بداية لابدّ من الاشارة إلى أنّ هذا العدوان الاسرائيلي الواسع والذي شمل لبنان والعراق وسوريا وصولاً الى إيران هو عدوان واضح ومعلن من قبل العدو الإسرائيلي، ويشكّل انتهاك واضح لميثاق الامم المتحدة، ولكل المواثيق والاتفاقيات الدولية.
وبالتالي من حق إيران والعراق وسوريا ولبنان أي الدول المعتدى عليها طبقاً للمادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة استخدام حق الدفاع الشرعي عن النفس والرد على هذا العدوان. انطلاقاً من أن استهدف الكيان الإسرائيلي بعدوانه على 4 دول في المنطقة وهي دول مستقلة ذات سيادة مطلقة على أراضيها وإقليمها الجوي والبري والبحري، وهي أيضاً دول عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن حقها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة اتخاذ التدابير العسكرية والقانونية أيضاً بتقديم شكوى للمحاكم الدولية ولمجلس الأمن وإدانة هذا العدوان.
بالإضافة إلى أن استخدام الكيان للمجال الجوي للعديد من دول الجوار كالأردن ومصر وبعض دول الخليج (وان لم يقع إعلان ذلك رسمياً) يجعل من هذه الدول شريكاً في العدوان وعليها تحمّل المسؤولية السياسية والدبلوماسية والقانونية على ذلك.
قراءة سياسية وإعلامية للعدوان الإسرائيلي على إيران:
– بعض المؤشرات تدل على أنّ العدوان الإسرائيلي تم بتنسيق وترتيب وموافقة أمريكية التي تتذرع بحق الكيان في الدفاع عن نفسه، ولكن الواضح أيضاً أن حجم الضربات ونتائجها التي تبدو الى حد الآن بنتائج محدودة، محاولة أمريكية وغربية (فرنسية وألمانية وبريطانية) لخفض التصعيد مع الجمهورية الإسلامية بما تمثله من رأس حربة لقوى محور المقاومة.
– ربما هي خطة أمريكية إسرائيلية لإحراج إيران والضغط عليها باتجاه اما تأجيل الضربة (اي الرد على الرد)، أو ان تكون الضربة الإيرانية المتوقّعة أيضاً منخفضة وغير ذات فاعلية.
– ما يُسمع الآن داخل إيران، أن هناك قرار مسبق بالرد على الرد وأنها لن تسمح ولن تسكت عن انتهاك سيادتها وسيادة أراضيها ومجالها الجوي، وأنها بالفعل تتحضر لرد قاسي على الكيان.
– كثيرون يتحدثون على ان زيارة بلينكن المكوكية لبعض دول المنطقة وتحديداً الى السعودية كانت في هذا الاتجاه، ربما محاولة لنشر التطمينات والتأكيد على استمرارية الدعم الأمريكي للسعودية، ولكن تبدو الضمانات ضعيفة أو بالحد الأدنى غير واضحة الى حد الآن.
– استمرار جبهات الإسناد في نشاطها وتحديداً الجبهة اللبنانية التي يقدم المقاومون فيها أسمى التضحيات والإنجازات العسكرية والتي يبدو أنها بدأت تأخذ أكلها في الداخل الاسرائيلي بسبب عجزه عن إخفاء حجم الخسائر التي يتكبدها جنوده يومياً وفي كل ساعة، هذا فضلاً عن حجم الصواريخ التي تسقط على رؤوس مستوطنيه في الشمال وحيفا وتل ابيب وما يمثله ذلك من ضغط أمني ونفسي واجتماعي واقتصادي وسياسي على الكيان وبيئته الداخلية المفككة.
– الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على انتخابات مفصلية بعد أيام، وربما هذا أيضاً من الأسباب التي جعلت الرد الإسرائيلي بهذا المستوى وهذا الحجم، فالأمريكي يبحث الآن وفي هذه الأيام عن هدوء ولو نسبي لتجاوز صراعه الداخلي وهو يحاول تأجيل كل الحلول الى ما بعد الانتخابات التي تشير إلى أنها لن تكون سهلة على المتنافسين، وأنها تحمل الكثير من الصدام السياسي الذي قد يتحول الى صدام في الشوارع بين المؤيدين لهذا الطرف او ذاك. فقد تشهد الولايات المتحدة في الأيام المقبلة ما يلهيها عن الكيان بسبب تداعيات ما قد تفرزه الانتخابات المقبلة.
– يقرأ الأمريكي جيداً التحرك الروسي في أوكرانيا الذي يبدو أنه مقبل على المزيد من التوغل والتوسع وقضم الأراضي الأوكرانية مقابل إرباك للقوات الأوكرانية، وتردد وخذلان من الناتو، وهذا في حد ذاته يشكل هاجس للغرب الأوروبي قبل الأمريكي وتحديداً ألمانيا.
– يقرأ الأمريكي جيداً التحرك الصيني وتحشيد قواته باتجاه جزيرة تايوان وهذا بحد ذاته يشكّل هاجساً كبيراً اقوى حتى مما يحصل في الشرق الاوسط لما يشكّله تمدد الصين في تايوان من تهديد للمصالح الأمريكية في بحر الصين.
يبدو المشهد الإقليمي والدولي مضطرب ومقلق بالنسبة للأمريكي المقبل على ضغوط داخلية كبيرة جداً، وقد يكون هذا الوضع من الاسباب التي جعلت الإدارة الأمريكية تلجم جنون نتنياهو وتضغط عليه للتراجع أو لتخفيض التصعيد في هذا الاتجاه.
– فشل الكيان الإسرائيلي وعملائه في المنطقة في تفعيل الحرب الإعلامية والسردية المضللة التي تبرز قدرات الكيان وحجم الضربة الموجهة لإيران وسوريا والعراق ولبنان، ولم ينجح في نشر سرديته التي سرعان ما سقطت بعد الإعلان عن انتهاء الضربات العدوانية على إيران.
– اللافت أن من أسقط هذه السردية وقلل من أهميتها ودورها هو الإعلام العبري نفسه الذي عمل لأسابيع على إثارة الحرب النفسية بالحديث عن الرد الإسرائيلي وحجمه وتأثيره وتداعياته على إيران ودول محور المقاومة.
– من الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أنّ الخطر على إيران ودول المحور لا يزال قائماً، فالإسرائيلي مصرّ على الاستمرار في التدمير والقتل في غزة وفي لبنان، ويحاول بكل مرحلة، العمل على تحييد جبهات الإسناد الأخرى في سوريا والعراق واليمن. وعليه، فالمرجح أن يعمل أكثر على اثارة البلبلة والفتنة الداخلية في إيران بتحريك بعض الادوات المناوئة للنظام الإيراني في الداخل كما في دول المحور، من خلال تحريك العملاء والوكلاء على الأرض للقيام بعمليات أمنية إما بالاستهداف المباشر عبر التفجيرات والعمليات الانتحارية أو عبر الاغتيالات للقادة والمسؤولين الإيرانيين.
يذهب الاعتقاد الى أن ما قام به الكيان الإسرائيلية ضد دول المنطقة وعلى رأسهم إيران هو جس نبض لمعرفة مدى قوة وقدرة المضادات الدفاعية الإيرانية، وربما لتفعيل مرحلة جديدة من الاستهداف التي يجب الانتباه لها، لأنها قد تكون الأعنف في المرحلة القريبة القادمة.