المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    زياد النخالة: نقدر بطولات اخواننا في اليمن

    أعرب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، القائد...

    في يوم تشييعه.. ما هي العلاقة بين نصر الله واليمن

    يحتل حزب الله وأمينه العام الشهيد السيد حسن نصر...

    بصمت.. أمريكا تستولي على نفط حضرموت

    بالتوازي مع وصول قوات أميركية إلى محافظة المهرة شرقي...

    النظام العالمي… نحو التعدّدية رغم ضجيج ترامب

    لأسئلة حول السياسات الأميركية الحالية مشروعة لناحية الغايات المرجوّة أو النتائج التي قد تنجح في تحقيقها بعيداً عن الضوضاء أو الضجيج الذي يرافق دائماً إطلالات وتصريحات دونالد ترامب.

    منذ تولّيه منصبه الشهر الماضي، أطلق الرئيس الأميركي سلسلة من المواقف ذات السقوف العالية التي توحي ترجمتها بتربّع الولايات المتحدة على عرش النظام العالمي من دون منافسة.

    فالإطار الذي رسمه لإعادة تشكيل الخارطة العالمية لم يلتزم حدود البحث في كيفيّة صياغة سياساته بحيث يقنع الحلفاء والخصوم بجدوى التسليم بأحاديته وضمان موقعه الريادي على اعتبارهما مصلحة عالمية وإنما تخطّاها بما يمكن أن يُفهم على أنه امتلاك لفائض من القوة التي تسمح بفرض مطالبه بطريقة متفلته من الأطر الشكليّة للانتظام الدولي الذي تكرّس بفعل السلوك الذي حكم العلاقات البينية للقوى الدولية تاريخياً.

    فتأكيد التوجّه القاضي باستعادة قناة بنما أو تغيير اسم خليج المكسيك أو وضع اليد على غرينلاند وصولاً إلى رؤيته للسلام في أوكرانيا والشرق الأوسط أو لناحية تدجين الصين، لا يمكن تصنيفه في إطار السلوك أو الاستراتيجيات المتعارف عليها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي لناحية تقدير المستطاع تحصيله بناءً على الإمكانات المتوفّرة، حيث إن الولايات المتحدة في اللحظات التي كانت تمتلك فيها من شروط التفوّق ما لا يقاص بواقعها اليوم لم تنجح في تحقيق مبتغاها إلا من خلال مروحة من التحالفات، مع الإشارة إلى أنها كانت قد التزمت بشكل عامّ بسقوف أكثر واقعيّة من طموحها الحالي.

    في هذا الإطار، يُفترض الإشارة إلى أنه من الخطأ التقدير أنّ المسار الذي يعتمده دونالد ترامب يشكّل انعكاساً لشخصيته وطموحه الشخصي فقط.

    فالولايات المتحدة الأميركية لا تبني استراتيجياتها وفق الأهواء الآنية للرئيس أو فريقه، وإنما تتبلور وفق نشاط تفاعلي تتداخل فيه مؤثّرات مختلفة، تبدأ بمراكز الأبحاث الحكومية ولا تنتهي بأطياف الدولة العميقة وبعض المفكّرين المخضرمين، في حين أنّ اللمسة التي يضفيها الرئيس أو فريقه تكاد تكون رغم أهميتها محصورة في إطار التوجّه العامّ أو التقليدي للحزب.

    وبالتالي، يمكن الاستنتاج أنّ السقوف العالية التي يتبنّاها الرئيس الحالي دونالد ترامب تعبّر أكثر عمّا تعتبره آليات القرار في الولايات المتحدة خطةً تنفيذية يُمكن تحقيقها.

    وعليه، تصبح الأسئلة حول السياسات الأميركية الحالية مشروعة لناحية الغايات المرجوّة أو النتائج التي قد تنجح في تحقيقها بعيداً عن الضوضاء أو الضجيج الذي يرافق دائماً إطلالات وتصريحات دونالد ترامب.

    في توصيف أوّلي، يمكن القول إنّ المسار الحالي يعبّر عن تخلٍ صريح عن التوجّهات التي حكمت سلوك الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة، إذ إنّ الثابت خلال تلك المرحلة السابقة أنّ الأحادية الأميركية لم تتصادم مع حلفائها بشكل يمكن أن يعبّر عن اختلاف استراتيجي، وإنما كانت تعمل دائماً على أن تبقي هذه الاختلافات، إن وُجدت، في خانة التكتيكي، مع حرصها الدائم على أن لا تطفو إلى العلن بشكل يعكّر صفو تحالفات كانت تدّعي الولايات المتحدة أنّ أطيافها على مستوى من الأهمية التي تفترض الحرص على عدم إحراجهم أو دفعهم إلى الخروج من تحت عباءتها مرغمين.

    فالتعريف الأميركي للأحادية منذ عهد جورج بوش الأب لم يهمل دور الحلفاء أو موقعهم وإنما كان يستهدف دائماً ضمان الريادة والتفوّق.

    في السنوات الأخيرة، أظهرت الوقائع الدولية تغيّرات على مستوى سلوك القوى المنافسة للولايات المتحدة، حيث خرجت في تحديدها لسيادتها أو مصالحها من دائرة حدودها الجغرافية لتتحرّك في محيطها الإقليمي أو على مستوى الدولي بشكل يتعدّى ما يمكن اعتباره دفاعاً استباقيّاً في بعض الحالات.

    فالالتفاف الدولي ضمن إطار بعض التجمّعات الدولية كالبريكس أو شنغهاي أو غيرها، بالإضافة إلى النشاط العسكري والأمني أو التمدّد الاقتصادي الذي لم يخجل البعض من تعريفه على أنه يستهدف الحفاظ على أمنه القومي، كالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أو تطوير استراتيجيات الاتحاد الأوروبي الأمنية والدفاعية أو المشاريع الصينية والروسية للتمدّد الاقتصادي في أكثر من منطقة من دون أن ننسى مشاريع بعض القوى الإقليمية كتركيا والجمهورية الإسلامية، لا يمكن أن تُقرأ إلا في إطار قناعة دولية متشكّلة بضرورة التحوّل من الأحادية إلى تعدّد الأقطاب.

    وبالتالي، يمكن التقدير أنّ السلوك الأميركي الحالي قد يُصنّف في إطار ردّ الفعل الهادف إلى تنظيم حراك مضاد يستهدف ثني القوى الدولية عن سلوكها تحت طائلة تحمّل عواقب توحي من حيث الشكل بعدم قدرة الآخرين على تحمّل نتائجها.

    فمن خلال قراءة التاريخ الأميركي، يمكن ملاحظة تبنّي الإدارات الأميركية في أكثر الأحيان لسياسة حافة الهاوية، حيث تعتبر هذه الإدارات أنّ نهج التصعيد وسياسة الضغوط القصوى يمكن أن تدفع الدول الأخرى للتنازل. وإذا حللنا واقع الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فيمكن الاستنتاج أنّ هذه السياسة كانت المرتكز الأساسي للإدارات الأميركية المتعاقبة. وعليه، يفترض تحليل الواقع الحالي من خلال تقدير جدّية القوى الدولية في تحقيق هدفها المعلن بالتحوّل نحو التعددية.

    فالفوضى التي سبّبتها الولايات المتحدة في مطلع الألفية من خلال احتلالها لبعض الدول وإسقاط أنظمتها، بالإضافة إلى مجاهرتها بالسعي لإسقاط بعض القوى الدولية وتعاطيها مع الحلفاء من منطلق أنّ المصلحة الأميركية هي المحرّك الوحيد للنظام الدولي، دفع نحو اتفاق الأضداد والحلفاء على ضرورة تقويض مرتكزات القيادة الأميركية للنظام الدولي، حيث إنّ كلاهما لن يقبل بالسعي لإعادة تشكيل مجتمعاتهم وفق المحدّدات الأميركية.

    ومن خلال نظرة عامّة على سلوك هذه الدول، يمكن بسهولة ملاحظة جدّية تحرّكها الرافض للتوجّه الأميركي. وإذا عطفنا ذلك الرفض على ما أعلنه دونالد ترامب خلال الفترة القريبة الماضية، سيظهر جلياً عمق الهوة بين ما تسعى إليه الولايات المتحدة وبين ما يمكن للقوى الدولية أن تقبل به. ومهما حاولنا أن نقدّر إيجابياً مدى قوة الأدوات التي تحاول الولايات المتحدة من خلالها فرض توجّهاتها، فإنها ستظهر محدودة في مواجهة ما تملكه القوى العالمية مجتمعة.

    وإذا كان البعض سيعتبر أنه من غير الواقعي التقدير أنّ القوى الدولية المتنافسة فيما بينها ستتكاتف في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، نتيجة خارطة التحالفات التاريخية لبعضها مع الولايات المتحدة أو التنافس في بينها في بعض الساحات، فإنّ توجّه الإدارة الأميركية الحالية لعدم التمييز في سياساتها التوسّعية بين حليف ومنافس ستبّرر هذا التكاتف الضمني في أقلّ تقدير، أقلّه حتى تتمكّن من تحصين ما تعتبره حقوقاً سيادية لا تسمح بالمساس بها.

    وعليه، يمكن التقدير أنّ السلوك الأميركي الحالي الذي يسوّق له دونالد ترامب سيؤدّي إلى تأثيرات عكسية على الولايات المتحدة بحيث تدفعها النتائج المتطرّفة التي تسعى إليها، إلى مواجهة رفض دولي صلب سيؤدّي حكماً إلى تشذيب الدور الأميركي العالمي ومحاولة ملء الفراغ الذي سيحدثه هذا التشذيب من خلال تكثيف هذه القوى لوجودها على المسرح الدولي أيّ بما يعني تكريس تعددية قطبية على حساب أحادية أميركية متفلتة من أيّ ضوابط.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    وسام إسماعيل

    spot_imgspot_img