المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    صفقة ترامب الجديدة: هل يتجاوز الرفض العربي مرحلة “التحصين السياسي”؟

    يمكن النظر إلى اللقاء الذي جمع الملك الأردني عبد...

    ما وراء مطالبة وزراء في الليكود بضم الضفة الغربية

    توجه اثنا عشر وزيرا من حزب الليكود (9 شباط/فبراير)...

    مصر وتجديد ثوابتها تجاه فلسطين.. رفض التهجير ومواجهة الضغوط الدولية

    في ظل التوترات المتصاعدة حول القضية الفلسطينية، أعادت مصر...

    صفقة التبادل على المحك: بين تعنت نتنياهو وضغوط ترامب.. هل تقترب من نهايتها؟

    في عالم الدبلوماسية، التوقيت ليس كل شيء فحسب، بل هو كل شيء. عندما أعلنت حماس عن تأجيل الإفراج عن الأسرى “الإسرائيليين” حتى إشعار آخر، لم يكن ذلك مجرد خطوة تفاوضية عادية، بل كان ضربة محسوبة تهدف إلى إعادة صياغة ميزان القوى في اتفاق وقف إطلاق النار. وبينما تتقاذف الأطراف الاتهامات، تزداد المؤشرات على أن هذه الصفقة قد تتحول إلى منعطف حاسم ليس فقط لمستقبل قطاع غزة، بل للشرق الأوسط بأكمله.

    حماس تلعب الورقة الأخيرة أم تفرض قواعد جديدة؟

    منذ بداية الصفقة، كانت هناك إشارات واضحة إلى أن الطرفين يتعاملان معها بطرق متباينة. “إسرائيل” أرادت منها أن تكون مجرد استراحة استراتيجية، وحماس أرادتها لحظة لإعادة ترتيب الأوراق. تصريحات الناطق باسم القسام، أبو عبيدة، لم تكن مجرد تحذير، بل كانت رسالة واضحة: “إذا لم تلتزم إسرائيل، فلن يكون هناك إفراج”.

    لكن السؤال هنا: هل لدى حماس القدرة الفعلية على فرض شروطها؟ في الواقع، يبدو أن الحركة تدرك جيدًا أن التعنت “الإسرائيلي” في تنفيذ بعض بنود الاتفاق – مثل تأخير عودة النازحين ومنع دخول الإغاثة – لم يكن عارضًا، بل جزءًا من استراتيجية الضغط على المقاومة لإضعاف موقفها التفاوضي في المرحلة الثانية. حماس قرأت ذلك بوضوح، وردت بخطوة استباقية تهدف إلى إجبار إسرائيل على إعادة حساباتها.

    لماذا أوقفت حماس تنفيذ الاتفاق؟

    هناك أربعة أسباب رئيسية دفعت حماس إلى تعليق تنفيذ الصفقة في هذه المرحلة:

    1 غياب الضمانات الأميركية

    الوسطاء المصريون أكدوا أن الخطة الأميركية لضمان وقف إطلاق النار لم تعد قائمة، خاصة بعد تصاعد الحديث عن “خطة ترامب” لتهجير سكان غزة. من وجهة نظر حماس، هذا يعني أن “إسرائيل” لم تكن تتفاوض بنيّة صادقة، بل كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة خلط الأوراق.

    2 المراوغة الإسرائيلية في تنفيذ بنود الاتفاق

    حماس رأت أن “إسرائيل” لا تطبق الاتفاق إلا بالحدود التي تناسبها، بينما تفرض مزيدًا من الضغوط على الفلسطينيين، سواء من خلال منع دخول المساعدات، أو استهداف المدنيين العائدين إلى الشمال، أو عدم تقديم أي ضمانات فعلية لاستمرار الهدنة.

    3 المطالب الإسرائيلية التعجيزية للمرحلة الثانية

    نتنياهو يستعد لتقديم شروط جديدة تتجاوز مجرد الإفراج عن الأسرى. بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، تشمل “نفي قيادة حماس من غزة، وتفكيك جناحها العسكري بالكامل”- شروط يعلم الجميع أنها غير قابلة للتنفيذ. هذا يُظهر أن إسرائيل لا تريد الدخول في مرحلة ثانية حقيقية، بل تحاول تفجير الاتفاق من الداخل.

    4 حماس تختبر مدى قدرتها على ردع إسرائيل

    إعلان التأجيل ليس مجرد رد فعل، بل هو جزء من اختبار قوة. تريد حماس أن ترى كيف سترد “إسرائيل”: هل ستلجأ إلى مزيد من الضغوط؟ أم أنها ستبحث عن مخرج دبلوماسي؟ إذا اضطرت “إسرائيل” إلى تقديم تنازلات جديدة، فهذا يعني أن حماس نجحت في فرض قواعد جديدة في التفاوض.

    نتنياهو بين مطرقة ترامب وسندان حكومته المتطرفة

    المعادلة تصبح أكثر تعقيدًا عندما ندخل العامل الأمريكي في الصورة. تصريحات ترامب كانت بمثابة صب الزيت على النار، حيث أعطى نتنياهو ضوءًا أخضر غير مباشر للتصعيد. عندما قال: “إذا لم يتم الإفراج عن جميع الرهائن بحلول ظهر السبت، فإن وقف إطلاق النار يجب أن ينتهي”، كان يتحدث بلغة تهديد هل كانت فقط موجهة لحماس، أم أيضًا لنتنياهو؟

    نتنياهو عالق في معادلة صعبة. من جهة، هناك ضغوط عائلات الأسرى التي تغلق شوارع تل أبيب مطالبة باستكمال الصفقة، ومن جهة أخرى، هناك وزراء متطرفون مثل بن غفير وسموتريتش، الذين يرون أن أي تنازل لحماس هو هزيمة استراتيجية. عندما يقول بن غفير: “علينا العودة للتدمير”، فإنه لا يتحدث عن رأي شخصي، بل عن تيار داخل الحكومة يرى أن الحل الوحيد هو الحسم العسكري.

    لكن الحقيقة أن نتنياهو ليس في موقع يسمح له بمواصلة سياسة الهروب للأمام. كل التقارير تشير إلى أن الوساطة القطرية والمصرية بدأت تضيق ذرعًا بتكتيكاته، وهناك غضب متزايد من التأجيل “الإسرائيلي” لمفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة. حتى داخل المؤسسة الأمنية، هناك أصوات تحذر من أن انهيار الاتفاق الآن قد يؤدي إلى جولة جديدة من التصعيد الذي قد يكون مكلفًا جدًا.

    نتنياهو يعرف أن انهيار الاتفاق الآن قد يعني فوضى سياسية داخلية، خاصة مع تزايد الانقسامات داخل حكومته. لذلك، من المتوقع أن يبحث عن حلول وسط، دون أن يبدو وكأنه تراجع بالكامل.

    دور الوسطاء: قطر ومصر أمام اختبار الصبر والضغط

    المعضلة الآن لم تعد محصورة بين حماس و”اسرائيل”، بل باتت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الوسطاء، خاصة قطر ومصر، على ضبط إيقاع التفاوض. التقارير “الإسرائيلية” تتحدث عن إحباط في الدوحة والقاهرة بسبب مماطلة “إسرائيل” في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو ما ترى فيه حماس ذريعة كافية للتصعيد.

    لكن هنا تكمن الإشكالية الكبرى: إذا انهارت الصفقة الآن، فإن العودة إلى نقطة الصفر ستكون مكلفة لجميع الأطراف. مصر وقطر، اللتان استثمرتا جهدًا دبلوماسيًا كبيرًا في تحقيق هذه التهدئة، لن ترغبا في رؤية انهيارها بهذه السهولة. ومن هنا، فإن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الأزمة مجرد تكتيك تفاوضي، أم بداية لانفجار جديد في غزة.

    هل نشهد “معركة السبت”؟

    إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن يوم السبت قد يصبح نقطة التحول الكبرى. فإما أن تجد الأطراف طريقًا للخروج من المأزق عبر ضغط الوسطاء، أو أن تتجه المنطقة نحو تصعيد جديد قد يكون أعنف من أي وقت مضى. التحركات العسكرية “الإسرائيلية” تشير إلى أن هناك استعدادًا لجميع السيناريوهات، لكن من الواضح أن أحدًا لا يريد أن يكون الطرف الذي يتحمل مسؤولية انهيار الصفقة رسميًا.

    لكن الدرس المستفاد من كل جولات التصعيد السابقة هو أن الحسابات السياسية الضيقة لا تصنع استراتيجية طويلة الأمد. إذا كان نتنياهو يعتقد أن بإمكانه إدارة هذه الأزمة على طريقته المعتادة – أي تأجيل القرارات الحاسمة حتى يجد نفسه مجبرًا على اتخاذها – فإنه قد يكتشف قريبًا أن اللعبة هذه المرة أكبر منه. وكذلك الأمر بالنسبة لحماس، التي قد تجد نفسها أمام معادلة صعبة: هل تستطيع الاستمرار في التصعيد دون أن تخسر التعاطف الدولي الذي حصدته بعد وقف إطلاق النار؟

    هل تكون هذه نهاية الصفقة أم بداية فصل جديد؟

    المشهد الحالي يوحي بأن الصفقة لم تنهَر بعد، لكنها بالتأكيد في العناية المركزة. لا يمكن لأي طرف أن يتراجع بسهولة دون أن يدفع ثمنًا سياسيًا باهظًا. ولأن الجميع يدركون أن أي تصعيد جديد قد يحمل عواقب غير متوقعة، فإن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق سيستمر أم أنه سيلتحق بمصير العديد من الاتفاقات السابقة التي انتهت قبل أن تبدأ.

    وفي النهاية، إذا كان هناك شيء واحد مؤكد في هذا المشهد المعقد، فهو أن غزة تظل دائمًا الرقم الأصعب في أي معادلة شرق أوسطية.

    ــــــــــــــــــــــــــــ
    د.محمد الأيوبي

    spot_imgspot_img