اليمن عبر التاريخ قبل الإسلام وبعده كان رائدا وقائدا في مختلف المراحل وكان أبناؤه هم من بادروا إلى نصرة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم عليه الصلاة والسلام.
في الوقت الذي تخلى عنه حتى أقرب المقربين إليه من قومه وأخرجوه من مكة المكرمة ثم تشكل نصف جيش الفتوحات الإسلامية من اليمنيين حيث وصلوا إلى بلاد الغال غربا وهو ما يعرف اليوم بفرنسا وإلى بلاد الصين شرقا وكان لهم النصيب الأكبر في فتح الأندلس التي فرط فيها بنو أمية فيما بعد وخرجوا منها ولم يعد يوجد فيها مسلم واحد رغم حكمهم لها ما يقارب ثمانية قرون.
ولذلك لا غرابة أن يستعيد اليمن اليوم دوره التاريخي متصدرا مشهد الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية عندما توافرت له قيادة ثورية حكيمة وشجاعة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية متحديا بمواجهته المباشرة لثلاثي الشر العالمي أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ومتحملا شعبه البطل ما يشن عليه من حرب عدوانية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دول العالم وتتعرض عاصمته صنعاء وعدد من المناطق اليمنية للقصف العنيف من البوارج الحربية الأمريكية المتواجدة في البحرين العربي والأحمر بواسطة أحدث الطائرات التي يمتلكها سلاح الجو الأمريكي بمشاركة بريطانية وصهيونية.
وبدلا من أن يقوم العرب المتخاذلون الذين تخلوا عن غزة هاشم وتركوها فريسة للجيش الصهيوني يقتل شيوخها ونساءها وأطفالها ويدمر بنيتها التحتية للشهر الخامس عشر على التوالي بشكر اليمن على موقفه المساند للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي هو في الأساس يحفظ لهم ماء وجوههم أمام الشعوب الأخرى بأن شعبا عربيا لم يتخلى عن قضية العرب والمسلمين المركزية فلسطين يحاولون التقليل من هذا الدور.
والسبب أنه أحرجهم وكشف حقيقتهم وبعضهم يستنكر مع الأسف الشديد موقف اليمن المساند لغزة والدخول في مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني وقصفه عمق هذا الكيان اللقيط بالصواريخ الفرط صوتية والبالستية والطيران المسير وكرد فعل منهم من باب الحسد والعجز أعلنوا وقوفهم إلى جانب العدو الصهيوني من خلال القوافل التي يرسلونها له لدعم اقتصاده المنهار بعد أن أستطاع اليمن ممثلا في قواته البحرية أن يحاصر هذا الكيان اقتصاديا عبر البحر الأحمر ويعطل ميناء أم الرشراش تماما المسمى صهيونيا بميناء إيلات.
وذلك في الوقت الذي يموت فيه أبناء غزة جوعا ولم يسمح بدخول الشاحنات التي تحمل الغذاء والدواء المقدمة من العديد من الدول كمساعدات لتظل مكدسة في ميناء رفح المصري حتى لا يجرحوا شعور سيدتهم إسرائيل، وقد عبر العديد من القادة الصهاينة عن شكرهم للحكام العرب الذين قالوا عنهم أنهم يقفون مع العدو الصهيوني ويساعدونه سرا ومؤكدين في نفس الوقت أن الفضل في صمود الاقتصاد الإسرائيلي يعود لتركيا التي لم تتوقف قوافلها يوما واحدا لإسرائيل منذ انطلاق عملية السابع من أكتوبر عام 2023م وحتى الآن.
ولأن اليمن أصبح وحيدا في جبهة المساندة بعد أن تم تجميد جبهتي لبنان والعراق وسقوط سوريا في أيدي الجماعات المسلحة المدعومة أمريكيا وتركيا وإسرائيليا بسبب خيانة قادة جيشها فإن الحكام العرب قد استكثروا على اليمن وقوف شعبه وقواته المسلحة الشجاعة إلى جانب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خشية من أن يستعيد اليمن دوره الطبيعي كقائد للأمة بعد فترة من الاسترخاء شهد اليمن خلالها تغييبه نهائيا بسبب تخاذل حكامه الذين رهنوا قراره السياسي للخارج لدرجة أنه عاش لعدة عقود في ظل اللا دولة التي لم تورث مؤسسات يمكن البناء عليها، غير مدركين أن من عرقل بناء الدولة الحديثة في اليمن ووقف ضد قيامها هي أمريكا والجارة السعودية التي تعودت خلال أكثر من نصف قرن على ألا يقول لها أحدا: لا..
فجاءت ثورة 21سبتمبر الشعبية عام 2014م لتفرض هذه اللا المحرمة على اليمنيين في السابق فالتف حولها اليمنيون وشعروا بعد قولها بأن كرامتهم وسيادتهم المسلوبة قد عادت إليهم ما عدا حفنة من العملاء والمرتزقة الذين اعتادوا على بيع الأوطان بثمن بخس كما يفعل اليوم حزب التجمع اليمني للإصلاح والمتحالفون معه وبعض مؤيديه وأنصاره حيث لم يخجلوا على أنفسهم من مجاهرتهم بتأييد العدوان على بلدهم علنا والقتال إلى جانبه ويتباهون بذلك في بيانات رسمية مطالبين أمريكا وبريطانيا وإسرائيل بسرعة احتلال صنعاء وإعادتهم على ظهور دباباتهم ليحكموا اليمن من جديد.
مع أنهم يعلمون علم اليقين بأن ذلك أبعد عليهم من عين الشمس التي جعلوها شعارا لحزبهم المتأسلم علنا والمتصهين سرا فلا فرق بينه في توجهه وبين بني صهيون وجعلوا من سقوط سوريا في أيدي الجماعات المدعومة أمريكيا وتركيا وإسرائيليا أنموذجا يحتذون به مع أنهم يعلمون أن سوريا سقطت بفعل خيانة قادة جيشها الذين سلموها سلام بسلام للجماعات المسلحة المتطرفة دون مقاومة ولم يطلقون حتى رصاصة واحدة دفاعا عن أية مدينة سورية ولم تسقط بفعل قتال الجماعات المسلحة التي عجزت عن إسقاط النظام في سوريا خلال أكثر من ثلاثة عشر عاما رغم ما كان يتوافر لها من دعم عسكري ومادي شاركت فيه أكثر من ثمانين دولة بمقاتليها وتم رصد لها اثنين تريليون دولار حسب اعترافات الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر الأسبق الذي كشف كل الخفايا وأكد أن أمريكا هي المخطط والمنفذ.
وكم هو مؤسف أن تسلم هذه الجماعات سوريا لأمريكا وتركيا وإسرائيل لاحتلالها منذ الساعات الأولى لدخولها دمشق وسمحت لإسرائيل بأن يدمر جيشها أسلحتها الإستراتيجية ومنشآتها الحيوية وهي ملك للشعب السوري وليست ملكا لأي نظام يحكمه، وعليه نقول لمن يحلمون بركوب الدبابات الأمريكية ما حدث في سوريا خيانة من داخل النظام نفسه ولا يعتد بها للتعميم على دول أخرى لا ترضى عنها أمريكا وإسرائيل ففي اليمن رجال الرجال قادرون على مواجهة أقوى دول العالم وهذا ما هو حادث الآن ولن تخيفهم تهديدات جماعات رمت نفسها في أحضان عدو الشعب اليمني وتحول عناصرها إلى خونة وعملاء ومرتزقة.
ونذكرهم هنا بأن ثورة 21سبتمبر الشعبية قد جاءت لتقطع عليهم الطريق لأن شعارها الأساسي الذي رفعته بعد قيامها مباشرة هو: بناء الدولة اليمنية الحديثة وتحرير اليمن من الوصاية الخارجية ليحل محلها تحقيق الشراكة الوطنية بين كل الأطراف السياسية حتى لا يستأثر طرف على آخر بحيث تكون مهمة بناء اليمن الجديد من مسؤولية كل أبنائه مع أن ثورة 21سبتمبر كان بإمكانها أن تنفرد بالقرار وتشكل حكومة بمفردها كما فعل الإخوان المسلمون بعدما سمي بثورات الربيع العربي عام 2011م عندما أقصوا كل الأطراف الأخرى التي لا تتفق مع توجهاتهم السياسية.
فخسروا كل شيء في غمضة عين غير مدركين أن مهمة بناء الشعوب والأوطان لا يتكفل بها طرف بعينه مهما أظهر الإخلاص وادعى الوطنية وإنما بناء الأوطان وقيادتها نحو مسار صحيح مهمة مجتمعية تشارك فيها كل الأطراف السياسية بدعم شعبي وهذا ما أزعج القوى الخارجية المتدخلة في الشأن اليمني لأنها أرادت لليمنيين أن يبق قرارهم السياسي تحت وصايتها وتسييرهم حسب أهوائها وخدمة مصالحها.
ـــــــــــــــــــــــــ
احمد الشريف