إن عودة المسلحين إلى الظهور في سوريا، مكررة نفس المفاجأة لا تثير قلق السوريين فحسب، بل أيضاً شعب وحكومة العراق. العراقيون، الذين لم ينسوا أبدا الذكرى المريرة لآثار الحرب في سوريا وهجوم المسلحين باتجاه حدود البلاد ومآسي تلك الحقبة المظلمة، يتابعون الآن التطورات في حلب بحساسية خاصة.
وفي هذا الصدد، وضعت حكومة محمد السوداني، القوات المسلحة في حالة استنفار منذ أمس، وأصدرت أوامر بتعزيز الأمن على الحدود، وعلى إثرها قرر الجيش العراقي، مساء الجمعة، نشر 3 ألوية من الجيش ولواءان من قوات الحشد الشعبي على الحدود مع سوريا.
وأكد وزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي، الجمعة الماضية، خلال زيارة للقوات المتمركزة على الحدود مع سوريا أقصى غرب العراق، جاهزية القوات العسكرية والأمنية في كل التنظيمات لحماية حدود البلاد وأجوائها ضد الإرهاب، فعل أي خطر محتمل.
وحسب شفق نيوز، قال العباسي في بيان: إن “جيشنا الباسل والقوات الأمنية الأخرى بمختلف أنواعها وتشكيلاتها، يسهرون ليل نهار لضمان أمن العراق وشعبه”، كما أعلن اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، زيادة إجراءات تأمين الحدود، وأضاف: “إلى جانب الطائرات من دون طيار والكاميرات الحرارية، تم تجهيز وحدات قوة الحدود بأحدث الأسلحة والمعدات”.
وتوعد هذا المسؤول العسكري الرفيع في حديث لشفق نيوز، بأن أي شخص أو إرهابي يريد عبور حدود العراق سيواجه ردة فعل قوية، وأكد أن “عناصر الاستخبارات مستمرة برصد أي تحركات مسلحة” من ناحية أخرى، أكد الفريق محمد السعيدي، قائد قوات حرس الحدود العراقية، السبت، أن حدود بغداد المشتركة مع سوريا آمنة تماما ولا مجال للتسلل إليها، وأضاف السعيدي: “حسب ما تردد، تم تعزيز التحصينات على الحدود بوحدات من قوات الحدود وخط إسناد قوي من الجيش العراقي والحشد الشعبي”.
في غضون ذلك، كان الفريق الركن قيس المحمدوي، نائب قائد العمليات المشتركة في العراق، قد أعلن في وقت سابق: أن “حدود العراق وسوريا آمنة للغاية من حيث وجود التحصينات مثل الكتل الخرسانية والأسلاك الشائكة، بالإضافة للجهود الفنية في تركيب الكاميرات وتحليق الطائرات من دون طيار”.
تجدر الإشارة إلى أن المواقف المنسقة للسلطات العسكرية والسياسية العراقية لطمأنة المواطنين العراقيين، وخاصة في المحافظات الحدودية، تأتي بعد يوم واحد من الهجوم المفاجئ وواسع النطاق للمجموعات الإرهابية في الهجوم على مدينة حلب.
وأعلن الجيش السوري، الجمعة، رداً قوياً على هجوم كبير ومفاجئ للمسلحين بعد وصول القوات الرديفة إلى جانب القوات المتحالفة معه، وقال مصدر في قوات الأمن السورية لوكالة “نوفستي” للأنباء: “عدة مجموعات إرهابية حاولوا الهجوم غرب حلب على الطريق السريع ولكن قواتنا قامت بالتصدي لهم وتم تدميرهم”.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريبا من الأطفال، نزحوا نتيجة الهجوم الإرهابي، وفي هذه الأثناء، هناك مخاوف أمنية من أن المزيد من اللاجئين سيشقون طريقهم إلى حدود العراق في الأيام والأسابيع المقبلة، ونتيجة لذلك، بالإضافة إلى المشاكل المختلفة المتعلقة بتوطين اللاجئين، هناك احتمال أن العناصر الإرهابية، المتنكرة في زي لاجئي الحرب، سوف تمنع القوات الأمنية من العبور والدخول إلى العراق لخلق حالة من انعدام الأمن.
إعلان جاهزية فصائل المقاومة العراقية لمواجهة الفتنة الأمريكية الصهيونية
وتماشياً مع مواقف الحكومة السورية، وجهت فصائل المقاومة العراقية أيضاً أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وراء عمليات الحرق الجديدة التي ينفذها المسلحون، وبالتالي إلى حكومة بغداد حول عودة الجماعات المتطرفة لاستهداف المدنيين ويخلق مخاطر أمنية داخل الحدود العراقية، واتهمت كتائب النجباء وسيد الشهداء العراقية، الجمعة، الكيان الصهيوني بحشد “مجموعات مسلحة” في سوريا، ووعدت باتخاذ إجراءات ضد هذه الجماعات.
وقال عبد القادر الكربلائي المساعد العسكري لحركة النجباء في حسابه على منصة X: “عودة التهديدات التي تطلقها التنظيمات الإرهابية الوهابية ضد الأبرياء والمقدسين في سوريا بإيعاز من الصهيونية، بعد أن فشل مشروع نتنياهو النتن على الجبهة اللبنانية، يعني أن عودة المقاومة الإسلامية إلى سحق هؤلاء الإرهابيين أمر غير مهم، وستكون ساحة المعركة خير دليل على ذلك؛ إذا عادوا فسوف نعود”.
كما كتب أبو العلاء الولائي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء على صفحته الخاصة على قناة إكس: “تحريض الجماعات الإرهابية في سوريا ومحاولة خلق الفتنة في اليمن تتم بإشراف مباشر”، ودعم الكيان الصهيوني، والهدف من هذا العمل هو تآكل دول محور المقاومة من الداخل لأن الكيان الصهيوني لم يتمكن من الوقوف في وجه جبهات الدعم. وأكد: “يجب الحذر من الجهود المماثلة لتوسيع نطاق هذه الأحداث، ويجب استخدام كل الأدوات لتجفيف منابع تكوينها”.
كما أشار محسن المندلاوي النائب الأول لمجلس النواب العراقي، إلى دور الكيان الصهيوني من وراء الكواليس في تطورات حلب، وحذر من خطورة التحركات المسلحة الأخيرة في سوريا وملحقاتها، وعواقبها على أمن واستقرار العراق والمنطقة، وطلب من الحكومة التعاون في مجال الاستخبارات مع الأطراف السورية. وقال المندلاوي في بيان له: إن “الهزيمة التي لحقت بالكيان الصهيوني في لبنان وغزة وعدم قدرته على تفكيك وحدة الساحات المناصرة للفلسطينيين جعلته يعيد تفعيل ورقة الجماعات المسلحة في الساحة السورية”.
وفي السياق نفسه، اعتبر علي الفتلاوي زعيم حركة “أنصار الله العوفياء” أيضاً هدف الولايات المتحدة والصهاينة استعادة تحركات “داعش” وأتباعه في سوريا والعراق في هذه المرحلة من العام، وأشار في بيان: هذه الحيل واضحة للجميع والجميع يعلم أن “داعش” صنيعة الأمريكان والآن يحاول هذا الكيان بعد هزيمته على يد محور المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين واليمن إنعاش “داعش” وإعادته إلى الحياة، وأكد الفتلاوي: “جميع فصائل المقاومة مستعدة لحماية الوطن من أي خطر ومستعدون لدحر الإرهاب الصهيوني”.
في غضون ذلك، فإن النقطة الجديرة بالملاحظة هي تزايد تهديدات الكيان الصهيوني ضد سلامة أراضي العراق في الأسابيع الأخيرة، ومع بدء هجوم الجيش الصهيوني على غزة والجرائم الجسيمة التي يرتكبها هذا الكيان بحق المدنيين الفلسطينيين، وفي ظل غياب الضغوط الدولية الكافية لوقف آلة الحرب الإسرائيلية، تركزت فصائل المقاومة العراقية حول “المقاومة الإسلامية في العراق” المتحالفة مع “إسرائيل”، جانب آخر من المقاومة لعمليات الطائرات دون طيار، وإطلاق صاروخ باتجاه الأراضي المحتلة دعماً لغزة.
في غضون ذلك، أفادت بعض وسائل الإعلام العراقية، الأسبوع الماضي (الـ25 من تشرين الثاني/نوفمبر)، بأن الصهاينة بعثوا رسالة إلى الحكومة العراقية عبر رسالتين عبر وزارة خارجية جمهورية أذربيجان، هدد فيها الكيان الصهيوني بغداد بهجوم عسكري، وأعلنت “العين الإخبارية” نقلاً عن مصدر في الحكومة العراقية، أن وزير خارجية جمهورية أذربيجان جيهون بيراموف بعث رسالة إلى نظيره العراقي فؤاد حسين، بشأن اعتزام “إسرائيل” استهداف مقرات الجماعات التابعة للحشد الشعبي.
وبالنظر إلى هذه التهديدات من الكيان الصهيوني واليقين بدور تل أبيب وواشنطن في خلق فتنة جديدة في سوريا للعراقيين، فقد أعلنت فصائل الحشد الشعبي المختلفة أيضاً أن طريقة التعامل مع هذا التهديد هي الإبلاغ عن المسلحين في سوريا وعن نيتهم إرسال قوات لمساعدة الجيش السوري وهي مسألة تظهر الصعود والهبوط المقبلين واحتمال بداية أزمة جديدة بالمنطقة.