المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الجهاد الإسلامي تشيد بقرار اليمن استئناف العمليات العسكرية ضد السفن الإسرائيلية

    أشادت حركة الجهاد الإسلامي بقرار القوات المسلحة اليمنية استئناف...

    سجون سرية للإمارات في جزيرة ميون اليمنية

    كشفت مصادر اعلامية عن وجود سجون سرية تديرها الإمارات...

    منظمة العفو الدولية: قرار قطع الكهرباء عن غزة مثابة سلاح حرب قاس وغير مشروع

    صرحت منظمة العفو الدولية أن قرار الاحتلال قطع الكهرباء...

    ولأول مرة يعترف الجيش الإسرائيلي بالهزيمة

    دون لف أو دوران اعترف الجيش الإسرائيلي بالهزيمة في...

    حين خذلتها القمة العربية بالقاهرة قمة اليمن تنصر فلسطين

    بعد البيان والموقف المخزي والضعيف والمذل التي خرجت به...

    العصر الذهبي لأميركا

    عصر أميركا الذهبي سيكون على حساب المزيد من دمائنا وأرواحنا، مادته صمتنا وسلاحه تراجعنا وضعفنا. لا خيار أمامنا سوى التمسك بالمقاومة، وخلق الظروف المناسبة لنشوئها في كل ساحة.

    في خطاب حالة الاتحاد الأطول في التاريخ الأميركي الحديث، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن العصر الذهبي للولايات المتحدة قد بدأ، وأن القرارات والتصريحات التي أطلقها منذ فوزه بولايته الثانية ستكون مفتاح العصر الأميركي الجديد أو كما سمّاها “عودة أميركا”.

    لم يوضح الرئيس ترامب عودة أميركا من أين، فهل غابت أميركا عن مسرح الأحداث العالمية يوماً، تقول الإحصائيات إن الولايات المتحدة خاضت ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وعام 2010  ما مجموعه 159 نزاعاً مسلحاً في 155 بلداً. حروب نعرفها جيداً لأننا كنّا ضحاياها، وحروب لا نعرف عنها، مثل الحرب الأهلية في نيبال (1996 – 2001) أو عملية الحرية الدائمة في القرن الأفريقي المستمرة منذ عام 2002 وحتى يومنا هذا. عن أي عودة يتحدث الرئيس ترامب إذاً؟

    يمكن اختصار العصر الذهبي الأميركي الذي يبشر به ترامب بجملة واحدة: الهيمنة الاقتصادية لنهب الثروات، والهيمنة العسكرية لردع الخصوم. على دول العالم التكيف مع شروط العصر الجديد، سواء بتسليم أراضيها كما طلب الرئيس من غرينلاند، وبنما، وكندا، وغزّة، أو بالخضوع للشروط الاقتصادية لسيد العالم تحت طائلة الرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية كما حدث مع كندا والمكسيك والصين وكولومبيا. هذه العودة الأميركية كما يصفها ترامب هي استعادة للروح الأميركية، روح الرأسمالية كما يجب أن تكون.

    ذكرني خطاب ترامب بخطاب ألقاه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بعد تفجيرات أيلول 2001، عندما قال إن المستهدف بتلك التفجيرات هو روح الغرب وطريقة الحياة الغربية. كان ذلك الخطاب إعلاناً للحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي كلفت العالم ملايين الأرواح التي أزهقت، وتريليونات الدولارات التي أهدرت. لن تكون الطائرات والدبابات وجنود مشاة البحرية خيار ترامب الأول في حربه، فهو التاجر الذي يحكم من خلال إدارة تضم 11 مليارديراً، ستكون حربه تجارية، ستزهق فيها أرواح الفقراء جوعاً ونقصاً في الصحة والتعليم، وإذا احتاج الأمر يمكن اللجوء إلى “أقوى جيش في العالم” ليضع الأمور في نصابها الرأسمالي الصحيح.

    منذ القرن التاسع عشر والعالم يخوض صراعاً ضد الرأسمالية الصاعدة، ونستطيع القول إن تاريخ العالم من ذلك الوقت لم يكن “تاريخ صراع طبقات” فحسب، كما وصفه كارل ماركس، بل كان تاريخ صراع مرير بين الثورات والثورات المضادة. في سياق هذا الصراع، ظهر الجوهر العنصري للفكرة الرأسمالية، كما عبّر عنه سياسيون ومفكرون بل وحتى تربويون غربيون، من أمثال جوزيف آرثر دو غوبينو صاحب كتاب “عدم المساواة بين الأجناس” ومؤسس نظرية تفوّق العرق الآري، والمفكر التقدمي جول فيّري الذي ألقى خطاباً أمام برلمان الثورة الفرنسية قال فيه:

    “أيها السادة، يجب أن نتكلم بصوت أعلى وأقوى، ينبغي لنا أن نقول بصراحة أن للأعراق العليا حقاً على الأعراق الدنيا، قلت إن لها حقاً بمعنى أن لها واجباً. إن عليها واجب إدخال الأعراق الدنيا إلى الحضارة”

    إذا تساءل أحدنا عن كيفية إدخال تلك الأعراق إلى الحضارة، فإن السيد ترامب تكفل بالإجابة، فليس علينا سوى تدمير الأرض وقتل جزء من السكان، وتهجير البقية، ثم إعادة إعمار تلك المنطقة بالشروط الرأسمالية لتصبح ريفيرا فرنسية جديدة. أليست تلك خطة الرئيس ترامب لقطاع غزّة؟ لا بد طبعاً من تحقيق شرط آخر وضعه مفكرون غربيون من أمثال الإيطالي سيجهيل، والفرنسي غبرييل تارد قبل 200 عام، هذا الشرط هو القضاء على “الجماهير المجرمة” التي تمثلها حركات المقاومة مثل حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله، وقد تمتد لتطال شعوباً مثل الصينيين وسكان أميركا اللاتينية وبعض العرب.

    ما فعله السيد ترامب، كان التعبير بوجه مكشوف، ولغة صادقة عن الروح الرأسمالية. هذه الروح التي لا ترى إلا ذاتها وتلتهم كل من يقف في طريقها حتى لو كان من أبنائها. لقد قدم السيد ترامب الشرح الدقيق لمبدأ “دعه يعمل دعه يمر” فهذا المبدأ على مستوى الدول يكون “دعه ينهب، دعه يقتل”. هنا، لا تهم جنسية القتيل أو المنهوب، ألم تنهب الولايات المتحدة أوروبا واليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ المهم أن نضع ذلك في سياق تبريري مثل تدمير الديكتاتورية، أو أسلحة الدمار الشامل، أو مكافحة الإرهاب، ونجند الإمبراطوريات الإعلامية لتتبنى قصتنا وتعيد تركيبها ليكون القاتل هو الضحية والمجرم هو القتيل الذي يسقط في غزّة أو الضفة أو العراق أو فنزويلا أو قرية المختارة شمال اللاذقية.

    عصر أميركا الذهبي سيكون على حساب المزيد من دمائنا وأرواحنا، مادته صمتنا وسلاحه تراجعنا وضعفنا. لا خيار أمامنا سوى التمسك بالمقاومة، وخلق الظروف المناسبة لنشوئها في كل ساحة سواء في وطننا أو في العالم، فالحرب مع الرأسمالية بنسختها الأكثر فاشية تحتاج إلى أوسع حلف عالمي ممكن بين الشعوب المقهورة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عماد الحطبة

    spot_imgspot_img