شهد كيان العدو “الإسرائيلي” في الآونة الأخيرة أزمة دستورية متزايدة، تتجلى في النفوذ المتعاظم لوزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير. هذا النفوذ يهدد استقرار التحالف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، وسط دعوات متزايدة لإقالته من منصبه.
النفوذ المتزايد لوزير أمن كيان العدو الإسرائيلي إيتمار بن غفير، داخل المؤسسات الأمنية، يهدد بقاء التحالف الحكومي الذي يديره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع تمسك المدعية العامة جالي باهراف – ميارا بإقالة بن غفير من الحكومة لتدخله المباشر في جهاز الشرطة وفرض ترقيات في داخله لاعتبارات سياسية.
تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بـ”إسرائيل” مطالبة فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي إلى اليمين المتطرف إيتمار بن غفير في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، ما قد يزج بـ”إسرائيل” في غمار أزمة دستورية.
وفي رسالة إلى نتنياهو الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة جالي باهراف – ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير مستندة إلى أدلة تشير إلى تدخله المباشر في عمليات الشرطة واتخاذ قرارات الترقيات في داخلها بناء على أسباب سياسية.
وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف – ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر والنظر فيها، وأيدت باهراف – ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصيا في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
واستشهدت أيضا برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو، والتي جاء فيها أن ابن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.
وقد أثارت رسالة باهراف – ميارا رد فعل حادا من ابن غفير الذي دعا علنا إلى إقالتها قائلا إن طلبها تحركه لدوافع سياسية، ونفى الوزير ارتكاب أيّ مخالفات.
وحصل ابن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة “كاخ” اليهودية المتطرفة التي تصنفها “إسرائيل” والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وقد أدى “قانون الشرطة” الذي أقره الكنيست في ديسمبر 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.
وقال ابن غفير: إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيرا منتخبا، وقال منتقدون: إن التعديلات منحت ابن غفير سلطات شاملة على العمليات وحولته إلى “رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة”، وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لرويترز إن التغييرات التي أجراها ابن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.
وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021، “يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة”.
وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة ابن غفير، وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله الخميس بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة، ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.
ويقول بعض الخبراء القانونيين: إن “إسرائيل” قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة ابن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.
وقال عمير فوكس وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس، “لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع”، وأضاف إن هذا قد يضع إسرائيل “في موقف خطير للغاية”.
في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار إلى أسباب سياسية وراء قراره وذلك بعد أن صرّح علنا بأنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة على الرغم من طلبات ابن غفير بذلك، وفي بيان بثه التلفزيون قال إيشد إن “المستوى الوزاري” كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني، ولم يرد مكتب بن غفير علنا على تعليقات إيشد.
وكانت المحكمة العليا قد أمرت ابن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير، وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى رويترز إن ثمة تغييرا طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة ابن غفير.
وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أيّ اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.
وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة لحكومة الاحتلال، وذكرت صحيفة يديعوت الإسرائيلية في يونيو أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم، وقالت الشرطة، ردا على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة: إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات وإن منهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.
وأدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت حكومة الاحتلال في أغسطس على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة دانييل ليفي قال ابن غفير: إن المفوض الجديد سوف يتبع “أجندة صهيونية ويهودية” ويقود الشرطة “وفقا للسياسة التي وضعتها له”.