لوصف مواقف الأنظمة العربية المطبعة أو الذاهبة نحو التطبيع من الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني، يعمم البعض مصطلح “الخذلان” كتوصيف لهذه المواقف، وهذا التوصيف ليس دقيقاً بحكم أنه لا يطابق الواقع والوقائع التي تؤكد بأن هذه الأنظمة أشبه بلاعبين في دكة الاحتياط ضمن فريق العدو الإسرائيلي وداعميه يستبدلهم المدرّب الأمريكي في الزمان والمكان المناسبين بما يتلاءم وظروف المعركة.
كما أن البعض يشبّه هذه الأنظمة وكأنها جماهير محايدة تكتفي بالفرجة والمشاهدة لما يحدث، وهذا يتناقض مع ما يحدث في الميدان، فلا يمكن أن نعتبر من ينشئ جسراً برياً لإمداد العدو الإسرائيلي ويدعمه لوجستياً محايداً، ولا يمكن أن نعتبر من يهاجم المقاومة وقادتها إعلامياً محايداً، ولا يمكن أن نعتبر من يسجن النشطاء المتعاطفين مع المقاومة ويدعم النشطاء المؤيدين للعدو الإسرائيلي محايداً، ولا يمكن أن نعتبر من يفتح سفارة للعدو الإسرائيلي في بلاده ولا يجرؤ على فتح مكتب للمقاومة محايداً.
ولا يمكن أن نعتبر من يدعو لإطلاق أسرى العدو الإسرائيلي بأسرع وقت وهو لا يتحدث عن الأسرى الفلسطينيين منذ عشرات السنين محايداً، ولا يمكن أن نعتبر من يهاجم الجبهات المساندة لغزة بكل ما أوتي من قوة وبكل ما لديه من وسائل محايداً، وهناك الكثير من الدلائل والقرائن التي تثبت دون أدنى شك وقوف هذه الأنظمة في صف العدو الإسرائيلي وداعميه وليس في صف الحياد، ولولا أنها تدرك أن شعوبها مازالت متعاطفة مع المقاومة الفلسطينية لبادرت بقصف المقاومة الفلسطينية بدلاً عن العدو الإسرائيلي.
ولإضفاء مزيد من التأكيد على اصطفاف هذه الأنظمة وراء العدو الإسرائيلي وداعميه، فقد صدر مؤخراً كتاب جديد للصحفي الأميركي “بوب وود وارد”، كشف فيه المواقف الحقيقية للحكام العرب من المقاومة الفلسطينية وذلك خلال لقاءاتهم مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد عملية طوفان الأقصى، حيث قال الصحفي الأمريكي أن الحكام العرب قالوا لبلينكن “كان يجب على إسرائيل أن لا تأتمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مرارا، فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل هزيمة حماس”، وفي الحقيقة فإن ماذكره الصحفي الأمريكي من تفاصيل تكشف وقوف الأنظمة العربية العربية ضد المقاومة الفلسطينية واصطفافها مع العدو الإسرائيلي تتطابق كلياً مع الواقع، والمواطن العربي يدرك هذه الحقيقة التي يراها يومياً كما يرى ضوء النهار.
والملاحظ أن الأنظمة العربية باتت ترى بأن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً يثقل كاهلها ويورث لها المشاكل، وبالتالي فإنها تعمل بكل جهد على تصفيرها أو تصفيتها بأي ثمن وبأي مقابل، فالكلام الذي كان يقال بأن القضية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي صار من الماضي، بل إن الأنظمة العربية الحالية ترى بأن التطبيع مع الكيان الاسرائيلي جزء لا يتجزأ من القومي العربي.
ولا تكتفي هذه الأنظمة بالمؤامرة على القضية الفلسطينية وحسب، بل إنها أصبحت أداة للأمريكي يضرب بها كل من يقف أمام مشاريعه في المنطقة والعالم وما عدوانها على اليمن وتمويلها للفصائل المسلحة في سوريا وليبيا والسودان وغيرها إلا دليل على ذلك.
إن هذا التحول المخيف في النظام العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص وتجاه قضايا الأمة بشكل عام نتيجة للجهد الذي تبذله واشنطن منذ عقود لتحقيق أهدافها في المنطقة والتي على رأسها إعطاء مفاتيح زعامة المنطقة للكيان الإسرائيلي، ولولا محور المقاومة الذي يواجه هذا المشروع، لكان الإسرائيلي اليوم يتحكم حتى بأقسام الشرطة في كل دول المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضوان العمري