سُربت و”ثائق سرية” تتضمن تقييما بشأن خطط كيان العدو الإسرائيلي للهجوم على إيران، ووُصفت هذه الوثائق بأنها “فوق سرية”، ولا يمكن الوصول إليها إلا لأعضاء اتحاد الاستخبارات “فايف آيز”، الذي يشمل الولايات المتحدة، ونيوزيلندا، وأستراليا، وبريطانيا، وكندا.
وتعزى الوثائق إلى الوكالة الوطنية الأميركية للاستخبارات الجغرافية المكانية ووكالة الأمن القومي، وتشير إلى أن إسرائيل مستمرة في نقل تجهيزات عسكرية من أجل شن هجوم على إيران، ردا على هجومها الصاروخي الباليستي المكثف الذي وقع في أول أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأدى تسريب وثائق استخباراتية أميركية سرية إلى كشف خطة إسرائيلية لشن هجوم انتقامي على إيران، وقد بدأت السلطات بالولايات المتحدة تحقيقات لتحديد مصدر التسريب وتقييم الأضرار المحتملة؛ حيث تتضمن هذه الوثائق تفاصيل حول التدريبات العسكرية وانتشار الأسلحة.
وأفادت تقارير لشبكة “سي إن إن” وموقع “أكسيوس” بأن تسريب الوثائق السرية أثار قلقًا في واشنطن، مما دفع الولايات المتحدة إلى بدء تحقيق لتحديد كيفية حدوث التسريب.
كيف حدث التسريب؟
تم نشر هذه الوثائق يوم الجمعة، 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، عبر قناة تابعة لإيران على تطبيق “تليغرام” تُسمى “مراقب الشرق الأوسط” (Middle East Spectator).
وأُعدت هذه الوثائق من قِبل الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، وهي وكالة مسؤولة عن تحليل الصور والمعلومات، التي تجمعها الأقمار الصناعية الأميركية. وتوفّر الوثائق معلومات حول استعدادات إسرائيل لهجوم محتمل على إيران في الأيام المقبلة.
يُذكر أن إيران أطلقت نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، في الأول من أكتوبر الجاري، في ثاني هجوم مباشر من طهران، بعد الأول الذي شنته في إبريل (نيسان) الماضي على إسرائيل.
وأشارت إحدى الوثائق المسربة، التي تحمل عنوان “إسرائيل: سلاح الجو يستمر في التحضير لضرب إيران”، إلى تدريبات جديدة نفذتها إسرائيل تحاكي جزءًا من هذا الهجوم، بينما توضح الوثيقة الثانية تحريك إسرائيل صواريخها وأسلحتها؛ تحسبًا لأي رد من إيران على الهجوم.
موقف الولايات المتحدة من التسريب
وفقًا لتقرير “نيويورك تايمز”، فقد ظهرت خلافات بين المسؤولين الأميركيين بشأن خطورة هذا التسريب؛ حيث رأى البعض أنه لم يكشف عن معلومات جديدة تتعلق بالقدرات الأميركية، في حين أشار آخرون إلى أن تسريب أي خطط حربية لأحد حلفاء الولايات المتحدة يمثل مشكلة كبيرة.
وعلى الرغم من أن الوثائق تشير إلى صور فضائية للتدريبات الإسرائيلية، فإنها لا تتضمن هذه الصور بشكل مباشر، وأفاد مسؤولون أميركيون بأن التحقيقات ما زالت مستمرة، وإذا لم يتم تسريب المزيد من الوثائق، فقد تكون الأضرار محدودة. لكن من ناحية أخرى، فإن هذا التسريب يظهر مرة أخرى مستوى التجسس، الذي تمارسه الولايات المتحدة حتى على أقرب حلفائها.
وأكدت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية، استنادًا إلى مصدر مطلع، صحة الوثائق، وأفادت بأن الولايات المتحدة تُجري تحقيقًا لمعرفة من كان بإمكانه الوصول إلى هذه الوثائق التابعة لـوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”. وأضاف مسؤول أميركي أن هذا التسريب سيؤدي إلى بدء تحقيقات فورية من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) و”البنتاغون” والوكالات الاستخباراتية الأخرى.
وينظر التحقيق أيضا في كيفية الحصول على الوثائق، بما في ذلك إذا ما كان تسريبا متعمدا من عضو داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية أو تم الحصول عليها بطريقة أخرى مثل حدوث اختراق، وما إذا كان قد تم تسريب أي معلومات استخباراتية أخرى. وفي إطار هذا التحقيق، يعمل المسؤولون على تحديد كل من كان لديه إمكانية للوصول إلى الوثائق قبل نشرها. وفي بيان، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنها على علم بالتقارير المتعلقة بالوثائق المسربة، لكنها لم تقدم المزيد من التعليقات.
وكان موقع “والا” الإسرائيلي نقل عن مسؤولين أميركيين أن عملية التسريب خطيرة للغاية، لكنها لن تؤثر على الخطط العملياتية الإسرائيلية، على حد قولهم. كما نقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على علم بالتسريب وتأخذه على محمل الجد.
محتويات الوثائق المسربة
تشير الوثائق إلى صور فضائية التقطت في 15 أكتوبر الجاري، خلال تدريبات عسكرية إسرائيلية؛ استعدادًا لضربة انتقامية محتملة ضد إيران. وشملت هذه التدريبات عمليات التزويد بالوقود جوًا، وعمليات بحث وإنقاذ. وذكرت الوثائق أن القوة المشاركة في التدريبات كانت مماثلة للقوة التي استخدمتها إسرائيل في هجومها على اليمن في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي.
تزامنًا مع هذا التسريب، سُئل الرئيس الأميركي، جو بايدن، عما إذا كان يعلم موعد الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران والأهداف المحددة لذلك، فأجاب بالإيجاب، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل. ووفقًا لتقرير “نيويورك تايمز”، فإن تصريحات بايدن تشير إلى أن هناك تفاهمًا بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن أهداف الهجوم.
وكان بايدن قد حذر، في وقت سابق، من استهداف المنشآت النووية أو موارد الطاقة الإيرانية، مؤكدًا أن ضرب هذه الأهداف، التي تعتبر “أصولاً استراتيجية” لإيران، قد يؤدي إلى رد فعل سريع وتصعيد للتوترات. وعلى الرغم من استمرار التحقيقات لتحديد مصدر التسريب، تشير بعض التوقعات إلى أن العملية قد تكون نتيجة لتسريب قام به موظف أو موظفون من الدرجات الدنيا في الحكومة الأميركية.
وتسلط هذه الفضيحة الضوء مجددًا على مستوى التجسس الأميركي على حلفائه، وتعيد إلى الأذهان تسريبات سابقة لأسرار حكومية أدت إلى تحقيقات وضغوط سياسية واسعة. وكشفت الوثائق عن تفاصيل تشمل نقل وتوزيع الذخائر، والتدريبات التي أجرتها القوات الجوية الإسرائيلية لاستخدام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وصواريخ جو- أرض، والطائرات المخصصة لتزويد الوقود، إلى جانب الطائرات الداعمة الأخرى.
كما ورد في هذه الوثائق أن إسرائيل كانت تراقب إيران سرًا باستخدام الطائرات المُسيّرة، ومع ذلك، أشار المسؤولون إلى أن هذه الوثائق لا تقدم تقييمًا شاملاً لما تعرفه الولايات المتحدة بشأن أهداف إسرائيل.
وتعكس هذه الوثائق، التي تحمل تاريخ 15 أكتوبر الجاري، ما توصل إليه المحللون بناءً على الصور الفضائية التي كانت متاحة في ذلك الوقت. ووفقًا لتقرير “نيويورك تايمز”، فلا يزال المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون الأميركيون يعانون تداعيات تسريب كميات ضخمة من الوثائق السرية في مجالات متعددة.
وظهرت هذه الوثائق لأول مرة قبل عامين على “خادم ديسكورد”، وتم نشرها بشكل علني في إبريل 2023. واعترف جاك تيشيرا، وهو عضو في الحرس الوطني الجوي الأميركي، بانتهاكه قانون التجسس في ست حالات تتعلق بنشر هذه المعلومات، وحُكم عليه بالسجن نحو 16 عامًا.
وبدأ تيشيرا بنشر ملخصات لتقارير استخباراتية على خادم ديسكورد، ولكنه لاحقًا قام بمشاركة صور كاملة للوثائق المطبوعة، وهو ما اعتبرته السلطات الأميركية خرقًا أكثر خطورة.
كما كشفت هذه الوثائق عن معلومات حساسة تتعلق بالأنشطة الاستخباراتية الأميركية في أوكرانيا والصين وعدة دول أخرى. ولا يزال من غير الواضح عدد المصادر الاستخباراتية، التي فُقدت نتيجة لتسريبات تيشيرا، ولكن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن بعض عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية قد تعطلت بشكل خطير. وإذا اقتصر التسريب الأخير على الوثيقتين الفضائيتين فقط، فمن المحتمل أن تكون الأضرار محدودة بشكل كبير.
ومع ذلك، وفقًا لتقرير “نيويورك تايمز”، فإن التسريبات على منصة ديسكورد بدأت أيضًا ببضع وثائق فقط، لكنها انتهت بنشر عشرات الصفحات من المعلومات السرية. وهذا يُظهر أنه حتى لو كانت التسريبات في البداية محدودة بعدد قليل من الوثائق، فقد يتم الكشف عن المزيد من الوثائق لاحقًا، مما قد يؤدي إلى تأثيرات أوسع على الأمن القومي والمعلومات الاستخباراتية.