المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    كاتب أمريكي: لقد رأيت المستقبل ولم يكن في أمريكا!

    في مقالة للكاتب توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز...

    أزمة خبز في عدن.. ارتفاع سعر “الحبة الروتي” إلى 100 ريال

    في ظل الانهيار المتواصل للعملة المحلية وارتفاع أسعار المواد...

    عدوان أمريكا بلا نتائج.. صواريخ اليمن تصل إلى العمق الإسرائيلي

    بصوت الحق الغاضب، وكلماتٍ تزلزل الأرض تحت أقدام الكيان...

    بعنوان “غزة تستصرخكم”.. حماس تدعو أحرار العالم لأسبوع غضب عالمي

    دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في نداء عاجلا للأمة...

    كيف غيّر اليمن مستقبل الحروب البحرية؟

    كشف تقرير نشرته منصة (رادار 360) عن كيف غير...

    حضرموت بين الطموح الإخواني والتحولات الجيوسياسية

    بينما تتواصل الضربات الأميركية ضد جماعة الحوثي (أنصار الله) وتُعاد صياغة أولويات الفاعلين الإقليميين في اليمن، تتحرك جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، نحو حضرموت في محاولة لإعادة تموضعها السياسي بعد سلسلة من التراجعات في الجنوب والوسط. المحافظة التي كانت تُعد إلى وقت قريب نموذجًا نسبيًا للهدوء، باتت اليوم محور تنافس بين مشاريع سياسية متباينة، محلية وإقليمية.

    حضرموت بسواحلها الطويلة على بحر العرب وبامتدادها الجغرافي من الساحل إلى الوادي والصحراء وبثقلها القبلي والثقافي تشكل نقطة ارتكاز في معادلة اليمن المستقبلية هذا الامتداد يمنحها قيمة استراتيجية تتجاوز حدودها الإدارية ويجعلها في قلب التنافس على السلطة والثروة خصوصًا في ظل انهيار المركز السياسي داخل اليمن وتعثر بناء جهود السلام ووجود سلطة مستقرة.

    منذ سنوات كان الإخوان يعتمدون على مأرب كمعقل رئيسي لهم لكن بعد انكماش نفوذهم هناك بفعل ضغط الحوثيين والتغييرات في موازين القوى بدأوا بالتحرك نحو حضرموت مستفيدين من الوجود المتبقي في مؤسسات الدولة في سيئون ومحيطها يتموضع الإخوان هناك تحت عباءة الشرعية لكن بخطاب سياسي يحمل رسائل متعددة الدفاع عن الدولة الحفاظ على الأمن والاستقرار وهي شعارات تخفي خلفها طموحًا بالسيطرة الناعمة على القرار المحلي.

    تحركات الإخوان لا يمكن فصلها عن العلاقة الاستراتيجية التي تربط الجماعة بكل من تركيا وقطر فهاتان الدولتان تمثلان منذ ما بعد 2011 الداعم السياسي والإعلامي للجماعة في المنطقة وتعملان على حماية نفوذها كجزء من مشروع أوسع لتثبيت الإسلام السياسي في مفاصل السلطة في حضرموت وتبرز هذه الرعاية من خلال دعم إعلامي وتأطير سياسي وتسهيلات لوجستية تُمنح للجماعة عبر شبكة علاقاتها الممتدة.

    إزاء الانتقادات التي وُجهت لتحركاتهم في حضرموت تبنّى حزب الإصلاح خطابًا دفاعيًا ينفي أي نوايا للهيمنة أو استغلال الوضع الأمني لكن المراقبين يرون في هذا الإنكار محاولة لشراء الوقت وتخفيف الضغط السياسي في وقت تعمل فيه كوادر الحزب على توسيع حضورها في مفاصل الإدارة المحلية وفي أجهزة الأمن والتمويل خصوصًا في سيئون والمناطق المحيطة بها.

    لم تمر تحركات الإخوان في حضرموت دون ردود فعل من القوى المحلية، خصوصًا من المكونات الداعية لفيدرالية جنوبية أو مشروع دولة جنوبية مستقلة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينظر إلى حضرموت كجزء أساسي من مشروعه السياسي يرى في التمدد الإخواني تهديدًا مباشرًا ويتعامل معه كأداة قطرية تركية لإعادة خلط الأوراق جنوبًا كما أن بعض القوى السلفية والمستقلة في حضرموت وإن كانت على خلاف مع الانتقالي إلا أنها تُبدي حذرًا من عودة هيمنة حزب الإصلاح خاصة بعد تجارب سابقة اعتُبر فيها وجود الإخوان عاملًا في تعميق الانقسام وتشويه مؤسسات الدولة.

    القبائل الحضرمية خصوصًا في الوادي تشكل عنصر توازن بالغ الأهمية بعضها ارتبط تاريخيًا بعلاقات تعاون مع حزب الإصلاح لكن ذلك لا يعني انخراطًا سياسيًا كاملاً فغالبية القبائل تتبنى موقفًا براغماتيًا يهدف إلى حماية مصالحها المحلية وتفادي الانجرار إلى صراعات كبرى ومع تصاعد التحركات الإخوانية بدأت بعض هذه القبائل بإعادة النظر في تحالفاتها وأبدت استعدادًا أكبر للتعاون مع قوى تعتبرها أكثر التزامًا بمصالح حضرموت كالمجلس الانتقالي أو المكونات الحضرمية المستقلة في المقابل تتنامى دعوات داخل حضرموت لإعادة تشكيل كيان سياسي حضرمي يمثل المحافظة بعيدًا عن الاستقطابات الحزبية والمشاريع العابرة للمناطق وهو ما يشير إلى وعي متزايد بأن حضرموت يجب أن تكون فاعلًا لا تابعا.

    ما يجري في حضرموت ليس صراعًا على سلطة محلية بقدر ما هو صراع بين مشروعين متناقضين مشروع الإسلام السياسي الذي تمثله جماعات كالإخوان والذي يسعى إلى التحكم بمفاصل الدولة من خلال الشرعية والمؤسسات ومشروع الدولة الوطنية أو الإقليمية الذي تتبناه قوى مدعومة من محور الرياض-أبوظبي-القاهرة ويدعو إلى كبح جماح الجماعات الأيديولوجية وبناء دولة مركزية أو اتحادية قوية.

    حضرموت اليوم ليست مجرد ساحة فرعية في الصراع اليمني بل مركز ثقل استراتيجي تتصارع عليه مشاريع داخلية وخارجية الإخوان رغم تراجعهم يحاولون عبر حضرموت البقاء في المشهد ولو من نافذة ضيقة في المقابل تتحرك القوى المحلية والإقليمية لاحتواء هذا التمدد سواء عبر مشاريع سياسية بديلة أو دعم مباشر لقوى مناوئة.

    يبقى مستقبل حضرموت مرهونًا بمدى قدرة أبنائها على إنتاج مشروع سياسي جامع يُخرجها من لعبة المحاور ويمنحها حق تقرير مسارها بعيدًا عن أجندات تتخذ من المحافظة مجرد محطة عبور لمشاريعها الخاصة.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    علي أحمد الديلمي

    spot_imgspot_img