المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خسائر تريليونية تحت حكم ترامب.. أسواق الأسهم الأمريكية تشهد أسوأ بداية رئاسية منذ 2009

    شهدت الأسواق المالية الأمريكية اضطرابات حادة خلال الأيام الأولى...

    الحوثي يحمّل “الأمريكي والإسرائيلي” مسؤولية تداعيات أي تصعيد قادم

    حمّل عضو المجلس السياسي الأعلى، في صنعاء، محمد علي...

    ترغب في خسارة الوزن.. عليك بتناول هذه المكسرات

    تُعد المكسرات إضافة غذائية قيمة تعود بفوائد عديدة على...

    تطهير عرقي في سوريا بأسلوب انيق وبدلة رسمية

    أحدهم قرر أن سوريا تحتاج إلى اثبات ولادة. ختم جديد يوضع على هويتها، يحمله رجال لا يتحدثون العربية، لكنهم يقررون مصيرها. الغريب أن رجلا كان قبل سنوات يقطع الرؤوس تحت راية سوداء أصبح اليوم مسؤولا رسميا، يجلس في القصر، يفرش له السجاد الأحمر، يستقبله رؤساء الدول، ويخطب حول العدالة الانتقالية.
    عن أحمد الشرع نتحدث؟ الرجل ليس أكثر من أداة، صُنعت وبُرمجت لتنفذ، لا لتقرر… تركيا وقطر جهزتاه لهذا الدور.
    الرياض ترى به ورقة إضافية في يد خصومها. لا خلاف معه، المشكلة تكمن في الطرف الذي يحركه، في المشروع الذي يتكئ عليه.
    في النهاية، لا شيء يحدث صدفة. يحل الخراب دائما لصالح المستفيد الوحيد… لا شيء في هذا العالم يمنح إسرائيل الطمأنينة أكثر من الخراب. يستيقظ نتنياهو على ركام المدن، يمد يده إلى فنجان قهوته، يرتشف مرارتها على أنقاض المنازل، ويتناول غداءه على مائدة الحروب الممتدة من غزة إلى سوريا إلى لبنان.
    لا حاجة لإطلاق رصاصة واحدة طالما ان الفوضى تقوم بالمهمة… الفتنة لم تعد بحاجة إلى الميركافا والصواريخ ما دامت المجتمعات تنهار من تلقاء نفسها.
    إسرائيل التي سقطت يوم 7 اكتوبر، تنفذ توسعها نحو الحلم التوراتي وتنفخ الحياة في مشروع “إسرائيل الكبرى”.. هي تدرك ان القوة العسكرية وحدها لا تصنع السيطرة، الحل السحري هو في تفكيك الدول المجاورة، اغراقها في نزاعات طائفية، بشكل ان لا يفهم أحد من يقاتل من، ولأي سبب. نتنياهو، ملك إسرائيل وقيصر الشتات اليهودي يتربع على عرش هذه الفتن. ملك إسرائيل الأخير لا يخوض الحروب، بل يتركها تشتعل وحدها.
    ما الجديد؟ – لا شيء… كل شيء آخر يكرر نفسه بملل.
    المسيحيون؟ – انهم كفار في القاموس التكفيري.
    العلويون؟ – انهم أعداء لله في الرواية ذاتها.
    من لا ينتمي إلى أي تصنيف؟ – عليه أن يختار بين ضفتين لا وجود لهما أصلا.
    الضحايا؟ – لا أسماء، فقط عائلات سورية تباد، عائلات بأكملها شطبت من السجلات.
    النداء؟ – دعوات إلى النفير العام والجهاد عبر مكبرات الصوت في مساجد إدلب، الأوامر واضحة، لا تحتاج إلى شرح.
    النتيجة؟ – احياء قد تمسح عن الخريطة، السكان هناك ينتظرون “تمشيطا مسائيا” لن ينجو منه أحد.
    ثم يأتي الإعلام ليمنح المجازر أسماء أخرى… كيف يمكن التصالح مع هذا التزييف؟
    في الساحل السوري ارتكبت جماعة من الإرهابيين تطهيرا عرقيا بحق السكان المدنيين، هذه هي الحقيقة التي لا تقبل اي تحريف. المفارقة انهم دائما يعطون اعذارا وذريعة واحدة: “تطهير البلاد من فلول النظام”… وعندما انتهى كل شيء، لم ينتهِ شيء… ظلت صور المجازر عالقة في الأذهان، رغم أن البعض قد يدعي أنهم يحققون “النصر” بتطهير البلاد. لم يحظ الضحايا بالعدالة… وبات الجناة أبطالا في نظر أنفسهم. الكل كان يعلم أن هذا سيحدث، لكن البعض، ولسبب ما، قرر إعطاء فرصة. هل تتذكرون من كانوا يقولوا: “دعوه يحكم، لنعطه فرصة”؟ حسنا، ها هي الفرصة وهذه هي النتيجة أيضا!
    لم يتغير شيء. لكنك ستلاحظ انه مع مرور الأيام سيصبح الألم جزء من هويتك.
    لم يجر نقاش حقيقي. اقترح البعض إقامة مناطق آمنة للمدنيين. لم يدعم فكرتهم أحد. عندما زاروا العواصم الكبرى، والبلاد العربية احتجوا بكلمات العدالة والحرية ثم زرعوا الفتن. الاعجب من هذه المجازر في سوريا هو القبول العربي بها. الامة الاسلامية تتقبل مشاهد ابادة العلويين في سوريا كما تقبلت الابادة في غزة… وفي جنوب لبنان وفي الضاحية.
    أحد الادعاءات هو أن “هؤلاء” (لم يسميهم احد “ضحايا التطهير العرقي”) يستحقون مصيرهم. اليوم اذا التقى احدنا بناجين وسألهم: “امامك البقاء في هذا الجحيم أو البحث عن ملاذ آمن، أيهما ستختار؟”. سيجيب الجميع، وهناك من قد يتردد: “ملاذ آمن طبعا”…القهر هو أن تنظر الى وطنك كأنك غريب عنه، وتكتشف ان ملامحه تغيرت وانك لم تعد تعرفه!
    إسرائيل تجيد اللعب في سوريا. تقدم نفسها كحامية للأقليات في مواجهة النفوذ الإسلامي السني لتركيا. لا حاجة إلى الاحتلال المباشر، لا حاجة للحروب الطويلة. يكفي أن تستغل الخوف.
    العلويون لم يميلوا يوما إلى إسرائيل. لا يهم! الخوف يغير الحسابات… وإسرائيل تدرك ذلك.
    المشهد يتكرر. غارات إسرائيلية على جنوب لبنان، إسرائيل تضرب في غزة. في الساحل، الجولاني يذبح مجددا. لا جديد!
    والعالم الإسلامي؟ مشغول… موائد الإفطار عامرة، السهرات الرمضانية ممتدة. مسلسل معاوية؟ بالطبع، ولم لا؟ التوقيت مثالي. إعادة إنتاج الصراعات القديمة، بحبكة درامية. التجييش الطائفي متاح فقط اضغط على زر “الريموت”. هل تريد الفتنة بنكهة الاخبار او الدراما التاريخية؟ الخيارات متعددة، و”الريموت” في يدك.
    من يظن أن المخطط سيتوقف عند سوريا، واهم. ما بدأ هنا لن ينتهي هنا. السؤال ليس هل سيصل إلينا؟، بل متى؟… والإجابة واضحة: قريبا جدا!
    توجه إسرائيل أسلحتها نحو الاستقرار … في الجنوب السوري، المشروع التقسيمي يتحقق بصمت. تفكيك الجنوب هو أيضا مفتاح لتفكيك لبنان. لا داعي للاستعجال، الحدود لا تُرسم مرة واحدة، بل على مراحل.
    تل أبيب لا تتوقف، تلعب بالنار الممتدة في كل الاتجاهات. دمشق؟ قد تكون المحطة التالية. البادية؟ القوس الاستراتيجي نحو النفط والشرق السوري، الذي لا أحد يعرف لمن سيكون في النهاية.
    الحدود العراقية–السورية ليست بعيدة عن الحسابات. إسرائيل تراقب، تنسج خيوط التمدد، تنتظر لحظة الفراغ المناسبة.
    السوريون؟ عالقون في جغرافيا لم تعد سوريا. لا مدن، لا شوارع، فقط مجازر ودم وتَردُد تلاوات لأسفار وصلوات تلمودية…
    الجنوب يتمزق، الشرق ينزلق، الساحل في فراغ جاهز لمن يستغله…. إسرائيل لا تتعجل. تراقب. تنتظر. وإسرائيل تجيد الانتظار!
    ما الذي يتبقى حين ينهار الوطن؟ بعض الأسماء. أسماء الشهداء. أسماء الشوارع والأحياء التي لم تعد كما كانت. أسماء نرددها، نَحِنُّ إليها، واماكن نستعيدها في ذاكرتنا.
    حكايا تأتي من جهة الماضي. وقلة مثلنا، لا يزالون يؤمنون أن سوريا لن تتخلى عنهم. سوريا لا تتخلى عن الذين لم يتخلوا عنها. تعرف كيف تنبعث من إرهاقها، كما يمد الياسمين فروعه نحو الضوء وتتفتح أزهاره.
    ستصمد. وستعود كما كانت، بل أفضل. قلب العروبة الذي ناضل في سبيله إبراهيم هنانو، ويوسف العظمة، وفارس الخوري والشيخ صالح العلي وغيرهم من المناضلين الابطال.. سوريا، مثلهم، لا تعرف كيف تكون إلا واقفة. لكن لا بأس. لا وقت للبكاء على الخيبات الآن!
    في لبنان، إسرائيل تفعل ما اعتادت فعله دائما: الخروقات مستمرة للقرار 1701، وهي لن تغادر النقاط الخمس… اسرائيل تريد الحرب، تدفع حزب الله إلى المواجهة، المشكلة ليست في المقاومة فهي قادرة على النهوض. التشييع كان رسالة واضحة على استرجاعها لقوتها… المشكلة في الداخل اللبناني، حيث كل شيء معقد أكثر مما يجب.
    تقتنص اسرائيل اللحظة التي يخطئ فيها الحزب حتى تقلب الطاولة من أجل عدم إعطاء فرصة لاستئناف المفاوضات بين أمريكا وإيران ومنع أي اتفاق حول النووي. تصريحات ترامب تقلقهم! والحل الدبلوماسي ليس في مصلحة إسرائيل.
    ليس مفاجئاً أن تجد بعض الفلسطينيين واللبنانيين يبررون قتل المدنيين في سوريا، تماما كما ان يعتبر الإسرائيليين قصف غزة ولبنان دفاعا عن النفس. المنطق واحد: شرعنة القتل!
    إذا كنت تعتقد أن قتل السوريين مقبول لانهم “بقايا النظام”، فلماذا تستغرب عندما يصفك الإسرائيلي بـ”الإرهابي” ويبرر إبادة أهلك في غزة؟ … عندما تهلل للجولاني، تذكر أنه لا يقلق للتمدد الإسرائيلي، وأنه طرف في مشروع إسرائيل الكبرى. لا يمكنك التصفيق للمجازر هنا، ثم إدانتها هناك!
    كم مرة سمعنا أصوات تندد باحتلال المدن السورية؟ كم مرة قرأنا بيانات تهاجم الاحتلال التركي في الشمال، أو التغلغل الأمريكي في الشرق، أو التمدد الإسرائيلي في الجنوب؟ لا أحد يتحدث عن هذا. الخطاب العربي اختار أن يرى نصف الصورة فقط. النصف الذي ينسجم مع مصالح القوى الكبرى، ويخدم سيناريو التقسيم.
    كل يوم لا يمر دون أن يُراد لنا ان لا نكون… هي حرب وجودية ضد الوعي وصراع على الإدراك، على الهوية، على المفاهيم وعلى أنماط التفكير التي تحدد كيف نرى أنفسنا، وكيف نحدد الآخر. طالما استمرت آليات التبرير في تقبل العنف، فإن دورة الصراع تعيد إنتاج نفسها، ويصبح العدو الحقيقي غائبا، ويحل محله خصم مختلق… وطالما استمرينا في تبرير قتل بعضنا البعض، فلن تحتاج إسرائيل إلى جيوش لتوسيع حدودها، فنحن نقوم بالمهمة عنها على أكمل وجه.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    د. لينا الطبال

    spot_imgspot_img