بالتوازي مع ترقّب ما ستؤول إليه المفاوضات بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين الذي وصل إلى تل أبيب مساء الأربعاء وغادر إلى واشنطن أمس. تواصل قوات الاحتلال تركيزها الهجومي البرّي على محورين رئيسيّين، باتجاه مدينة الخيام في القطاع الشرقي، وبلدتي شمع – البياضة في القطاع الغربي. ورغم أن المحور الغربي أخذ زخماً عسكرياً كبيراً خلال الأسبوعين الماضيين، إلا أن القوات الإسرائيلية هناك تتقدّم ببطء شديد، وسط خسائر يومية، وتعثّر القدرة على السيطرة على القرى والمرتفعات الرئيسية، واقتصار التواجد في المناطق المفتوحة وفي الوديان والأحراج وعند أطراف القرى.
أما في المحور الشرقي، بعد 6 أيام من عمر المعركة التي يحاول فيها الجيش الإسرائيلي السيطرة على الخيام، فتكافح قوات الاحتلال لتحقيق اختراقات حقيقية في دفاعات المقاومة، التي تخوض المعركة على قاعدة إلحاق أكبر خسائر ممكنة بالفرقة 210، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي حتى الآن احتلال بلدة الخيام، والوصول إلى قلب المدينة.
ويوم أمس، واصلت المقاومة التصدّي لمحاولات الجيش الإسرائيلي إحداث اختراق من الأحياء الشرقية للمدينة، باتجاه وسطها، وتزامن ذلك مع حملة قصف مدفعي وغارات جوّية لم تتوقّف منذ 3 أيام تقريباً. وفي الصباح، تراجعت عدة دبّابات إسرائيلية، من الأطراف الشرقية باتجاه منطقة وطى الخيام، ثمّ العمرا القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة. ودمر حزب الله في ال 24 ساعة الماضية 3 دبابات ميركافا، واحدة في الخيام وأخرى في شمع وأخرى في الجبين ليصل عدد الدبابات المدمرة منذ 17 أيلول الماضي الى 51 دبابة ميركافا.
تجدر الإشارة إلى أن حزب الله استهدف بالأمس تجمعات الجنود في الجهة الشرقية من الخيام 9 مرات، مرة منها بمسيرات انقضاضية بلغ عددها 28 مسيرة، في أكبر هجوم بالمسيّرات الإنقضاضية منذ بداية المواجهات، وباقي الاستهدافات حدثت بواسطة الصليات الصاروخية. بالإضافة إلى تنفيذ 3 عمليات استهدف بها العمق الاستراتيجي للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
سياسياً، أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية بأنه “تمّ الاتفاق على معظم تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار مع لبنان مع بقاء نقاط عالقة قد تفشل الاتفاق”. وأضافت بأن “التقديرات تشير إلى أن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً في هذا الشأن”، لافتاً إلى أن “نقطة الخلاف الرئيسية تتعلق بحرية التحرك العسكري لإسرائيل في حال حدوث خروقات من قبل حزب الله”، وإلى أن “إسرائيل تصرّ على مطلبها بتثبيت حقها في الرد على أي خرق وتطلب رسالة تعهّد جانبية من واشنطن بدعم من دول غربية”.
الوضعية العامة
وأخيراً بعد 51 يوماً من بداية الحرب البرية على الجبهة اللبنانية تحرك اللواء السابع المدرع الذي لم يشارك بعد في اي معركة منذ 2 تشرين أول 2024. فهذا اللواء الذي يعتبر من أقوى ألوية المدرعات في جيش العدو تم نقله من غزة مع الفرقة 98 ولم ينشر في منطقة مسؤولية الفرقة 36 التي يتبع لها نظامياً بل تم اعتماده كقوة ضاربة احتياطية كان واضحاً من (بداية ومنطقة) نشرها أن اللواء سيكون رأس حربة أي عملية هجوم مستقبلية على الأودية الرئيسية الثلاث المقابلة: وادي الحجير أو وادي السلوقي أو (خط الخردلي – العيشية) باتجاه الوادي الأخضر.
رغم الصعوبات التي مرت بها الفرقة 98 (التي وضع اللواء السابع تحت تصرفها) في كفركلا ومركبا والعديسة ورب ثلاثين والطيبة لم ترد أي مؤشرات عن تحرك لواء الدبابات السابع. كما أن اللواء لم يساند الفرقة 36 التي يتبع لها نظامياً ولم تشارك دباباته في المعارك المكلفة التي خاضتها الفرقة 36 في محاور بنت جبيل أو قبلها في منطقة مثلث الموت (رامية – عيتا الشعب – القوزح).
بقي اللواء دون اشتباك أو نشاط في الحرب حتى الليلة الماضية، حيث تحرك في المنطقة المفتوحة شرق كفركلا قاصداً بلدة دير ميماس (المسيحية) بعدم ضمنت قيادته على ما يبدو من خلال مناوراتها الهجومية عدم تحرك أي مقاومة ضد اللواء على ميمنته في مناطق (مرجعيون القليعة برج الملوك) وهي بلدات مسيحية فضلت المقاومة الإسلامية لحساسيتها ألا تعمل منها أو تبني فيها خطوط دفاع صلبة أو خفيفة.
بلغ اللواء خلال ساعات مثلث (القليعة – برج الملوك – تل النحاس) ليتخذ من الطريق المارة بدير ميماس إلى الخردلي منطقة لعبور دباباته حيث وصلت سريتي دبابات من اللواء إلى آخر نقطة في شمال غرب دير ميماس على طريق مرجعيون – الخردلي – النبطية.
أُطلق هذا التحرك على مسار خالٍ ظاهرياً من وجود قاعدة دفاع صلبة للمقاومة لاقتناعها بأنه أسهل الطرق العسكرية لعبور دبابات اللواء السابع إلى الخردلي وربما إلى الوادي الأخضر حيث يمكن أخذ (صورة النصر المنتظرة) التي لم ولن يستطيع جيش العدو أخذها في المحاور الرئيسية الاخرى منذ 51 يوماً:
– محاور الخيام الأربعة التي لا زالت تصد فيها المقاومة هجمات العدو من جميع الاتجاهات وتدحر قوة مدرعات كبيرة من ناحية جنوب غرب مدينة الخيام إلى مستعمرات الداخل من بوابة عمرا وقد استهدفت المقاومة مساء أمس الجمعة 22-11-2024 تجمعات العدو بـ 28 مسيرة انقضاضية خلال دقائق.
– محاور الطيبة وطلوسة ورب ثلاثين ومركبا التي منعت العدو من التوغل.
– محور بنت جبيل التي تبقى المعارك على أطرافها في عيناتا ومارون الراس وعيترون، وقد شن المجاهدون مساء أمس الجمعة 22-11-2024 هجمات تعرضية إيذائية للعدو على أكثر من محور في قاطع عمليات بنت جبيل.
– محور شمع – البياضة الناقورة الذي لم يستطع تفكيكه أو التثبيت فيه منذ أسبوع رغم 6 محاولات هجومية رئيسية من الاتجاهات الشرقية والجنوبية الشرقية (مثلث الجبين – طير حرفا – شمع) والجنوبية الغربية (أطراف طير حرفا الغربية ومن وادي حامول) شمالاً وقد شنت المقاومة أمس الجمعة 22-11-2024 هجمات تعرضية إيذائية للعدو في الجبين ويارين وغرب قرية شمع.
الملاحظات والاستنتاجات:
– نجحت المقاومة في إعاقة تقدم جيش العدو واستنزافه، مع حفاظها على المبادرة في العمليات العسكرية، على الرغم من حذر قيادة جيش العدو وتخوفها من الخسائر، مما يؤثر على خياراتها التكتيكية والعملياتية في محاور القتال.
– يُظهر تردد جيش العدو في استخدام اللواء السابع خلال51 يوماً، ثم اختيار مسار لدباباته في محور يُعتقد أنه أقل خطورة، مدى حذر قيادة العدو وتخوفها من الخسائر.
– أثبتت تكتيكات المقاومة، التي تجمع بين الحرب المتحركة والاستهداف غير المباشر وضربات العمق، فعاليتها في إعاقة تقدم جيش العدو واستنزافه.
– يُشير استهداف المقاومة لاستعدادات العدو كافة على طول الجبهة إلى امتلاكها قدرات استخباراتية فعالة لمراقبة وتتبع تحركات العدو.
– استهداف العمق الإسرائيلي التعبوي يُستخدم كتكتيك لردع كامل استعدادات المنطقة الشمالية وتشتيت جهودها.
شهدت الجبهة الجنوبية اللبنانية معاركٌ محتدمة خلال الأيام السابقة في محاور التوغّل البريّ، خصوصاً يوم أمس، حيث جرت اشتباكات عنيفة بين المقاومين والقوّات الإسرائيليّة المتوغّلة من مسافة صفر في تخوم بلدة الخيام، وأقدم حزب الله على استهداف هذه القوّات بضربات صاروخيّة عدة، عرقلت التقدم الإسرائيلي، فضلاً عن هجوم جوي نوعي واسع بمسيّرات انقضاضيّة بلغ عددها 28 مسيرة.
ومن الواضح أن كيان الاحتلال عانى من إشكالية مسيرات حزب الله خلال معركة طوفان الأقصى ومن بعدها معركة أولي البأس على صعيد العمق الإسرائيلي وصعوبة التنبؤ بمسار سقوطها، واليوم بعد نجاح عملية المسيرات الانقضاضية الواسعة، التي استهدفت تجمعات لجنوده، سيعيد الجيش الإسرائيلي حساباته بقلق شديد مما يمكن أن تحققه هكذا هجمات في المرحلة الثانية من العملية البرية.