توجه اثنا عشر وزيرا من حزب الليكود (9 شباط/فبراير) برسالة الى رئيس الحكومة نتنياهو يطالبون فيها باعلان “بسط السيادة الاسرائيلية” على الضفة الغربية. أعرب معظم وزراء الليكود الحاكم عن نيتهم إضافة اسمائهم الى الرسالة منوهين بأنه لم يتم التوجه اليهم في هذا الصدد قبل نشر الرسالة.
اعتبر الوزراء بأن تصريحات ترامب عن “مساحة اسرائيل الضيقة” ولصالح الضم، بأنها فرصة تاريخية قد لا تتكرر وأن المبادرة الفورية الى اعلان الضم من شأنها ان تنجح وتكون مقبولة امريكيا.
بدوره شدد نتنياهو امام الاعلام الامريكي على “التقديرات بأن إيران على بعد اسبوع لإحداث اختراقة نحو استكمال مشروعها النووي” واشار الى وحدة الموقف الامريكي الاسرائيلي بمنعها من امتلاك سلاح نووي؛ وقد اتى تصريحه غداة قرار ترامب بشحن القنابل بزنة 11 طن الى اسرائيل. وهي القنابل المؤهلة كما يبدو لاستهداف المنشئات النووية الايرانية. بينما اولوية ترامب هي المفاوضات مع إيران ونحو اتفاق نووي جديد تحت ضغط العودة الى العقوبات القصوى.
قراءة:
بناء على السلوك السياسي لنواب ووزراء حزب الليكود، يبدو أن الرسالة هي بإيعاز من نتنياهو نفسه ولعدة اغراض؛ فمن ناحية يتزامن تاريخ نشر الرسالة مع الانسحاب الاسرائيلي من محور نيتسريم، وهو ما قد يشكل اساسا لتعمق أزمة الثقة بين الليكود برئاسة نتنياهو وحزب الصهيوينة الدينية برئاسة سموتريتش. وهوو الذي لم يكف عن الدعوة الى العودة الى الحرب المكثفة على غزة وتحقيق النصر الساحق على حماس وابادتها وتهجير الفلسطينيين من القطاع استنادا الى تصريحات ترامب.
ويتضح ان الصهيونية الدينية وحصريا الوزيرين سموتريتش واوريت ستروك لا يثقون بالموقف الامريكي الصادر عن ادارة ترامب ولا بفكرة ترامب بأن “الولايات المتحدة سوف تستلم غزة من اسرائيل”. ثم ان الانسحاب من نيتسريم فيه دلالة على عدم العودة للحرب رغما عن تقديرات الجيش بأنه قادر على احتلال المحور “بسهولة”. فيما يرى حزب الصهيونية الدينية ان الانسحاب من محور نيتسريم يدعو الى تشكيك هذا الحزب في النوايا الحقيقية لنتنياهو.
كما يبدو يسعى نتنياهو من وراء رسالة وزرائه الذين يطيعونه الى صيانة تماسك ائتلافه الحاكم، واغراء حزب الصهيونية الدينية بالبقاء في الحكومة. فيما يسعى نتنياهو من وراء الرسالة الى جس نبض ادارة ترامب، التي يعني لها اعلان الضم إهدار فرصة التطبيع بين السعودية واسرائيل وفقا لمساعي الولايات المتحدة حتى وان كانت تؤيده عقائدياً.
للتنويه؛ في 28 كانون اول/ديسمبر 2022 وقع كل من الليكود وحزب الصهيونية الدينية الاتفاق الائتلافي، وقد تضمن بندا خاصا بصدد ضم الضفة الغربية، وقد اتفق الطرفان على الضم، على ان يبقى ضمن صلاحيات رئيس الحكومة نتنياهو اختيار الموعد والظرف المؤاتيين وفقا لاعتباراته. وفعليا بات هذا الاتفاق جزءا لا يتجزأ من الخطوط العريضة او المبادئ الاساسية للحكومة وهي بمنزلة قانون بعد اقرارها في الكنيست قبل تشكيل الحكومة الحالية.
هناك فارق نوعي بين ان تصدر الدعوات للضم من حزبي الصهيونية الدينية او من حزب الليكود الرئيسي الحاكم منذ نحو 50 عاما باستثناء سنوات معدودة. شكلت تصريحات ترامب بصدد التهجير نقطة فارقة في الذهنية الاسرائيلية وإن بدأت مؤشرات في المراحل الاولية من الصفقة لاتساع خطاب التعقل ونحو انهاء الحرب، عاد الخطاب التصعيدي بالحد الاقصى ليسيطر على السياسة الاسرائيلية وحصريا على حزب الليكود الذي وجد في تصريحات ترامب بشأن التهجير والضم أقرب الى روح الصهيونية الدينية كما ان التسويغات الانجليكانية الامريكية تتبنى الخطاب التوراتي الاسرائيلي بصدد “ارض اسرائيل الكبرى”. ولهذا تشكل رسالة وزراء الليكود مؤشرا الى ملاءمة الليكود لسياساته وروح توجهاته لادارة ترامب وسعيا لقبولها باعتبارها فرصة تاريخية. كما تشكل مسعى لوضع ترامب امام الامر الواقع في حال تمكنت حكومة نتنياهو من ذلك.
لم ينجح نتنياهو في اعطاء الاولوية للحرب مع إيران وحصريا بسبب الموقف الامريكي غير المعني بالحرب راهنا ويفضل مساعيه للحل الدبلوماسي، كما ان الراي العام الاسرائيلي منشغل بالصفقة والتبادل اكثر منه بايران وخاصة بعد تفكك وحدة الساحات وتعدد الجبهات، والتي يتصارع نتنياهو وغالنت ورؤساء الجيش حول هالة الانجازات العملياتية. في المقابل يتعزز الانشغال الاسرائيلي الرسمي والشعبي بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني مع قناعة بعدم وجود حل سياسي، مما يجعل السياسات الغيبية والشعبوية تتعمق في مرحلة لا يوجد اي مشروع سياسي صهيوني مطروح سوى مشروع اقصى اليمين التصفوي لقضية فلسطين وعلى رأسه نتنياهو بذاته.
توفر رسالة وزراء الليكود ايضا مؤشرا لمستقبل هذا الحزب الاهم في الساحة الاسرائيلية في حقبة ما بعد نتنياهو، سواء انتهى دوره في انتخابات مبكرة او في حال اقامة لجنة تحقيق رسمية، او بسبب وضعه الصحي ووضعه القانوني امام ملفاته الجنائية. بخلاف المؤسسين مناحم بيغن واسحق شمير اللذين تمسك كل منهما بطبيعة الليكود وبنيته “القومية الليبرالية” وتوسيع الليكود بإعلاء شأن كل الاجتهادات والرموز الواعدة، فقد سعى نتنياهو وبشكل منهجي الى التخلص من معظم القادة الذين مثلوا النهج اللبرالي ومن أبرز هذه الوجوه الوزراء السابقين دان مريدور وروني ميلو وبيني بيغن ورئيس الدولة الأسبق رؤوبين ريفلين. في المقابل جرى اعلاء شأن وزراء وقيادات بناء على الولاء الشخصي لزعيم الحزب ومعظمهم من رافضي التوجهات الليبرالية والاقرب الى النهج العنصري الشعبوي والفكر الصهيوني الديني.
الخلاصة:
تعكس مطالبة وزراء الليكود بضم الضفة الغربية توجهات نتنياهو وترى بتصريحات ترامب فرصة لفرض التوسع والضم والتهجير، منعا لاستحقاقات قيام دولة فلسطينية.
هناك جانب وظيفي لمبادرة وزراء الليكود لضمان صيانة الائتلاف الحاكم وحصريا مع حزب الصهيونية الدينية، مقابل عدم قدرة نتنياهو لحد الان للتخلص من استحقاقات الصفقة في غزة.
تعكس الرسالة قلقا اسرائيليا مبطنًا من التصدي العربي والدولي لتصريحات التهجير من لدن ترامب، ومن المساعي العربية والدولية لصيانة حقوق الشعب الفلسطيني واقامة دولته.
تؤكد مبادرة الوزراء على التوجه الغيبي والدموي الفاشي في السياسة الاسرائيلية ، ومخاطر حقيقية من هذا التوجه تجاه كل الفلسطينيين في قطاع غزة والقدس وفلسطينيي48 مواطني اسرائيل، بينما “درّة التاج” في هذا التوجه التصفوي هو تجاه الضفة الغربية، ليشكل السعي الى الضم استراتيجية عليا تروق لنتنياهو ولسموتريتش وبن غفير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أمير مخول