاً: “حكمة و دعاء الجهاز الدبلوماسي في إيران دفعته منذ عامين للتواصل مع فريق ترمب. سفارتنا في نيويورك كانت على تواصل مع الجمهوريين والديمقراطيين من خلال لوبيات مختلفة. كل الدول تقوم بذلك، وطوال هذه الفترة من التواصل كان الجانب الأميركي يطرح فقط القضية النووية”.

    ويضيف: “لحسن الحظ تقارير دقيقة منذ أشهر كانت تصل مباشرة الى المرشد الأعلى، ولذلك فإنّ القرار اليوم بشأن المفاوضات اتخذ بناء على التواصل والمعلومات المتوفرة منذ سنوات. المرشد الأعلى أعطى الموافقة على إجراء المفاوضات ولكن بشكل غير مباشر بسبب تصريحات الرئيس دونالد ترمب الإعلامية وأحيانًا المتناقضة، حيث يقول إنّ إيران دولة مهمة وشعبها عظيم ونحن مستعدون للتفاوض، ومن جهة أخرى يستمرّ بالتهديد…”.

    ربيع منتظر في إيران

    في كلّ الأحوال، وبعيدًا عن تفاصيل السياسة وألاعيبها، تدرك طهران أنها تواجه اليوم أوضاعًا جديدة، على الصعد المختلفة، داخليًا وخارجيًا.

    في هذه الحديقة التي أنشئت على شكل الحدائق الإيرانية التاريخية المسجلة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وضعت كثيرات شالاتهن على أكتافهن، و بعضهن أكثر من ذلك، بعضهن كسميرة التي تجلس وسط أزهار التوليب ترتشف الشاي وتتحدث مع مجالسيها عن المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية، ممن شاركن ربما في الاحتجاجات الأطول في تاريخ الجمهورية الإسلامية – كما وصفها البعض – التي تبعت وفاة مهسا أميني، كنّ وما زلن يبحثن كما أقرانهنّ من الشباب، و حتى كآبائهنّ، عن ربيع إيران، فهل آن أوانه؟

    spot_imgspot_img