فاح عبق الشهادة في الآفاق، وملأت نواحي الأرض صورة ملثم قاتل وحيدا حتى الرمق الأخير دون أن يرفع راية بيضاء، وغدا سيد الطوفان يحيى السنوار بطلا ملهما أسطوريا عابرا للزمان والمكان، إذ كانت لحظة الموت هي البداية له لا الفناء.
رثاه ملايين البشر في أصقاع الأرض، واستحضر كل قوم أجمل معاني البطولة وأسبغوها عليه، وتمثلوا صور الفضيلة فجمعت له، فقد كانت بداياته تنبئ عن النهاية، وكانت تلك الخاتمة هي الحلم الذي راوده طوال حياته.
لم يغب اليابانيون عن جلال المشهد، وكتبوا في سجله حروفا من مخيالهم الجمعي الزاخر بمعاني العظمة، كأن الرجل عاد بهم إلى زمن المحاربين القدامى “الساموراي” الذين تمتعوا بالفضيلة والتضحية والشجاعة الأبدية.
اعتبر بعضهم السنوار من قماشة هؤلاء الأبطال الخالدين في ذاكرتهم، الذين أصبحوا حسب تعاليم البوشيدو مثلا أعلى في الصدق والاستقامة والفضائل والأخلاق الرفيعة.
هؤلاء المحاربون يتصفون بالإخلاص والولاء لقضاياهم، ويجمعون بين الصلابة في ميدان القتال والأدب والبساطة والتواضع مع الآخرين، وهم الأسخياء الزاهدون في حياتهم العادية، الذين لم تغرهم قوتهم في أن يتعالوا على أبناء جلدتهم.
تفرض تعاليم البوشيدو على المحارب أن يتخذ قرارات حاسمة، خصوصا إذا تعارضت بعض هذه المبادئ فيما بينها كالواجب والولاء مثلا، وقد يضطر إلى رفض الامتثال للسلطة والواقع إذا كان الواجب يحتم عليه القيام بشيء آخر.
تفاعل مع استشهاد السنوار
زخرت كثير من الحسابات اليابانية على مواقع التواصل الاجتماعي بالإشارة إلى استشهاد السنوار، بعضها نقل الواقعة كما نقلتها وكالات الأنباء، بينما توقف كثيرون عند تلك اللحظات وكيف كان تأثيرها عليهم.
فهذا الناشط الياباني ثوتون أكميتو يعلق في سلسلة تغريدات عن استشهاد السنوار، فيقول “لقد قاتل السنوار بشجاعة مثل محارب الساموراي للدفاع عن غزة التي تشبه هيروشيما”، ويتابع “وفقًا لتعاليم البوشيدو، فإن الطريقة التي يموت فيها الساموراي خلال القتال تعدّ شرفا له”.
وفي تغريدة أخرى، يقول أكميتو “عندما تنفد ذخيرته يستخدم الحربة، وعندما تنكسر حربته يستخدم عصا أو حجرًا، وإذا لم يتمكن من العثور على أي شيء يمكن استخدامه كسلاح فإنه يقاتل بقبضته؛ هذا ما يعنيه أن تكون محاربا”.
أما المعالج الروحاني ميهيكاوا سي فيقول “إن شرف الساموراي لا يكمن في مجرد الموت في المعركة، بل في التضحية بحياته من أجل الحق. لقد ضحى السيد السنوار بحياته من أجل قضية فلسطين ذاتها، ونحن اليابانيين نعجب بأولئك الذين يموتون وهم يقاتلون من أجل الحق حتى النهاية. إنه ساموراي حقيقي”.
نهاية أكثر من بطولية
وبينما كتبت مجلة اليابان “إنه رمز لشرف الساموراي الحقيقي”، علق على هذه التغريدة ناشط آخر بقوله “هذا صحيح! لكن آخر ما شاهدناه بالأمس كان أكثر من بطولي، الجميع يعرف ذلك، حتى اليابانيين الذين شبهوه بالساموراي”.
وكتب مارو معلقا على مشاهد اللحظات الأخيرة لمواجهة السنوار مع جيش الاحتلال التي بثتها القنوات الإسرائيلية “لقد تأثرت بالمشهد الأخير لهذا المحارب البطل الذي لا بد أن مثله كان موجودا في يوم من الأيام في اليابان”.
وكتب معلق آخر “إن الصورة الأخير للسنوار ستظل ملهمة لقرون قادمة”، ليرد آخر بقوله “إن مقتل السنوار سيفضح أكاذيب الغرب”.
تفاعل وتضامن
لم تغب قضية فلسطين والعدوان الإسرائيلي على غزة عن حياة اليابانيين، ونُظمت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كثير من الفعاليات التضامنية التي طالبت بإنهاء حرب الإبادة على غزة.
وقد انخرط طلاب جامعات يابانية بالحراك العالمي للطلاب تضامنا مع قطاع غزة من أجل وقف إطلاق النار ووقف التعاون مع جامعات الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أن مواقف الحكومة اليابانية لم تخرج عن إطار السياسة الأميركية والغربية المؤيدة لإسرائيل، فقد زخرت مواقع التواصل بالمنشورات التي عبرت عن أن اليابانيين يدركون جيدا “معنى الإبادة الجماعية التي يعانيها قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي، فاليابان عانت من القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية”.
ويعرف اليابانيون معنى “الإبادة الجماعية نتيجة تواصل معاناتهم التي التي ما زالت آثارها ماثلة إلى الآن”.