يشهد لبنان أزمة إنسانية متفاقمة جراء الاعتداءات العنيفة والمتواصلة من قبل الكيان الإسرائيلي، حيث يتعرض الأطفال والنساء، وخاصةً الحوامل، إلى تهديدات مباشرة تمس حياتهم وصحتهم النفسية والجسدية.
وتشير تقارير “اليونيسف” وصناديق إغاثية أخرى إلى ازدياد أعداد الضحايا والمعاناة اليومية التي يتكبدها المدنيون، وهو ما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلاً لحماية حياة هؤلاء الأبرياء.
خطر على حياة الأطفال في ظل الحرب
تؤكد تقارير “اليونيسف” أن الأطفال في لبنان هم من أكثر الفئات المتضررة جراء الاعتداءات، حيث أظهرت الإحصاءات أن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر والإصابة، إذ إن معدل استشهاد طفل واحد يوميًا في لبنان بسبب هذه الحرب يعكس حجم الخطر الذي يواجهونه.
وقد أشارت آخر تقارير وزارة الصحة اللبنانية إلى أن ما يقارب 192 طفلاً فقدوا حياتهم بسبب العدوان منذ أكتوبر 2023، بينما بلغ عدد الأطفال المصابين حوالي 1260 طفلاً، والذين يعانون من إصابات بعضها تتطلب رعاية طبية طويلة الأمد.
تشمل الإصابات لدى الأطفال في الغالب إصابات دماغية وصدمات نتيجة التعرض لشظايا القذائف والانفجارات، إضافة إلى فقدان حاسة السمع بسبب أصوات التفجيرات، هؤلاء الأطفال ليسوا فقط ضحايا للإصابات الجسدية، بل يعانون أيضًا من مشاكل نفسية عميقة قد تستمر لفترات طويلة وتؤثر على نموهم النفسي والسلوكي.
كما تظهر آثار الحرب على الأطفال في لبنان من خلال الأعراض النفسية التي تبرز بشكل كبير بين الأطفال الناجين، حيث تشير “اليونيسف” إلى أن الأطفال المصابين بالرعب من القصف المتكرر يعانون من اضطرابات النوم والكوابيس، فضلًا عن فقدان الشهية، والصدمات النفسية الحادة.
ويذكر التقرير أن 20% إلى 30% من الأطفال المتضررين قد يحتاجون إلى دعم نفسي متخصص لمساعدتهم على التعافي واستعادة بعض من حياتهم الطبيعية.
وفي ظل هذا الوضع الصعب، يبقى الأطفال في لبنان بحاجة إلى مساحات آمنة يستطيعون فيها التعبير عن مشاعرهم والخضوع لعلاج نفسي يساعدهم على تجاوز صدمات الحرب، ويعتبر هذا الدعم أمرًا بالغ الأهمية في مواجهة تأثيرات الحرب النفسية طويلة الأمد التي يمكن أن تؤثر على الأطفال مستقبلاً.
التأثيرات على النساء وخاصة الحوامل
تعاني النساء في لبنان، ولا سيما النساء الحوامل، من تأثيرات قاسية جراء النزوح وظروف الحرب المستمرة، فمع انقطاع الخدمات الصحية وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية في بعض المناطق المتضررة، تجد النساء الحوامل أنفسهن أمام تحديات جسيمة قد تهدد حياتهن وحياة أجنتهن، حيث تعاني العديد من النساء من ارتفاع معدل الإجهاض بسبب الظروف النفسية والعوامل الجسدية الصعبة، فضلاً عن تزايد حالات الولادة المبكرة وولادة أطفال موتى.
وبسبب نقص الخدمات الصحية والضغوط النفسية الكبيرة، تواجه النساء الحوامل خطر الموت خلال الولادة في ظل غياب الرعاية الصحية الضرورية، ويُضاف إلى ذلك تراجع إمكانيات المستشفيات لتقديم الرعاية الكافية بسبب القصف المتواصل الذي أخرج العديد من المرافق الصحية عن الخدمة.
كما أسفرت هذه الحرب الشعواء عن نزوح حوالي 1.3 مليون شخص، حسب ما جاء في تصريحات المتحدثة باسم “اليونيسف”، وتمثل هذه الأعداد الهائلة عبئًا ثقيلًا على الحكومة اللبنانية، حيث يعيش الآلاف من النازحين في ظروف غير صحية ومساكن غير ملائمة للأطفال، ويُقدر عدد الأطفال الذين نزحوا جراء الحرب بنحو 400 ألف طفل، ما يجعلهم عرضة لكل أنواع المخاطر من أمراض نفسية وجسدية.
التحديات أمام التعليم ومستقبل الأطفال
مع تزايد معدلات النزوح، يواجه القطاع التعليمي في لبنان صعوبة كبيرة في الاستمرار، حيث تضررت المؤسسات التعليمية في المناطق المتأثرة، ما أثر على حوالي 387 ألف طفل، فالأطفال الذين يُحرمون من التعليم بسبب النزاع يعانون من صعوبات نفسية وسلوكية، إذ إن التعليم يمثل بالنسبة لهم أحد الأركان الأساسية للاستقرار والتأقلم.
كما أن الأطفال النازحين يُواجهون خطر التسرب من المدارس، وخاصة في ظل عدم توافر البنية التحتية اللازمة لاستيعابهم، وتفقد آلاف الأسر القدرة على توفير الاحتياجات التعليمية لأطفالها في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، ما يزيد من احتمالية أن يصبح هؤلاء الأطفال عرضة للاستغلال أو التجنيد في الصراعات.
مطالبات دولية بوقف العنف وحماية المدنيين
في ظل هذا الوضع الإنساني المتدهور، تواصل “اليونيسف” والمنظمات الإغاثية الأخرى مطالبة المجتمع الدولي بضرورة التدخل لفرض هدنة دائمة تتيح للأطفال والأسر في لبنان الوصول إلى الخدمات الإنسانية الأساسية والعيش في بيئة آمنة، كما تركز “اليونيسف” على ضرورة احترام القوانين الدولية الإنسانية التي تحمي المدنيين والمرافق الصحية والتعليمية من الهجمات.
وتشير “اليونيسف” إلى أن الأطفال المتضررين بحاجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي لتعافيهم من آثار الحرب، وأن من الضروري توفير أماكن آمنة لهم حيث يمكنهم أن يواصلوا تعليمهم ويستعيدوا حياتهم الطبيعية، وتؤكد هذه المنظمات أن التزام الأطراف المتنازعة بالقوانين الدولية يمثل أولوية قصوى للحفاظ على أرواح المدنيين وتأمين الحماية للأجيال المقبلة.
تستمر الحرب التي يشنها الكيان الإسرائيلي على لبنان في فرض آثار كارثية على حياة الأطفال والنساء في لبنان، ويُعَدّ الوضع الحالي تهديدًا مباشرًا على مستقبل هؤلاء الأطفال ونموهم في بيئة مستقرة وآمنة، وفي ظل هذه التحديات، يبقى الحل الوحيد إنهاء العنف وفرض حماية دولية لحياة المدنيين اللبنانيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة.
إن توفير الدعم النفسي والتعليمي والصحي للأطفال المتأثرين بالعدوان هو مسألة إنسانية لا تحتمل التأجيل، حيث يمثلون مستقبل المجتمع اللبناني وأمله في الخروج من دوامة الصراعات والأزمات، ومن هنا، يبقى الدور الدولي والدعم الإنساني من الضرورات الملحّة لدعم الأطفال والنساء في لبنان وحمايتهم من تبعات الحرب.