المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    فساد الرئاسي يواصل الجدل والعملة تسجل أكبر خسارة بتأريخها وسط استمرار الإغلاق

    تواصل الجدل بشأن فساد السلطة الموالية للتحالف جنوب وشرق...

    المرتضى يؤكد الحرص على التقدم الإيجابي في ملف الأسرى ويؤكد الإستعداد الدائم

    اكد رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبد القادر المرتضى...

    انفوجرافيك.. إحصائية 460 يوماً من العدوان على غزة

    نشر مركز عين الإنسانية إحصائية متكاملة عن عدد الشهداء...

    كيف أثّرت المغامرة غير المحسوبة لتحالف “حارس الازدهار” على هيبة وقدرات البحرية الأمريكية؟

    “حملة البحر الأحمر عجزت عن تحقيق هدفها المعلن ما جعل الولايات المتحدة تبدو عاجزة في أحسن الأحوال”، هكذا علّقت نائبة مدير الاستخبارات الأمريكية السابقة “بيث سانر” في مقال لها نشرته بصحيفة فورين بوليسي قبل أمس، في تقييمها لعمليات تحالف حارس الازدهار بعد مرور أكثر من عام على تشكيله، وقرابة عام كامل من عدوانه المباشر على اليمن.

    تعتبر المعارك البحرية في البحرين الأحمر والعربي بين القوات المسلحة اليمنية وتحالف”حارس الازدهار” أحد أهم المعارك البحرية في العصر الحديث، بحيث أنها أخذت مساحة كبيرة في النقاشات والتداولات السياسية والعسكرية والإعلامية على مستوى العالم، وما زاد من أهميتها لدى المتخصصين والمهتمين هي أنها حدثت بين أقوى قوتين بحريتين في العالم(الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا) من جهة، وبين اليمن المثحن بالصراعات والحروب والحصار الاقتصادي من جهة أخرى.

    ففي الوقت الذي كان الجميع يتوقع حسم تحالف حارس الازدهار للمعركة بأسرع وقت وأقل تكلفة، حدث أمر مغاير لم يكن يتوقعه أحد، فالأهداف التي جاء التحالف من أجلها لم تتحقق، بل إن نسبة تحقيقها كانت تبتعد كل يوم، ليصل الأمر في النهاية إلى هروب القطع العسكرية البحرية التابعة للتحالف بعد أن أصبح تواجدها في مسرح عمليات القوات المسلحة اليمنية غير آمناً.

    شكّلت الولايات المتحدة تحالف حارس الازدهار بغرض كسر الحصار البحري الذي فرضه اليمن على الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر للضغط على الكيان الإسرائيلي لإيقاف عدوانه وحصاره على قطاع غزة، وقد تكفلت الولايات المتحدة بهذه المهمة لإفساح المجال للكيان الإسرائيلي للتعامل مع جبهتي غزة ولبنان، حتى لايتشتت الكيان بأكثر من جهة، ولكن القوات البحرية للتحالف فشلت في تأدية مهامها، إذ أن الحصار البحري اليمني على الكيان الإسرائيلي في البحرين الأحمر والعربي مازال قائماً حتى اللحظة، بل إنه اتسع ليشمل الملاحة البحرية لأمريكا وبريطانيا بعد أن شنتا عدواناً مباشراً على اليمن في بداية يناير 2024.

    إن مجرد إطلاق القوات المسلحة اليمنية للصواريخ والمسيّرات نحو القطع العسكرية التابعة للبحريتين الأمريكية والبريطانية، مثّل صدمة حقيقية لكل دول العالم شعوباً وحكومات، إذ أن الأساطيل الأمريكية التي تعيش فترة استراحة عمرها أكثر من 70 عام، كانت تمخر عباب البحار والمحيطات وتعتدي على الكثير من دول العالم دون أن يعترضها أحد أو يفكر في مهاجتمها، لذا فقد أحدثت المبادرة اليمنية في هذا المضمار زلزالاً ضخماً في الأوساط العالمية، خصوصاً بعد أن أظهرت البحرية الأمريكية عجزها في تحقيق أهدافها.

    وبرغم أن اليمن لا يمتلك قوة عسكرية بحرية، ولا حتى سفينة حربية واحدة، إلا أنه استطاع أن يسيطر على مسرح عمليات يمتد من شمال المحيط الهندي وحتى شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال استراتيجية عسكرية جديدة غيّرت قواعد وأساسيات الحروب البحرية كلياً، إذ أن اليمن أثبت بأنه قادر على السيطرة على البحار وحمايتها من اليابسة دون الحاجة لبناء قوة بحرية، وهذا التكتيك العسكري يعتبر معادلة جديدة في الحروب البحرية لم يكن يتوقعها أحد، فالمدمرات الأمريكية وحاملات الطائرات التي تناوبت على الحضور إلى البحرين الأحمر والعربي خلال العام الماضي عجزت عن تمرير ولوسفينة واحدة باتجاه ميناء أم الرشراش “إيلات” جنوبي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فماهي العناصر التي جعلت اليمن بهذا المستوى المتقدم في هذه المعارك؟!

    القدرات العسكرية وتراكم الخبرات

    خلال السنوات الماضية، وأثناء الحرب بين صنعاء و”التحالف العربي” التي اندلعت في 26 مارس 2015 وتوقفت نسبياً في بداية أبريل من العام 2022، استثمرت صنعاء الحرب لصالحها من الناحية العسكرية، إذ أنها عملت على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مستمر أثناء الحرب وخصوصاً في مجال الصواريخ والمسيرات، فبعد الحرب بعدة أشهر استطاعت صنعاء أن تنتج صاروخ “الصرخة” كأول صاروخ يمني محلي الصنع وهو صاروخ قصير المدى يبلغ مداه حوالي 17 كلم، واستمر التطوير خلال الأعوام التالية وكانت بين كل فينة وأخرى تكشف القوات القوات المسلحة اليمنية عن صواريخ جديدة مثل زلزال وبدر وبركان وقدس وذو الفقار وغيرها، وهذا التطوير لم يشمل الصواريخ فقط، بل شمل أيضاً إنتاج وتطوير للطائرات المسيرة، حيث تم الإعلان خلال هذه السنوات عن الكثير من الطائرات المسيّرة ذات المهام المتعددة(استطلاعية وهجومية).

    وفي الذكرى الثامنة لثورة 21 سبتمبر في العام 2023 نظمت صنعاء عرضاً عسكرياً ضخماً كشفت خلاله عن الكثير من الأسلحة الجديدة منها صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة وزوارق بحرية وصواريخ مجنحة و باليستية بنظام أرض أرض وأرض بحر ، وأرض جو.

    وبعد اندلاع معركة طوفان الأقصى ودخول اليمن في المعركة إسناداً للمقاومة الفلسطينية، استمر التطوير للقدرات العسكرية اليمنية وقد تم الكشف خلال هذه المرحلة عن عدد من الأسلحة الجديدة من زوارق مسيرة وتوربينات وألغام بحرية وصواريخ ومسيرات وكان من أبرز الأسلحة التي تم الكشف عنها خلال هذه الفترة، صاروخ فلسطين2(صاروخ فرط صوتي تبلغ سرعته 16 ماخ)، بالإضافة إلى المسيّرة “يافا”، وقد تم استخدام صاروخ فلسطين2 خلال هذه المعركة وأظهر نجاحاً باهراً في اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية كلها ووصل إلى “تل أبيب” قاطعاً مسافة تقدر بأكثر من 2000 كيلو متر، كما نجحت المسيّرة “يافا” بالوصول إلى “تل أبيب” والأراضي الفلسطينية المحتلة قاطعةً مسافة تقدر بحوالي 2200 كيلو متر، متجاوزةً كل الأحزمة الدفاعية الموجودة لدى السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر ومنظومات الدفاع لدى الدول العربية المحيطة بالكيان الإسرائيلي بالإضافة إلى منظومات دفاع الكيان نفسه.

    وما يعنينا هنا هو أن القوات المسلحة اليمنية استطاعت تطويروإنتاج صواريخ أرض-بحر وكذلك مسيّرات بحرية ذات مديات مختلفة، أثبتت فاعليتها بشكل كبير، بحيث أنها استطاعت أن تستهدف السفن التجارية والعسكرية في البحار بدقة عالية، بالإضافة لذلك فقد استحدمت القوات المسلحة اليمنية في هذه المعركة زوراق مسيّرة ذات سرعات عالية، قادرة على المناورة، وقدرتها التدميرية كبيرة.

    تطور القدرات الاستخبارات اليمنية

    إن المتتبع لمسار الأحداث والعمليات التي نفذتها القوات المسلحة في البحار، يجد أن التطوير والتقدم لم يقتصر على الأسلحة فقط، وإنما يشمل جوانب أخرى منها القدرات الاستخباراتية وعملية جمع المعلومات، بحيث أن الاستخبارات العسكرية اليمنية كشفت عن قدرات مذهلة في معرفة كل مايتعلق بشركات الشحن والسفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، وبرغم أن الكيان الإسرائيلي استخدم كل أشكال التمويه لحركة سفنه في البحرين الأحمر والعربي، مثل رفعه لإعلام دول أجنبية أو تسجيل ملكية السفن بأسماء رجال أعمال أجانب أو إيقاف جهاز التعارف عند المرور في البحرين الأحمر والعربي، إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً، لأن القوات المسلحة اليمنية أثبتت عملياً بأنها تمتلك قواعد بيانات بكل شركات وسفن الكيان الإسرائيلي وأمريكا وبريطانيا، وأثبتت أيضاً أنها قادرة على تتبع مسار السفن حتى إذا أغلقت أجهزة التعارف لديها.

    كما أن الرصد الاستخباراتي اليمني ليس محصوراً على السفن التجارية، بل إن الرصد شمل تحركات القطع العسكرية التابعة للبحريتين الأمريكية والبريطانية، وبرغم أن هذه القطع كانت تستخدم أنظمة تشويش وتغلق جهاز التعارف أثناء مرورها قرب اليمن، إلا أن القوات المسلحة اليمنية استهدفت الكثير من هذه القطع بعد تحديد أماكنها، بما فيها حاملات الطائرات الأربع التي أرسلتها الولايات المتحدة للمنطقة منذ أكتوبر 2023، فكلما كانت تقترب هذه الحاملات من السواحل اليمنية لتنفيذ هجمات واسعة ومكثفة، تتفاجئ بهجوم بالصواريخ والمسيّرات تجبرها على التراجع وبالتالي يفشل الهجوم، لأنها إذا أرادت تنفيذ هجوم واسع على اليمن فإنه يلزمها الاقتراب بشكل كبير من السواحل اليمنية لتقليص المسافة وتحقيق الهجوم بالشكل المطلوب.

    أما الجانب الأمريكي، فقد كانت أهم العقبات التي واجهها خلال عدوانه على اليمن هي ضعف المعلومات الاستخباراتي فيما يخص أماكن وتحركات القوات المسلحة اليمنية، فخلال الأيام الأولى من العدوان قال المسؤولون الأمريكيون بأنهم قضوا على 80% من القدرات العسكرية لصنعاء، إلا أن هذه التصريحات تحولت فيما بعد إلى مادة للسخرية من قبل الأمريكيين أنفسهم، لأن الواقع العملياتي أثبت عكس ذلك وظلت صنعاء تقصف السفن بشكل أكثف من السابق، وهو مايعني أن الاستخبارات الأمريكية لم يكن لديها أي معلومات بحجم قدرات صنعاء العسكرية وأماكن تخزينها، وقد اعترف الكثير من المسؤولين الأمريكيين بهذا الشأن واعتبروه تحدياً رئيسياً في مواجهتهم مع صنعاء.

    وبعد أن أدركت واشنطن حجم الضعف الاستخباراتي وشح المعلومات، فعّلت طائراتها المسيّرة(mq9) لسد الثغرة، باعتبار أن هذه الطائرات أحد أهم أدواتها لجمع المعلومات، لكنها فوجئت بأن هذه الأداة لم تعد قادرة على تنفيذ المهام بسبب تطوّر القدرات الدفاعية اليمنية وإسقاطها ل14 مسيّرة بما يعادل مسيّرة واحدة في الشهر الواحد منذ أكتوبر 2023، وبرغم أن واشنطن أدركت خلال الأشهر الأولى بأن القدرات الدفاغية لليمن أصبحت قادرة على إسقاط هذا النوع من المسيّرات.

    والذي يعد من أحدث المسيرات في العالم، وما لذلك من تبعات على سمعة الشركة المنتجة أولاً وسمعة الولايات المتحدة ثانياً، إلا أنها تصر باستمرار على إرسالها لليمن لحاجتها الماسّة للمعلومات الاستخباراتية وافتقارها لأدوات أخرى لتنفيذ المهام مثل العنصر البشري، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية استطاعت القبض على عدة خلايا وشبكات تجسسية، كان آخرها ما كشفت عنه يوم 6 يناير الجاري بالقبض على خلية تجسسية تابعة للمخابرات البريطانية والسعودية.

    الجرأة والتحكم بالمعركة

    اتخذت صنعاء منذ بداية دخولها معركة الإسناد تكتيكاً ذكياً لإدارة المعركة والتحكم بها من خلال مسار تصاعدي قائم على رمي المفاجآت بالتوقيت والمكان المناسبين، فكلما كان الأمريكي يعتقد أنه قد فرض قواعد اشتباك معينة، تفاجئه صنعاء بإعلان مرحلة جديدة من التصعيد والإعلان عن دخول سلاح جديد للمعركة، وهنا فإن صنعاء كانت تؤكد للعدو بأنها من تمسك بخيوط المعركة، وبأن لديها الكثير من الأوراق والأدوات في جعبتها ويتم تفعيلها بمايخدم الواقع العملياتي وبما يجعل العدو يعيش في حالة صدمات متواصلة تفقده التحكم بمسار المعركة.

    علاوةً على ذلك، فإن جرأة صنعاء على اتخاذ قرارات الهجوم ومراحل التصعيد الخمس تمثل أحد العوامل الرئيسية التي أربكت الأمريكي وجعلته متردداً، فإذا قرر المغامرة بالدخول في معركة شاملة مع اليمن فإن ذلك قد يؤدي إلى معركة لها تداعيات وكلفة كبيرة، معركة استنزاف طويلة ليس لها أفق ونسبة نجاحها مجهولة، وبالمقابل إذا تراجع عن المعركة فإن ذلك سيعني هزيمة مدوية قد تكون بداية لنهاية حضوره في المنطقة، وبالتالي فإن الجرأة اليمنية جعلته يبدو مرتبكاً طوال مراحل المعركة.

    التأييد الشعبي

    المتابع لتطورات المعركة منذ البداية يجد أن عمليات صنعاء العسكرية لم تكن بمعزل عن الشعب اليمني، بل كانت وكأنها استجابة لمطالب الشعب اليمني الذي يعطي القضية الفلسطينية اهتماماً بالغاً ربما أكثر من القضايا المحلية، وماشهدناه من خروج شعبي كل يوم جمعة بالملايين في مئات الساحات بمختلف المحافظات إلا دليل على ذلك، ولم يقتصر الأمر على الخروج الشعبي الأسبوعي، بل تتوزع الوقفات والفعاليات والاستنفار القبلي على بقية أيام الأسبوع، ونستطيع أن نقول إنه منذ بداية الطوفان وحتى اليوم لم يمر يوم دون أن يكون هناك نشاط رسمي أو شعبي يساند فلسطين ويقف إلى جانب عمليات القوات المسلحة.

    كما أن الزخم الشعبي اليمني في الساحات لم يتراجع أو يتناقص، بل يسير بمنحى تصاعدي مثله مثل العمليات العسكرية، وبالمقارنة فقد خرج الشعب اليمني في أول جمعة من يناير 2024 في أكثر من150 ساحة، وفي أول جمعة من يناير 2025 خرج الشعب اليمني في أكثر من 700 ساحة، وبالتالي فإن هذا الحضور والزخم الشعبي المساند لفلسطين ولعمليات القوات المسلحة مثّل منصة الإطلاق الحقيقية لصواريخ صنعاء ومسيراتها وكافة عملياتها العسكرية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    رضوان العمري

    spot_imgspot_img