في مشهد استراتيجي معقد، تتكشف محاولات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتعويض هزائمهما المدوية أمام جبهات المقاومة في المنطقة عبر سلسلة من المناورات السياسية والعسكرية.
هذه المحاولات، التي تتراوح بين التصعيد المباشر وغير المباشر، تعكس حالة من الهلع الاستراتيجي لدى واشنطن وتل أبيب، اللتين تجدان نفسيهما عاجزتين عن تحقيق أهدافهما رغم كل الأدوات المتاحة.
التصعيد في فلسطين: مخططات التهجير وأدوات الضغط الإقليمية
في فلسطين، تحاول الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني فرض وقائع جديدة تستهدف إلغاء مكاسب انتصار المقاومة في غزة. يأتي على رأس هذه المخططات مشروع التهجير القسري الذي تتبناه واشنطن بشكل علني، والذي يسعى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والديموغرافي للشعب الفلسطيني. ومع ذلك، فإن الاعتماد الرئيسي لتنفيذ هذا المخطط يظل مرهوناً بالأنظمة العميلة في المنطقة، والتي رغم مواقفها الرسمية الرافضة، لا تزال تتضمن ثغرات خطيرة تتيح للأمريكيين والصهاينة تنفيذ مؤامراتهم عبر أدوات غير مباشرة، مثل توسيع دائرة التطبيع وتفعيل ضغوط اقتصادية وسياسية على المقاومة الفلسطينية.
لكن ما يميز المشهد الفلسطيني اليوم هو صلابة المقاومة الشعبية والمساندة الواسعة التي تحظى بها من شعبها ومن جبهات الإسناد الإقليمية، وفي مقدمتها اليمن. هذه الصلابة تمثل عائقاً استراتيجياً أمام أي محاولة لفرض حلول استسلامية، حيث إن أي خطوة تصعيدية ستكون محفوفة بمخاطر انفجار شامل قد يخرج عن نطاق السيطرة، كما أثبتت معركة “طوفان الأقصى” أن العدو غير قادر على احتواء تداعيات مثل هذا الانفجار.
لبنان: محاولات الحصار السياسي والعسكري
في لبنان، يسعى الكيان الصهيوني إلى القفز على نتائج هزيمته أمام حزب الله عبر استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى “حصار” المقاومة الإسلامية وإضعاف بيئتها الحاضنة. تتضمن هذه الاستراتيجية مسارات متعددة، منها العمل على تقليص المشاركة السياسية لحزب الله وعزله داخلياً، إلى جانب الضغط على السلطات اللبنانية لتطبيق قرارات ذات طابع صهيوني، مثل منع الرحلات الجوية القادمة من إيران.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد العدو على أدوات محلية وإقليمية، مثل تحريك العصابات المسلحة التابعة للنظام السوري الجديد لاستهداف المناطق الحدودية اللبنانية، مع إسناد مباشر من الطيران الصهيوني. هذه المحاولات تكشف عن مخطط واضح لتفعيل النظام السوري كذراع عسكرية لاستهداف حزب الله ومحاصرته، بالتوازي مع استمرار رفض الانسحاب من المناطق الحدودية المحتلة وشن غارات بطائرات بدون طيار.
ومع ذلك، فإن حزب الله، الذي يمتلك خبرة طويلة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، يدرك تماماً أن هذه المحاولات لن تؤتي ثمارها. فالحزب لا يزال يملك الأدوات والقدرات اللازمة لمواجهة أي تصعيد، سواء كان سياسياً أو عسكرياً. وما يعزز موقفه هو الدعم الشعبي الواسع وتحالفه الاستراتيجي مع جبهات الإسناد الإقليمية، مما يجعل أي محاولة للضغط عليه مكلفة للغاية بالنسبة للعدو.
اليمن: معادلات الردع تُفشل مخططات العدوان
في اليمن، يتبع العدو نفس النهج عبر محاولات فتح مسارات تصعيد انتقامية تستهدف إلغاء مكاسب الانتصار الكبير الذي حققته جبهة الإسناد اليمنية خلال معركة “طوفان الأقصى”. جاء قرار التصنيف الذي اتخذته إدارة ترامب كمظلة لهذه المسارات، حيث تسعى واشنطن لتحريك المرتزقة ودول العدوان لإشعال الجبهات مجدداً ومضاعفة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني.
ومع ذلك، تواجه هذه المحاولات تعقيدات كبيرة بسبب معادلات الردع التي فرضتها القيادة اليمنية، والتي أجبرت السعودية والإمارات على الابتعاد عن التصعيد العسكري المباشر. كما أن الهزيمة التاريخية التي ألحقتها القوات اليمنية بالبحرية الأمريكية في البحر الأحمر أكدت عجز العدو عن مواجهة القدرات العسكرية اليمنية المتقدمة. هذه المعادلات تجعل أي تحرك عدائي محكوماً بالحذر الشديد، حيث يدرك العدو أن أي تصعيد كبير سيؤدي إلى انفجار شامل ستكون نتائجه كارثية على مصالحه.
نهايات مسدودة ومخاطر الانفجار الكبير
في المجمل، تبدو مسارات الانتقام الأمريكي-الصهيوني أمام جبهات المقاومة في المنطقة وكأنها تسير نحو نهايات مسدودة. فالعدو يدرك أن أي تصعيد كبير يحمل في طياته مخاطر انفجار شامل قد يؤدي إلى انهيار كامل لمشروعه في المنطقة. معركة “طوفان الأقصى” أكدت أن المقاومة هي الطرف الوحيد القادر على حصد مكاسب أي تصعيد، مما يجعل العدو وأدواته في موقف الدفاع المستمر، غير قادرين على تحقيق أي اختراق استراتيجي حقيقي.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن قد نجحت في فرض معادلات جديدة تجعل العدو يدفع ثمناً باهظاً لأي محاولة للتصعيد.
وهذه المعادلات ليست مجرد ردود فعل، بل هي استراتيجيات مدروسة تستند إلى قوة الإرادة الشعبية وقدرات عسكرية وسياسية متزايدة، تجعل من الصعب على العدو وأدواته تحقيق أي من أهدافهم العدوانية.