صار من الواضح ان قبعة الساحر نتنياهو لم يعد فيها أي قدرة على ادهاش الحضور والجمهور.. فاذا نظرنا الان الى الجبهة لوجدنا ان الاجتياح الذي كان يجب ان يتحقق في بعض النقاط البرية الحيوية لايزال يراوح في مكانه رغم انه حشد له مايكفي على الاقل لدخول قرية او بعض القرى الحدودية بأي ثمن خاصة انه مدعوم بالطيران والاقمار الصناعية وجيش من العملاء الذين يريدون طعن الحزب في ظهره..
فكل ماجمعه نتنياهو حتى الان هو عملية استخبارية ناجحة في استخدام تصفيات القيادات التي أراد ان يقول من خلالها انه قادر على ان يصل الى كل شيء.. فمن يصل الى رؤوس القيادات فانه سيكون قادرا على الفتك بباقي الجسد الذي سيؤكل في ومضة عين.. وبأن من يصل الى القيادات هو جيش خارق لاتتوقف مفاجآته ولن تكون عملية الاجتياح بالنسبة اليه صعبة على الاطلاق.. واستند في ذلك على أعظم انجاز حققه في الوصول للسيد حسن نصرالله.
ولكن بعد الانجاز الامني باغتيال القيادات فانه توقف تماما ولم يعد لديه قدرة على اضافة المزيد.. فالانجاز الوحيد الذي لايزال قادرا عليه هو تدمير البنى السكنية لمعاقبة روح المقاومة وافتلاع شوكتها والتحضير لمرحلة مابعد الحرب حيث سينشغل الناس في ترميم بيوتهم او مابقي منها.. فالتدمير صارت له وظيفة اشغال الحزب مابعد الحرب كي يتفرغ لاعادة الاعمار.. وهذا التكتيك يدل على ان الاسرائيلي صار يدرك انه لايقدر على اجتثاث الحزب ولذلك فان عليه ان يترك الحزب منشغلا بعد الحرب باعمار بيئته.. فبعد هذه المواجهة العظيمة فان أقصى مايقدر عليه هو عمليات اغتيال وعمليات ذات طابع نفسي ومعنوي.. مثل اغتيال القيادات وتدمير الابنية السكنية.. وقنل المدنيين في عملية استعراضية بالنار والقنابل.
هذه الحرب تثبت نظرية الحزب الحديدية بأن الحرب البرية هي الوحيدة التي تقرر مسار اي حرب.. فكما ظهر سابقا ان القوة الجوية لم تقدر ان تحسم حربا فان العمليات الامنية الان ثبت أنها لاتقدر ان تحسم حربا.. وستبقى القوة البرية هي الوحيدة في التاريخ القادرة على الحسم والنصر.. ولم تتغير هذه القاعدة منذ ان تقاتل البشر بالهراوات والسيوف وفي عصر المنجنيق.. واليوم عصر الصواريخ والطائرات وحرب النجوم.. ولذلك فان نظرية حزب الله بأن التفوق الجوي الاسرائيلي والتفوق التكنولوجي قد لايمكن تجاوزه الا بالتفوق البري صحيحة للغاية ونراها اليوم كنظرية متماسكة جدا..
لأن تكنولوجيا أوروبة كلها واميريكا كلها محشودة مع الاسرائيليين الذين يستخدمونها باسراف.. وتبين ان التكنولوجيا الاسرائيلية هي في معظمها برامج اوروبية واميريكية.. ولكن الجغرافيا تحتاج قتالا بريا.. ومن يريد الارض لن تنفعه الا العلاقة بالأرض.. لاالتكنولوجيا ولا الفضاء سيفتح الارض.. بل العنصر البشري.. ويبدو مما نرى ان حزب الله قد أحسن الاستعداد جدا.. فهو رغم انه ليس جيشا الا انه يتصرف بالعناد والثبات في الأرض بطريقة مذهلة.. وهذا الثبات يدل على ان الحزب فعلا لديه القدرة البرية على اجتياح الجليل.. وأن الامر لم يكن دعاية.. وانه لولا غياب السيد نصرالله فربما كان سيتحقق في الاسابيع الاولى لو لم تنجح عملية اغتيال السيد .. لأن الجيش الاسرائيلي الثقيل الذي يتحرك بالدبابات والمدفعية يتحرك مثل الديناصور الثقيل.. فهو مسلح بفك وأنياب ولكنه ثقيل فيما حزب الله عدو شرس ورشيق جدا .. وينهشه بطريقة اسماك البيرانا.
ويبدو من توقف عمليات اغتيال نوعية ضد القيادات العسكرية الجديدة لحزب الله ان الحزب نجح الى حد كبير في تجاوز الثغرة الامنية التي فتحتها قدرات الناتو التكنولوجية وأن هذه الورقة قد صارت بلا قيمة وسيحتاج الاسرائيليون الى جهد استخباري لمدة 20 سنة اخرى ليحققوا انجازا جديدا استغرق كل هذا الوقت لانجاز قتل القيادات.. وتبين ان تكتيك قتل القيادات لن يحسم المعركة وأنه انجاز للاحتفال والكذب على النفس.. فحزب الله فقد كل قاداته.. ولكن طريقة ترميم القيادات قد ألغت قيمة الانجاز الاسرائيلي التي انتهت في بضعة أيام فشل فيها الاسرائيلي في استغلال الضعف الامني.. وهذا أمر يضاف الى نظرية حزب الله بأن فن التمسك بالارض يتغلب على فن اغتيال القيادات.. والحرب الجوية.. والحرب الامنية.
عاد الاسرائيلي الى معادلة شاقة جدا وهي أنه يحتاج ان يعض الأرض.. وينهشها.. ولكن حتى هذه اللحظة فانه عجز تماما.. والديناصور ينهش بالاسماك.. التي ادخلته في حرب استنزاف.. والأهم ان صواريخ حزب الله تنهكه وتربكه.. والغريب ان الحزب لم يطلق الصواريخ النوعية لأنه ينتظر لحظة ما لايعرف الاسرائيلي ماهيتها.. هل هي الحرب الاقليمية ام حرب المدن ؟.. ام انه يعمد الى تكتيك ابهار العدو بكراديس الصواريخ.
فالحزب يطلق صواريخه كما لو ان كل هذا القصف الجوي الذي بدأ منذ 13 شهرا لم يغير اي شيء.. وكما لو ان كل هذا التجسس الجوي والفضائي والتجسس البشري لم يكشف فوهات اطلاق الصواريخ.. فجنوب لبنان تعمل فوقه كل الاقمار الصناعية الغربية والاميريكية.. وتتنصت عليه كل تكنولوجيا التنصت والرصد, وتم نشر شبكة ضخمة من العملاء لاكتشاف نقاط وفوهات الاطلاق الارضية.. ولكن المحصلة هي ان الحزب اظهر براعة هائلة في التضليل والتمويه والخداع.
الديناصور الاسرائيلي لم يعد لديه اي أمل بالدخول الى لبنان.. ويحتاج الى حلف الناتو لمساعدته.. لأن عدم انتصار اسرائيل سيعني ان حزب الله سيكون القوة الأقوى في لبنان وان الكلمة العليا لن تكون لاسرائيل بعد اليوم التي يتعاني من هجرة سكانها المهاجرين بشكل متسارع.. كما ان حزب الله يدرك ان هزيمته اليوم ستكون نهائية.. ولايملك الا خيار القتال حتى الموت.. وهو ماقد يكون سبب انتظار حزب الله لصواريخه البحرية التي ستغرق سفن الانزال وسيعني الحرب الاقليمية التي تكمن فيها قوى لايعرف متى تدخل الحرب مثل القوة الصاروخية السورية والايرانية.. لأن المحور يدرك ان كسر حزب الله يعني خرقا في القلب السوري.. وسيتلوه خرق يصل الى قلب ايران.
الحزب يبدو انه صمد بشكل مذهل يثير الاعجاب .. والقلق الغربي الآن ان حزب اللله الذي كسر الديناصور بعد انتظار دام عشرين سنة من التحضير الامني والعسكري وتطوير القوة الجوية الاسرائيلية.. وسيكون وزن الحزب في الداخل اللبناني ربما أثقل بكثير من زمن حسن نصرالله.. لان الحزب خاض أخطر معركة واثقل معركة ولاينتصر فيها الا من كان سيملك الحق في ان يقرر مصير الشرق الاوسط.. وهم محور المقاومة.
الديناصور يضرب لكنه يترنح ايضا.. فليست الحرب البرية هي مايعرف حلا لها.. وهو ينهش ببطء.. واذا استمر الاستنزاف.. فقد يفاجأ العالم بالديناصور يهوي بجسده وقد أعياه التعب على جثة الشرق الاوسط القديم.. وعندها سيتم أكله في وليمة على مهل.. بالشوكة والسكين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نارام سرجون