الرئيسية زوايا وآراء التحولات السياسية في الشرق الأوسط: تحديات قادة العرب أمام سياسات ترامب ونتنياهو

التحولات السياسية في الشرق الأوسط: تحديات قادة العرب أمام سياسات ترامب ونتنياهو

CREATOR: gd-jpeg v1.0 (using IJG JPEG v62), quality = 80

شفقنا-في السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة تحوّلًا تدريجيًا نحو نظام مالي وإقطاعية تكنولوجية، وهو اتجاه تسارع بشكل ملحوظ خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب.

وقد وصلت هذه التحولات إلى مستوى هيكلي وعميق لدرجة أن بعض المراقبين السياسيين شبهوا الوضع بنظام ملكي دستوري، حيث تراجعت بشكل متزايد مبادئ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

بدعم من نخبة مالية وتكنولوجية، من بينهم إيلون ماسك، سعى دونالد ترامب إلى توسيع نفوذه على موظفي الحكومة الفيدرالية وفرض سيطرة أكبر على مجلسي الكونغرس.

وفي هذا السياق، يُتوقع أن تظهر المحكمة العليا مزيدًا من المرونة تجاه التعديلات التي يقترحها ترامب في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ومع ذلك، لم يواجه سوى عدد محدود من القضاة الفيدراليين أوامر ترامب التنفيذية، حيث قاموا بمقاومتها والطعن فيها.

يستحضر هذا المشهد إلى حد كبير بعض الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، حيث لا تزال التهدئات الهشة والتوترات المستمرة قائمة في كل من لبنان وغزة، في وقت تُتهم فيه إسرائيل مرارًا بخرق اتفاقيات وقف إطلاق النار. ورغم التزام ترامب الصمت إزاء هذه الاتهامات، فإن ردّ فعل حركة حماس وتأخرها في إطلاق سراح الرهائن دفعه إلى التصريح بلهجة حادة حول وقف إطلاق النار.

وفي هذا الإطار، فإن ما جرى قبل أيام في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض بين دونالد ترامب والملك عبد الله الثاني شكّل، بالنسبة للكثير من العرب، ولا سيما أولئك الذين لا يزالون متمسكين بكبريائهم الوطني، مصدرًا للخجل. فعندما عرض ترامب خطته بشأن غزة بشكل واضح، فضّل الملك عبد الله التزام الصمت. وتلك الخطة، التي يبدو أنها تحتاج إلى إعادة صياغة لمبادئ الدبلوماسية، تقترب في جوهرها من “سياسة خارجية قائمة على الصفقات العقارية”.

التهجير القسري للفلسطينيين

لطالما شدّد ترامب على ضرورة التهجير القسري للفلسطينيين المقيمين في غزة ونقلهم إلى دول مجاورة غير إسرائيل، وهو اقتراح لا يهدد التوازن الهش في المنطقة فحسب، بل يضع كلًا من مصر والأردن—اللذين يواجهان تحديات استقرار خطيرة—في مواجهة أزمات جديدة. ولا يُعرف بعد ما إذا كان الملك عبد الله قد قدّم أي ردّ على تصريحات ترامب بعد انتهاء الاجتماع، لكن من السهل افتراض أن تأجيل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن كان تجنبًا للوقوع في موقف مماثل من الإحراج.

في الواقع، التعامل مع تصريحات ترامب يستدعي قاعدة ثابتة: لا ينبغي أخذها على محمل الجد. 

فتصريحاته تتغير بسرعة، وفي هذا العصر الذي يتسم بتلاشي الحقيقة المطلقة، تبقى الحقائق الثابتة نادرة. ومن المحتمل أن تكون هذه التصريحات جزءًا من أسلوبه التفاوضي، دون أن تعكس بالضرورة قناعاته الفعلية.

وفي الوقت الحالي، لا يزال من غير الواضح كيف سيوائم ترامب بين مطالبته بملكية قطاع غزة وتعهداته بعدم إرسال قوات أمريكية إلى الشرق الأوسط. كما أنه ليس معلومًا ما إذا كانت هذه التصريحات تعكس آراءه الشخصية أم أنها نتيجة استشارات فريقه للسياسة الخارجية، الذي يتكوّن في الغالب من شخصيات مقربة من بنيامين نتنياهو.

تحديات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية في ظل الالتزامات تجاه الفلسطينيين

حظيت التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باهتمام خاص، إذ اقترح إقامة دولة فلسطينية في المملكة العربية السعودية، مستندًا إلى وفرة الأراضي غير المستغلة هناك. غير أن هذا الطرح قوبل بردّ فعل سعودي حاد، حيث أكّد الديوان الملكي السعودي التزامه بمساعيه لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مشددًا على أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يتم قبل تحقيق هذا الهدف.

وقد يؤثر هذا الموقف بشكل كبير على الجهود الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية التي استمرت لسنوات بهدف إدماج السعودية في اتفاقيات أبراهام. ومع ذلك، فإن التداعيات الفعلية لهذه التطورات لن تتضح إلا مع مرور الوقت.

وفي ظل هذه المتغيرات، إذا كانت الدول العربية ترغب في لعب دور فاعل في سياسات الولايات المتحدة الهادفة إلى تحقيق سلام مستدام في الشرق الأوسط، فإن عليها إظهار تماسك ووحدة في مواقفها. ويُتوقع أن يكون مؤتمر القمة العربية، المزمع عقده في 27 فبراير، أحد الفرص الأخيرة لإثبات هذا التناغم السياسي.

ومع ذلك، تُظهر التجربة التاريخية أن العديد من هذه القمم غالبًا ما تقتصر على إصدار بيانات دبلوماسية وخطب حماسية دون أن تؤدي إلى نتائج ملموسة ودائمة. ويُعدّ “مبادرة السلام العربية” لعام 2002 مثالًا بارزًا على هذا الإخفاق، حيث لم تُدرج الولايات المتحدة وإسرائيل هذه المبادرة بشكل جاد ضمن أجنداتهما السياسية.

الأردن ومصر: ضحايا السياسات الأمريكية غير المتوقعة

في حين نجحت قطر والإمارات في إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع واشنطن، مكّنتها من طرح حتى القضايا الحساسة والمثيرة للجدل بشكل مباشر مع المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، تواجه المملكة العربية السعودية تحديات أكثر تعقيدًا. فمن جهة، يتعيّن عليها مواصلة تنفيذ إصلاحاتها الداخلية، ومن جهة أخرى، الحفاظ على مكانتها الدينية باعتبارها “خادم الحرمين الشريفين”.

ويتفاقم هذا التحدي في ظل انضمام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى اتفاقيات أبراهام في وقتٍ تؤثر فيه سياسات واشنطن وتل أبيب بشكل ملحوظ على استقرار المنطقة ومساعي تحقيق السلام.

خلال إدارة ترامب، فُرضت ضغوط اقتصادية ودبلوماسية شديدة على السعودية، حيث صرّح ترامب بوضوح أن استمرار دعم الولايات المتحدة للمملكة لن يكون إلا مقابل صفقات تسليحية ضخمة. وقد بدأت هذه الضغوط بمبالغ تقارب 500 مليار دولار، لتتصاعد تدريجيًا إلى 600 مليار، وصولًا إلى تريليون دولار، مما ألقى بظلاله على طبيعة العلاقات السعودية-الأمريكية.

في المقابل، وجدت دول أكثر هشاشة مثل الأردن ومصر، التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الغربية، نفسها عُرضة للتأثيرات المتزايدة للسياسات غير المتوقعة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ولم يقتصر تأثير هذه السياسات على إضعاف قدرتها التفاوضية، بل امتد ليهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

تغيرات في نهج واشنطن وتل أبيب تجاه الشرق الأوسط

اتسمت التصرفات الأخيرة لكل من واشنطن وتل أبيب بإعادة تشكيل قواعد الدبلوماسية التقليدية في الشرق الأوسط، إذ يرى محللون أن هذه السياسات أضعفت المنهجية العقلانية وبُعد النظر في التعاطي الدبلوماسي مع قضايا المنطقة. ويبدو أن كُلًا من ترامب ونتنياهو لم يستفيدا من تجارب الماضي الفاشلة، بل ربما يسعيان عمدًا إلى تصعيد التوترات في غزة.

علاوة على ذلك، هناك مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال الاعتراف بضم إسرائيل لمزيد من الأراضي في الضفة الغربية، وربما مناطق من سوريا أيضًا.

الموقف السعودي وردود الفعل العربية

في هذا السياق، أصدرت المملكة العربية السعودية بيانًا شديد اللهجة يدين هذه التحركات، حيث أكد الديوان الملكي على استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وجهودها الرامية إلى التطهير العرقي بحق الفلسطينيين. وشدّد البيان على أن إسرائيل تفتقر إلى أي فهم حقيقي للروابط التاريخية والعاطفية والقانونية التي تجمع الشعب الفلسطيني بأرضه.

وفي ظل هذه التطورات، يبرز تساؤل جوهري: هل ستظل الدول العربية ملتزمة بتعهداتها في إطار اتفاقيات أبراهام؟ وهل ستواصل كل من مصر والأردن الالتزام بمعاهدات السلام مع إسرائيل، رغم سلوكها الذي يتعارض مع مبادئ السلام؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع فرارو الإيراني

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version