الرابح الأكبر من تنفيذ أي ضربة عسكرية لإيران، وخاصة لبرنامجها النووي، هو “إسرائيل”.
صحيح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يفصح عن الأمر بالفم الملآن، ولكن يبقى مضمون ما قدمه لإيران محدداً بوضوح، ومن خلال خيارين اثنين لا ثالث لهما: إمّا التخلي طوعاً عن برنامجها النووي، سلمياً كان أو عسكرياً، مع إمكانية استفادتها من بعض الفرص الجدية، وإلّا فإن عملية عسكرية أميركية – إسرائيلية واسعة، تنتظرها لتنهيه بالقوة وتدمّره، في حال عدم تخليها عنه طوعاً.
هذا الملف الاستثنائي الذي رفضه العالم بشكل عنيف حين حاولت الثورة الإسلامية في إيران، ولأغراض سلمية وعلمية، تفعيله وإكماله، وذلك بعد أن كان مقبولاً ولا مشكلة فيه، حين نشأ برعاية الأميركيين والألمان لمصلحة حكم الشاه قبل انتصار الثورة في نهاية السبعينيات، يجده أغلب المتابعون اليوم الملف الأكثر حساسية وأهمية وخطورة، وبحسب مسار معالجته، يتوقف مصير مروحة واسعة من الملفات الدسمة في المنطقة والعالم.
لا شك أن الجدية في المتابعة الأميركية لأغلب الملفات الدولية اليوم، برعاية الرئيس ترامب وقيادته، توحي بأن مستوى المعالجة الذي تعتمده هذه الإدارة اليوم مختلف بالكامل عن كل مستويات المعالجات للإدارات الأميركية السابقة، ديمقراطية أو جمهورية، وحتى إنها اليوم مع الرئيس ترامب ( الجديد)، مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه مع الرئيس ترامب بنسخته السابقة قبل ولاية الرئيس جو بايدن، الأمر الذي يستنتج منه أن ملف النووي الإيراني اليوم، سوف يجد طريقه نحو المعالجة الجذرية، بمعزل عن الأسلوب أو الاستراتيجية المعتمدة.
إذاً، إيران اليوم أمام خيارين لإيجاد حلّ لملفها النووي: سلمياً بالتفاوض أو عسكرياً بعملية خاصة.
في الاتجاه السلمي، تتعدد وتتراكم الخيارات، إذ ستكون هناك تقديمات مغرية لإيران، أولها طبعاً الابتعاد عن الأسى والأذى والدمار، وعن الخسائر حتماً، للطرفين وليس بالضرورة لإيران فقط، بالإضافة إلى رفع العقوبات وفكّ الحصار عنها وإعادتها إلى نادي التجارة العالمية من كل أبوابه وخاصة الغربية منها، والتي ابتعدت عنها كثيراً، ليكون الثمن (الغالي طبعاً) لكل هذه التقديمات، إنهاء الحلم النووي لدولة إقليمية فاعلة، تفرَّدت وحدها تقريباً، في المنطقة وفي العالم، في تحدي “إسرائيل” والأميركيين.
أما في الاتجاه العسكري لحلّ معضلة الملف النووي الإيراني، فلا شك، ومن خلال مقاربة الأمر موضوعياً، ستنجح الوحدات الأميركية والإسرائيلية في الوصول إلى أهداف عمليتها الأساسية، أي المنشآت النووية الإيرانية، الموزعة في كل محافظات إيران ومناطقها، وبمعزل عن نسبة هذا النجاح، الكلي أو الجزئي، سيتم تدمير هذه المنشآت بالشكل الذي لن يكون لها بعد ذلك أي إمكانية تخوّلها متابعة نشاطاتها العلمية أو العسكرية في وقت قريب.
طبعاً، مع هذا السيناريو، لا يمكن استبعاد سيناريو مقابل، تنجح من خلاله إيران في تحقيق استهدافات موجعة للأميركيين وحلفائهم المساهمين أو المسهلين للعدوان المرتقب عليها. ولكن، هناك تساؤلات عديدة يجب التوقف عندها في معرض تحليل مسار الحل العسكري ونتائجه وتداعياته، على كل من إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية.
لا شك أن الرابح الأكبر نتيجة أي ضربة عسكرية لإيران، وخاصة لبرنامجها النووي، هي “إسرائيل”، إذ ستخسر طهران بالإضافة إلى قدراتها النووية، موقعها ونفوذها، أو على الاقل سيتأثران سلباً بنسبة كبيرة، فإن ما سوف ينتج عن ذلك من فقدان للتوازن في المنطقة بين اللاعبين التقليديين، لن يكون فعلياً لمصلحة الأميركيين، حيث الوصول إلى وضعية خالية من النزاع الثقيل الذي طالما طبع الوضع في الشرق الأوسط بين إيران و”إسرائيل”، سوف يلغي الرغبة والحاجة لدول المنطقة وخاصة الخليجية، والغنية منها، للتسلح إلى الحد الأدنى، ليخسر سوق الأسلحة الأميركية مبالغ ضخمة، تحتاجها اليوم شركات تصنيع الذخائر والأسلحة الأميركية، خاصة مع اقتراب انتهاء الحرب في أوكرانيا.
من جهة أخرى، وبعد الضربة العسكرية المرتقبة لإيران، من الطبيعي أنه ستكون هناك سيطرة حاسمة ونفوذ واسع ومتفوق لـ”إسرائيل”، الأمر الذي لن يكون مناسباً للاستراتيجية الأميركية التي قامت فلسفتها تاريخياً، على إبقاء اليهود بحاجة إلى دعم الإدارة الأميركية، الأمر الذي سوف يغيب في حال كانت “إسرائيل” مسيطرة ولا تحتاج إلى دعم أميركي.
وليبقى سؤال أساسي ومهم يجب التوقف عنده وهو:
لماذا لم تلجأ واشنطن قبل اليوم إلى اعتماد هذه الاستراتيجية التي يمارسها حالياً الرئيس ترامب مع إيران، بعد تهديدها بوجوب إلغاء برنامجها النووي؟
وماذا كان يمنعها من ذلك، حيث التفوق العسكري كان وما زال لمصلحة الأميركيين وحلفائهم؟
كل هذه التساؤلات، بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة استراتيجية فعلية لواشنطن، بأن يكون الشرق الأوسط محكوماً بسيطرة طرف واحد فقط، وأن يكون خالياً من التوترات التي طالما بنت عليها الولايات المتحدة الأميركية عقيدتها وسياساتها، كل ذلك يدفعنا إلى الاستنتاج أن اتخاذ واشنطن قراراً حاسماً بتنفيذ عمل عسكري واسع ضد إيران، يبقى أمراً مستبعداً وبقوة.