وضعت إيران في السنوات الأخيرة على جدول أعمالها بشكل جدي مسألة العضوية في المنظمات والتحالفات الاقتصادية الإقليمية والدولية، ومن بين هذه الكتل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي بذل جهوداً كبيرة لتحسين وضعه في السنوات الأخيرة، ومن أجل مزيد من التنسيق، اجتمع رؤساء وزراء المجلس الحكومي الدولي للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في ألماتي بكازاخستان، يوم الخميس، لمناقشة زيادة التعاون في مختلف المجالات، وناقش الاجتماع القضايا الاقتصادية، مع إيلاء اهتمام خاص للتقنيات المتقدمة، ومناقشة الذكاء الاصطناعي، وضرورة التفاعل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ولقد أكد محمد رضا عارف النائب الأول للرئيس الإيراني الذي مثل إيران في الاجتماع، على توسيع التعاون في مجالات الطاقة والتقنيات الجديدة ونقل البضائع مع دول المنطقة، وأعلن عارف الذي تحدث في الاجتماع لأول مرة بصفته دولة مراقب: “إيران مستعدة لدعم التفاعلات التجارية في إطار منطقة التجارة الحرة بينهما، بالإضافة إلى إنشاء ممر الاتحاد الاقتصادي الإيراني – الأوراسي وتوفير التسهيلات اللازمة لتسهيل التجارة بين الدول الست الأعضاء في منطقة أوراسيا، وتعزيز قدرات الترانزيت في الموانئ الجنوبية في الخليج الفارسي وبحر عمان لربط الدول الأعضاء غير الساحلية في الاتحاد بالأسواق العالمية”.
الإمكانات الاقتصادية للاتحاد الأوراسي
الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي تأسس في عام 2015، هو كتلة اقتصادية تتكون من روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وقيرغيزستان، مع انضمام إيران مؤخرًا كعضو مراقب، يتمتع هذا الاتحاد بقدرات عديدة في مختلف المجالات الاقتصادية، ويمكن للأعضاء استغلال هذه القدرات لتلبية بعض احتياجاتهم، ويبلغ عدد سكان الدول الأعضاء في هذا الاتحاد أكثر من 200 مليون نسمة، ومساحتها أكثر من 20 مليون كيلومتر مربع، ويقدر ناتجها المحلي الإجمالي بنحو ثلاثة تريليونات دولار سنويا، وتشير الإحصائيات إلى أن حجم تجارة الاتحاد الأوراسي مع دول العالم يبلغ نحو 850 مليار دولار، منها 331 مليار دولار تتعلق بالواردات.
علاوة على ذلك، تمتلك الدول الأعضاء في الاتحاد موارد طاقة هائلة مثل النفط والغاز والفحم والمعادن الثمينة، وتعتبر روسيا وكازاخستان من الموردين الرئيسيين للنفط والغاز في المنطقة، ويمكن لهذه الموارد الطاقية، التي تتزايد قيمتها وأهميتها في الاقتصادات العالمية يوما بعد يوم، أن تلعب دورا مهما في تعزيز مكانة هذا الاتحاد.
كما أن الموقع الجغرافي للاتحاد الأوروبي يجعله طريقا رئيسيا لنقل البضائع بين أوروبا وآسيا، وهو أمر مهم بشكل خاص في سياق مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويتمتع الاتحاد بقدرة عالية في القطاع الزراعي، وخاصة في إنتاج الحبوب والألبان واللحوم، كما تشكل الصناعات التحويلية، بما في ذلك الصناعات الثقيلة والخفيفة في الدول الأعضاء، جزءاً مهماً من اقتصاداتها.
ورغم أن الاتحاد الأوراسي يعتمد بشكل أكبر على الموارد الطبيعية، فإن الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار مدرج أيضاً على جدول أعماله، وتجعل هذه القدرات من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي وتوفر العديد من الفرص للتعاون الدولي.
فرص عضوية الاتحاد للاقتصاد الإيراني
وبما أن إيران من المقرر أن تصبح أيضًا عضوًا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في المستقبل، فإن هذا التعاون سيكون له أيضًا العديد من الفوائد بالنسبة لإيران، وبموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، حصلت إيران على امتيازات جمركية خاصة، كما ستتاح لدول هذا الاتحاد الفرصة لزيادة حجم صادراتها إلى إيران بنسبة 75 بالمئة، وتستطيع إيران أيضًا زيادة صادراتها إلى الدول الأعضاء الخمسة عدة مرات.
وتشمل هذه الامتيازات 502 سلعة مختلفة في مجالات الأغذية والمواد الاستهلاكية الكيميائية ومنتجات البناء وتصدير الخدمات الفنية والهندسية والمنتجات الصناعية والمنتجات الزراعية من الاتحاد الأوراسي و360 سلعة في نفس المجالات من إيران، وبذلك، تستطيع الشركات الإيرانية الحكومية والخاصة تصدير سلعها إلى الدول الأعضاء في الاتحاد في ظل ظروف سهلة وبرسوم جمركية أقل بكثير.
ومن المؤكد أن خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات بين إيران والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقلل بشكل كبير من تكاليف التجارة، وهذا من شأنه أن يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للسلع الإيرانية في الأسواق الإقليمية، وحسب إحصاءات الجمارك الإيرانية، بلغ حجم التجارة الخارجية لإيران مع دول الاتحاد الأوراسي 2.704 مليار دولار منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بلغت قيمة صادرات إيران إلى دول أوراسيا نحو 1.494 مليار و839 ألف دولار، وهو ما يمثل نموا بنسبة 20.79% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
ما لا يقل عن 80 في المئة من الصادرات الأوراسية إلى إيران هي منتجات زراعية، وخاصة الحبوب، و68 في المئة من الصادرات الإيرانية إلى أوراسيا هي منتجات زراعية، وخاصة الفواكه والمكسرات، ولذلك فإن وصول إيران إلى هذه السوق الكبيرة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خلق فرص عمل جديدة داخل إيران وتحقيق إيرادات كبيرة بهذه الطريقة.
وبالإضافة إلى ذلك، وبفضل احتياطياتها الضخمة من الطاقة، يمكن لإيران أن تلعب دوراً رئيسياً كمصدر للغاز والنفط إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبموجب الاتفاقيات التي تم التوصل إليها قبل عامين، فإن إيران سوف تنقل الغاز التركماني إلى جمهورية أذربيجان، وهذه الخطة قد تكون مقدمة لنقل بضائع أخرى عبر خطوط السكك الحديدية والطرق البرية الإيرانية بين آسيا الوسطى والقوقاز، كما أن مشاريع الطاقة المشتركة، مثل بناء خطوط الأنابيب وتبادل الكهرباء، تخلق فرصاً جديدة للاستثمار.
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي أن إيران تشكل طريق عبور رئيسي يربط آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا بالخليج الفارسي، إن تعزيز الممر الشمالي – الجنوبي والممر الشرقي – الغربي من شأنه أن يزيد من عائدات إيران من النقل، ومن خلال تطوير البنية التحتية وزيادة نقل البضائع، يمكن لإيران أن تصبح مركزاً تجارياً في المنطقة، وبما أن إيران ودول أوراسيا هي المناطق الوحيدة الواقعة على طول الممرات الشمالية – الجنوبية والشرقية – الغربية، فمن المتوقع أن تؤدي التفاعلات الاقتصادية المتزايدة بين الأعضاء ليس فقط إلى الازدهار الاقتصادي لإيران، بل ستعزز أيضًا موقعها الجيوسياسي على الصعيد العالمي.
إن تطوير النقل بين أعضاء الاتحاد سوف يتجاوز الحدود الوطنية ويدفعهم نحو تقارب اقتصادي أكبر، كما تم تحقيقه في الاتحاد الأوروبي، وحسب الخبراء فإن الاتحاد الأوراسي يوفر لإيران فرصا للاستثمار المشترك في القطاعات الصناعية والزراعية والتكنولوجية، كما أن التعاون في تطوير صناعات البتروكيماويات والسيارات والأدوية والمعدات الصناعية يمكن أن يحقق العديد من الفوائد للاقتصاد الإيراني.
ونظرا للعقوبات الغربية المفروضة على إيران، فإن التعاون مع هذا الاتحاد يخلق توازنا في العلاقات الاقتصادية بين إيران والأعضاء الآخرين، ما يعمل على تحييد آثار العقوبات إلى حد كبير، وبما أن خطة إزالة الدولرة من التعاملات الثنائية والتفاعلات باستخدام عملة مشتركة مدرجة على جدول أعمال الدول الأعضاء في الاتحاد الأوراسي، فإن مثل هذه الخطة، إذا تم تنفيذها، قد تؤدي إلى إزالة احتكار الدولار للتجارة، وهو ما سيفيد جميع الدول الأعضاء، وخاصة إيران، التي لا تستطيع إجراء معاملات بالدولار بسبب العقوبات الغربية.
ومن ناحية أخرى، فإن تطوير التفاعلات الاقتصادية مع الدول الأوراسية، والذي ستصاحبه زيادة في الصادرات الإيرانية غير النفطية، يمكن أن يحرر إيران جزئياً من وضعية المنتج الوحيد والاعتماد على عائدات النفط، وهو فرصة جيدة لتنويع الاقتصاد المحلي، وستسمح المشاركة في مشاريع تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي والبحث العلمي، التي ركز عليها الأعضاء أيضًا في اجتماع ألماتي، بتبادل الخبرات والتقنيات المتقدمة في مختلف الصناعات، وبما أن إيران كانت رائدة في مجال التقنيات الجديدة في السنوات الأخيرة، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمكن أن تستفيد من قدرات إيران في هذا القطاع.