بات الإعلان رسمياً عن المجاعة في شمال قطاع غزة أمراً محتماً مع مرور ما يقارب شهرين على منع كيان الاحتلال الصهيوني من إدخال أي مساعدات أو بضائع لمئات آلاف السكان المحاصرين في غزة، والذين يتعرضون لأعنف حملة إبادة جماعية شهدها تاريخ البشرية، الأمر الذي طالب به المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
يأتي ذلك حسب فلسطينيين ومؤسسات حقوقية محلية ودولية وإسرائيلية مع قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ ما تسمى خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة، الخطة التي تقضي بإخلاء شمال قطاع غزة من السكان وإجلائهم إلى الجنوب وحصار شمال القطاع ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليه.
وبذلك يتوجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لمنع انتشار المجاعة في قطاع غزة واتخاذ قرارات فورية، بما في ذلك تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة والإعلان رسميا عن المجاعة الحاصلة في القطاع، فالاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يصران على إدخال 2.4 مليون إنسان مدني في قطاع غزة إلى نفق المجاعة واستخدام سياسة التجويع بحق الأطفال والمرضى ومنع إدخال الغذاء والدواء، في أسلوب خطير وغير إنساني.
مطالبات حقوقية
جاءت مطالبات العديد من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بإعلان المجاعة رسمياً في شمال قطاع غزة بعد أن منع كيان الاحتلال الاسرائيلي إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة منذ الـ 25 من سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما تم منع البضائع في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لتشن قوات الاحتلال الصهيوني بعدها هجوما عسكريا واسعا ضد سكان جباليا وبيت لاهيا، ما فصل فعليا شمال غزة عن باقي القطاع.
وفي هذا الخصوص، عبر الأورومتوسطي في بيان له عن أن “عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بمن فيهم عشرات المرضى في ثلاثة مستشفيات شمال غزة، يواجهون خطرا محدقا بالموت جوعا، أو الخروج بتداعيات صحية دائمة، جراء الحصار الإسرائيلي غير القانوني”.
وذكر المرصد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت مئات المنازل ومراكز الإيواء منذ الـ5 من أكتوبر، ما أسفر عن مقتل نحو 1900 فلسطيني وإصابة أكثر من 4 آلاف آخرين، وأجبرت عشرات الآلاف على النزوح، بينما لا يزال آخرون في المنازل ومراكز الإيواء.
وأشار إلى أن “السكان الذين ما يزالون شمال غزة يقبعون تحت حصار خانق ويتعرضون لقصف متواصل ومتعمد، ويبقون بلا إمدادات طعام أو ماء أو علاج، فيما يصبح هدفًا للاستهداف المباشر والقتل من الطائرات المسيّرة كل من يحاول الخروج بحثًا عن طعام أو ماء”.
ولفت المرصد إلى أن “الفلسطينيين الذين يواجهون حاليا أسوأ أيام التجويع والقصف والتهجير لم يكونوا تعافوا أصلا من موجات التجويع السابقة التي برزت في محطات مختلفة نهاية العام الماضي وعدة مرات في الأشهر السابقة”.
وأوضح أن عشرات الآلاف من النازحين من شمال غزة إلى مدينة غزة يواجهون صعوبة في شراء الأساسيات بسبب ارتفاع الأسعار وشح المواد، كما يفتقرون للمساعدات المناسبة نتيجة الحصار الإسرائيلي غير القانوني على القطاع.
وأشار المرصد إلى أن الأوضاع في جنوب وادي غزة لا تختلف كثيرا، حيث تواصل “إسرائيل” فرض عراقيل أمام إدخال البضائع، وتحدد أعداد الشاحنات المخصصة للمساعدات، مع تغطية مجموعات مسلحة للاستيلاء على جزء كبير منها، ما يحول دون وصولها للمستحقين بعد تدمير “إسرائيل” للنظام العام في القطاع وقتل العديد من العاملين في تأمين وتوزيع المساعدات.
وقال المرصد إنه “مع انعدام فرص العمل وغياب السيولة النقدية وانهيار القدرة على الإنتاج المحلي، فإن جميع السكان باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من الخارج”.
وأكد أنه آن الأوان للإعلان رسميا عن المجاعة في عموم قطاع غزة، وخاصة في شماله، بكل ما يتطلبه هذا الإعلان من التزامات قانونية وأخلاقية، سواء على صعيد معاقبة كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومنع تزويدها بالسلاح، أو التدخل الفوري لعمل ممر إنساني وإدخال المساعدات والبضائع لإنقاذ الآلاف من الموت جوعا.
من جانبها حذرت هيئة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) آي بي سيIPC) وهي هيئة رسمية معتمدة لدى الولايات المتحدة والغرب مخولة بالإعلان عن وجود حالة تجويع في مناطق معنية- من الوضع الغذائي في شمال القطاع، ونشرت المنظمة تقريرا خطيرا جدا يقول إن “في شمال القطاع، وخاصة في منطقة جباليا، وضعا خطيرا جدا بسبب عدم الحصول على الغذاء”.
مخاوف إسرائيلية
برزت المخاوف الإسرائيلية جلية من خلال مناقشة الإعلام الإسرائيلي مسألة الإعلان المحتمل عن حالة مجاعة في شمال قطاع غزة، وأشار محللون إلى أن هذا الأمر لو حدث سيضر بكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقد يؤدي ببعض الدول الغربية إلى فرض عقوبات عليها.
وأشارت القناة “كان 11” إلى وجود مخاوف شديدة داخل الكيان الغاصب من إعلان حالة مجاعة في شمال قطاع غزة، إثر العملية العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار مراسل القناة العبرية إلى أنهم في الكيان الغاصب يخشون من أن يلحق ذلك الضرر بهم، “فإذا أعلنت منظمة (آي بي سي) عن حالة تجويع، فإن ذلك سيجبر كثيرا من الدول، بما فيها الولايات المتحدة والدول الغربية، على الإعلان عن فرض عقوبات على كيان الاحتلال الإسرائيلي، بل قد يصل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي.
فضح التآمر الدولي على البطون الجائعة
في ظل الوضع الكارئي الذي يعيشه سكان شمال القطاع فضح تقرير صادم أصدرته لجنة مراجعة المجاعة الدولية، بدعم من الأمم المتحدة، كان قد صنّف مناطق شمال قطاع غزة في المرحلة الخامسة والأخيرة على مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
وكشف التقرير الذي صنف قطاع غزة في المرحلة التي تسبق المجاعة مباشرة عن حقائق مروعة، محذرا من أن شبح المجاعة بات يُخيم على مناطق شمال القطاع، في ظل تصاعد القصف الإسرائيلي وتوقف المساعدات الغذائية بشكل تام.
وأشار إلى احتمال “وشيك وكبير” لحدوث مجاعة في غزة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك مؤكدا أنه ربما تم تجاوز عتبات المجاعة بالفعل أو سيتم ذلك قريبا.
وأوضح التقرير الأممي انهيار أنظمة الغذاء في شمال غزة بشكل كامل، مع تراجع حاد في المساعدات الإنسانية، وتدهور خطير في ظروف المياه والصرف الصحي والنظافة.
ولا يعتبر تقرير لجنة مراقبة المجاعة هو الأول من نوعه، فالمفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني أعرب حديثا عن أسفه من أن احتمال حدوث مجاعة “ليس مفاجئا”، واتهم كيان الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الجوع سلاحًا في حربها على غزة.
ختام القول
لم يكتف العالم المتحضر بإبادة غزة وهدم مساكنها وخيامها! بل تعدى ذلك إلى فرض مجاعة مهلكة على سكان غزة من الشيوخ والنساء والأطفال! كل ذلك أمام مرأى ومسمع العرب والمسلمين!