تفاقم الخلاف بين القوى الجنوبية اليمنية وتحديدا المجلس الانتقالي الجنوبي ،الشريك بالحكومة اليمنية المعترف بها وبين شخصيات وشيوخ كيانات قبلية وعسكرية وحزبية من محافظة حضرموت الإستراتيجية، أبرز هذه التشكيلات القبلية الحضرمية مجلس (قبائل حضرموت) وقواته (قوات حماية حضرموت) بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش .
هذه الخلافات المستعدة منذ سنوات زادت وتيرتها بالأيام الأخيرة غداة زيارة قام بها إلى المحافظة- النفطية -رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي التواق لاستعادة دولة اليمن الجنوبية ضمن جولة زيارات له شملت كل محافظات الجنوب.حضرموت المحافظة التي تمتلك مساحة شاسعة وثروات هائلة وتجحظ نحوها عيون الغرب وبالذات أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومعهم بالطبع السعودية يتحكم في خيوط اللعبة السياسية والعسكرية والقبَلية فيها المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة.
السعودية حرصت منذ بداية الحرب باليمن التي يمر عليها اليوم عشر سنوات بالوفاء والتمام على تجنيب المحافظة الصدامات العسكرية الى حد كبير باعتبارها منطقة مصالح سعودية هامة ومصالح قوى عظمى. ولتحقيق هذه الغاية أنشأت كيانات قبلية وعسكرية موازية لمؤسسات الدولة والسلطات المحلية -او بالأحرى ما بقي من هذه المؤسسات- ومضادة للقوات المحسوبة على الطرف الجنوبي المسنودة بقوة من الإمارات. فبرغم الشراكة العسكرية التي ينضوي تحتها المجلس الانتقالي الجنوبي مظلة التحالف وشراكته بالحكومة اليمنية المعترف بها إلا أن ذلك لم يشفع له عند الرياض والتي ظلت ولا تزال تتوجس من نفوذ المجلس في هذه المحافظة الحيوية و محافظة المهرة اقصى شرق الجنوب وانشأت عدة كيانات قبلية وعسكرية، كان آخرها قوات (قوات درع الوطن) بقرار جمهوري وبدعم وتوجيه ومالي منها لتكون لتكون قوة مجابهة لقوات النُخبة الحضرمية والتشكيلات العسكرية الجنوبية الأخرى الموالية للمجلس الانتقالي بحضرموت وبعموم المحافظات، وعلى وقع هذا ووقع الخلاف الصامت بين الرياض وأبوظبي بشان الكعكة اليمنية ظل جمر الخلاف كامنة تحت الرماد تتقد تارة وتخمد تارة أخرى، حتى بدأت بالظهور بشكل جلي قبل أيام على صورة تصريحات نارية من داخل حاضرة المحافظة “المكلا “بين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي السيد عيدروس الزبيدي ورئيس المجلس حلف قبائل حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش ،وصلت الى مرحلة كسر العظم.
فبعد ان اتهم الزبيدي عددا من الشخصيات والكيانات بالمحافظة -لم يسمها بالاسم-بالعمالة للحركة الحوثية (أنصار الله) سرعان ما اتى الرد من بن حبريش بإعلانه عن قطع إمدادات النفط على عاصمة الجنوب عدن التي تعاني من أزمات خدمية خانقة وتأكيده على أن حضرموت قد شبت عن الطوق و وستكافح لانتزاع حقوقها المنهوبة بعيدا عن هيمنة الدخلاء، في إشارة الى المجلس الانتقالي ورئيسه الزبيدي .
وبعد لك تصاعدت التصريحات الساخنة بين الجانبين تغذيها جهات عدة، قبل أن تستدعي المملكة الشيخ بن حبريش إلى الرياض للتشاور حول ما يجري هناك وما يمكن أن يتم في قادم الأيام، في مؤشرِ واضح على نية المملكة إبدا دعمها الكبير للشيخ بن حبريش ومجلس قبائل حضرموت كما تفعل مع باقي المجالس والكيانات القبلية والعسكرية الحضرمية الأخرى التي أنشأتها، ولتبعث رسالة بحد الموس للمجلس الجنوبي ان يقف عند حده.
بل لم يقتصر الأمر من جانب السعودية عند حد إبداء الدعم بن حبريش ومجلسه القبلي وقواته العسكرية دعما سياسيا بل تعدى ذلك الى ما هو ابعد حين حرص الأمير خالد بن سلمان بنفسه على لقاء بن حبريش بنفسه ، بل ومع وقائد قوات حماية حضرموت الذراع العسكري للمجلس القبلي العميد العوبثاني، في مؤشر خطير للغاية والأولى من نوعها على حرص بن سلمان لقائه بقائد عسكري قبلي حضرمي !!.
فالرياض يبدو أنها تخطط لمزيدٍ من الضغوطات على المجلس الانتقالي الجنوبي ليس فقط سياسيا بل عسكريا وقبليا، وعلى مستوى رفيع جدا من الاهتمام ، فالأمير خالد هو وزير الدفاع ، فضلاً عن انه يمسك بالملف اليمني.
ف الانتقالي الجنوبي الذي ظل يرفض ولو شكل غير معلن اي تفرد سعودي بالمفاوضات مع الحركة الحوثية على حساب القضية الجنوبية والثروات الجنوبية ويمضي متحديا لها باتجاه مشروعه الاستقلالي صار اليوم في دائرة العقاب الاستهداف السعودي( قرصة الأذن) لكبح طموحاتها السياسية التي نشدها خارج دائرة الرغبة السعودية الأمريكية و البريطانية ،ولوقف مشاغبة في محافظة دسمة بوزن حضرموت، بعد أن استطاعت المملكة تقويض حضوره الى حد كبير بمحافظة المهرة- أقصى الشرق- وهي المحافظة التي لا تقل كثيرا عن أهمية حضرموت بعد أن طردت منها الإمارات قبل أعوام.
السعودية ومن خلفها واشنطن ولندن تكرس ليمن -شمالا وجنوبا وشرقا وغربا – على شكل كانتونات وجُزر سياسية وقبلية وطائفية معزولة عن بعض، أي (يمن بين بين) لا وحدة يمنية بنسخة ١٩٩٠م او حتى بنسخة ١٩٩٤م ، ولا انفصال بنسخة ما قبل وحدة عام ٩٠م. ليتسنى بالتالي لها ولأمريكا ولندن وباريس سهولة الهيمنة على كل القوى بالساحة وبالذات في الجنوب وسهولة نهب المقدرات وترسيخ الوجود والهيمنة على المنافذ وحقول النفط والغاز والموانئ بذريعة محاربة المد الإيراني ومبرر اسقاط الحركة الحوثية في صنعاء.