تترقب المنطقة والعالم تنفيذ جيش الاحتلال الاسرائيلي عدواناً ضد الجمهورية الإسلامية لا سيما بعد الضربة الموجعة التي وجهها حرس الثورة الإسلامية للكيان المؤقت في الاول من اكتوبر 2024 بعنوان عملية الوعد الصادق 2، وقضّت مضاجع قادة الاحتلال بعد اختراق 181 صاروخاً باليستياً وفرط صوتي منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية من القبة الحديدية ومقلاع داوود ومنظومة حيتس الى منظومات ثاد وباتريوت الأميركية التي أسقطت 10 من أصل 200 صاروخ أطلقتها إيران على إسرائيل. ما يعني ان ارسال واشنطن لمنصات إضافية من منظومة “ثاد” (48 صاروخ) الى إسرائيل لن تستطيع تأمين الحماية لها.
بل ان الجنود والضباط الأميركيين ال 100 الذين جاؤوا مع “ثاد” لتشغيلها ستكون حياتهم في خطر شديد، فليس لدى إيران خطوط حمر عندما تتعرض سيادتها وأجواؤها للاعتداء وفق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. كما ان عملية الوعد الصادق 2 هي مجرد تحذير لإسرائيل لترتدع حسب قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وهي أيضا جزء من رد عقابي تأديبي محدود _وليس كل الرد_ على اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية في طهران، والقائد الشهيد السيد حسن نصر الله في بيروت ومعه المستشار الكبير في حرس الثورة العميد عباس نيلوفروشان وانتقاماً لدماء أطفال ونساء غزة.
هيئة البث الإسرائيلية قالت إن قرار توجيه ضربة لإيران قد اتُخذ، وتم تحديد الأهداف والتوقيت فيما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن على انه أصبح على علم بهذه التفاصيل.
هكذا سيفشل الهجوم الإسرائيلي المرتقب على إيران
في هذه الأثناء، رفعت القوات المسلحة الإيرانية (الحرس الثوري والجيش) من مستوى جهوزيتها الى أعلى المستويات، وفعّلت منظوماتها للدفاع الجوي ( باور 373 ، S300، تور ام، سوم خرداد،…) لا سيما بالقرب من المنشآت الحيوية والاقتصادية والنووية والنفطية والغازية، والمراكز الحكومية الحساسة، والمراكز القيادية ( وبخاصة شارع باستور في طهران بيت الامام الخامنئي ومقر رئاسة الجمهورية والحكومة، مجلس الشورى، مجلس الأمن القومي، ومنطقة قصور الرئاسة في سعد آباد شرق طهران)، واتخذّت إجراءات وقائية في القواعد والثكنات العسكرية في كافة أرجاء إيران.
تؤكد مصادر موثوقة للخنادق ان القيادة العسكرية في طهران وضعت 10 سيناريوهات على الطاولة وكل واحدة منها سيتم تنفيذها مباشرة دون تأخير لكن بلا تسرع، وسيكون الرد أقسى وأشد، وهو منوط بنوع الأهداف التي سيقصفها سلاح الجو الإسرائيلي، فاذا استهدفت إسرائيل منشآت اقتصادية او نفطية او غازية سيكون الرد بالمثل وبقوة اكبر، اما اذا استهدفت المنشآت النووية الإيرانية فستستخدم ايران كامل قوتها لتدمير المفاعلات النووية الإسرائيلية، علما بان لدى ايران عشرات المراكز والمحطات النووية التي تم تأمينها في أعماق الجبال وتحت الأرض، ولا تستطيع الصواريخ الأميركية الخارقة للتحصينات (MK-84) من اختراقها او الوصول اليها وتدميرها، بل أقصى ما يمكن ان تقوم به هو إلحاق أضرار جزئية بالبرنامج النووي الإيراني، ويمكن لطهران ترميمه خلال أسابيع حسب خبراء إيرانيين.
الأمر الآخر ان دخول إسرائيل في هذه المواجهة مع إيران ومسار الرد والرد المماثل سيؤلم إسرائيل أكثر ويشلّها، لا سيما ان مساحة إسرائيل صغيرة جداً (20770 كلم2) مقارنة بإيران (1.648.000 كلم2) ولديها آلاف المنشآت والمراكز والقواعد، فيما الأهداف الإسرائيلية محدودة ويمكن تدميرها والقضاء عليها في 4 او 5 ضربات صاروخية بألف صاروخ باليستي وفرط صوتي تحمل رؤوساً تفجيرية كبيرة. وقد أشار وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو إلى ان إيران تمتلك 500 ألف صاروخ باليستي ويمكنها تنفيذ 2500 هجوم كعملية الوعد الصادق 2 (ما يعني ان طهران تستطيع ان تقصف إسرائيل لسنوات وتدمر كافة منشآتها واقتصادها).
من جهة ثانية، ان موقع إيران الجيوبوليتيكي (ومحور المقاومة ضمنا) والمساحات الشاسعة لها ستجعل موقع الإيرانيين ويدهم هي الطولى، والجغرافيا السياسية ستتفوق على التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية، لا سيما من حيث سيطرتها على المضائق المائية وحركة الملاحة في الخليج والبحر الأحمر وسواحل المحيط الهندي، كما انه سيكون بمقدور الإيرانيين استهداف أي قاعدة عسكرية أميركية في دول الخليج والمنطقة تشارك الإسرائيليين في عدوانهم، وقد أبلغ الإيرانيون كافة دول المنطقة لا سيما السعودية والامارات والبحرين وقطر واذربيجان بأن أي استخدام لأجواء هذه الدول او القواعد العسكرية الأميركية الموجودة فيها بالهجوم ضد ايران ستُعّرض أمن هذه الدول للخطر، مؤكدة ان ايران سترد بقوة على القواعد الأميركية فيها. مما دفع بعض هذه الدول الخليجية لإبلاغ الأميركيين رفضهم لاستخدام أراضيهم او أجوائهم في الضربة الإسرائيلية المرتقبة على الجمهورية الإسلامية.
روسيا والهجوم الإسرائيلي الوشيك على إيران
الحليف الروسي لطهران أبلغ المعنيين في إسرائيل وواشنطن أن موسكو لن تقبل بأي حال من الأحوال ضرب البرنامج النووي الإيراني (روسيا هي التي بنت جزءً من المحطات النووية الإيرانية)، حسب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، وقال” إن موسكو تحذر إسرائيل بشدة من مجرد طرح فكرة ضرب المنشآت النووية الإيرانية كاحتمال”، ووصف الأمر بانه سيكون كارثياً إذا حدث. فيما كان لافتاً تصريح المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف بأن “موسكو لن تكشف إذا ما كانت هناك بنود بشأن الدفاع المشترك في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع إيران”، فيما يبدو ان التوقيع على الاتفاقية بات قريباً جداً وسيتم خلال زيارة ثنائية، وليس خلال قمة البريكس في قازان وفق السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي، والمعلومات تؤكد وجود هذا البند وبالتالي روسيا تعتبر نفسها معنية بأي حرب شاملة أميركية إسرائيلية على إيران وبرنامجها النووي، وقد أوصلت روسيا الرسالة لمن يعنيهم الأمر.
الرسائل الروسية هذه جاءت بعد معلومات كشفت عنها صحيفة هآرتس عن ان نتنياهو يرى الفرصة الآن سانحة لإمكانية مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وأضافت الصحيفة انه بعد مقتل (القائد الشهيد) يحي السنوار سيتحول الاهتمام الدولي الى الجبهة الإيرانية. فيما أعلن مصدر في مكتب نتنياهو بعد استهداف المقاومة الإسلامية حزب الله منزل نتنياهو بطائرة مسيّرة انقضاضية في منطقة قيسارية جنوب تل أبيب يوم السبت، بان إيران حاولت اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ما يشير الى احتمال تنفيذ قريب للضربة الإسرائيلية، وقد تستهدف شخصيات عسكرية قيادية في مقدمتها قائد القوة الجوفضائية في حرس الثورة العميد حاجي زادة (كونه المسؤول المباشر عن عملية الوعد الصادق 2)، أو قائد قوة القدس اللواء إسماعيل قاآني، أو العميد محمد رضا فلاح زادة نائب قائد قوة القدس والمسؤول عن ملف حزب الله في الحرس الثوري، وربما قد يذهب نتنياهو بعيداً باستهداف قائد الثورة الإسلامية الامام السيد علي الخامنئي.
النووي بالنووي
لا يتوانى المسؤولون الصهاينة عن دعوة الحكومة لضرب إيران بصواريخ نووية تكتيكية وتدمير منشآتها النووية في نطنز و فوردو وأمير آباد وغيرها، بل استهداف مدن إيرانية بأسلحة نووية، الأمر الذي دفع الإيرانيين نواباً وشعباً لزيادة الضغط على الحكومة الإيرانية وصنّاع القرار في الجمهورية الإسلامية للذهاب نحو انتاج القنبلة الذرية التي تردع إسرائيل وتلجم الثور الهائج نتنياهو الذي لا يرى أمامه الا الأهداف، ولم يعد يكترث للأثمان، ويجر الكيان الى الزوال والخراب الثالث الموعود، ويدفع بالمنطقة الى حرب كبرى طاحنة و مدمرة. هذا الطلب صدر عن سياسيين وإعلاميين وناشطين من إيران ومن خارجها من الشعوب العربية والإسلامية لا سيما من دول محور المقاومة التي تتساءل لماذا لا تذهب إيران الى خيار السلاح النووي من أجل ردع إسرائيل، وإيجاد توازن رعب مع أمريكا والغرب، وليس بالضرورة لاستخدام السلاح النووي، بل مجرد امتلاكه والتلويح به كفيل بلجم المحور الغربي الإسرائيلي.
وفي السياق، طالب 40 نائبا في مجلس الشورى الإسلامي في إيران في رسالة لمجلس الأمن القومي بتغيير العقيدة النووية، هذا الامر كان أكد عليه قياديون كبار في النظام ومنهم مستشار الامام الخامنئي للشؤون الاستراتيجية وزير الخارجية الأسبق د. كمال خرازي، ومسؤول الحماية للمنشآت النووية العميد حجت طلب، وقالوا إن ايران امام أي تهديد وجودي ستلجأ مضطرة لتغيير عقيدتها النووية(أي امتلاك القنبلة الذرية).
يشار الى ان إيران قادرة على صناعة قنبلة ذرية في وقت قياسي أسبوعين، فهي تخصّب يورانيوم بنسبة نقاء 60% وقادرة على التخصيب بنسبة 90% أي النسبة اللازمة لتصنيع القنبلة النووية، لكنها ملتزمة حتى الساعة بفتوى الإمام الخامنئي، وفق عضو لجنة الامن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى حسين قدوسي.
فهل تذهب إيران الى صناعة القنبلة الذرية؟ وهل سيتبدل الموقف السياسي وتغير عقيدتها النووية؟ هل ستتغير الفتوى الشرعية التي أعلنها منذ سنوات الامام الخامنئي بتحريم تصنيع او استخدام السلاح النووي اذا تعرضت الجمهورية الإسلامية للخطر الوجودي، وبما تمثله إيران اليوم من مركز لقيادة المحور، وما تعنيه من حفظ بيضة الإسلام المحمدي الأصيل؟ عندها ستكون كل الخيارات مطروحة وتصبح منطقية ومشروعة.
توقيت الضربة الإسرائيلية لإيران
رغم إعلان الصهاينة ان الموعد تم تحديده، ولم يُكشف عنه الا انه يبدو غير بعيد لا سيما بعد “محاولة اغتيال” نتنياهو واتهام ايران بالوقوف وراءه، لهذا ربما يكون قبل إجراء الانتخابات الأميركية (5 نوفمبر 2024) لان النقاش المطول بين تل ابيب وواشنطن (3استغرق أسابيع) أفضى حسب التصريحات الرسمية للطرفين الى الاتفاق على تنفيذ الضربة، وان نتنياهو اتفق مع بايدن، فهل من المنطق ان يتفق مع بايدن ثم ينفذ الهجوم في ولاية ترامب اذا فاز في الانتخابات؟! هل سيقدّم نتياهو للديمقراطيين هدية مجانية؟ ام انه سيفعل كل ما بوسعه ليتقدم ترامب في الانتخابات والفوز بالرئاسة؟ بالطبع نتنياهو يراهن على فوز الأخير ويعتقد انه سيعطيه أكثر مما أعطاه الديموقراطيون.
لهذا يبدو ان الضربة وشيكة، من هنا رفعت القوات المسلحة الإيرانية جهوزيتها، وشددت إجراءاتها الأمنية، وعلينا ان لا نستخف بالإسرائيلي، وقد صرّح وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت بأن “الضربة ستكون قوية ومفاجأة ودقيقة”، وعندما يشير الى “ضربة دقيقة” يفهم البعض انها قد تكون عملاً أمنياً يشبه هجوم “البيجر” في لبنان، او تنفيذ الاغتيالات.
من الذي سيفوز في هذه الحرب؟
في الصراع الراهن ثمة أطراف ثلاثة هي أمريكا وإسرائيل ومحور المقاومة، أمريكا قوة عظمى لا يمكن تدميرها او القضاء عليها، بل يمكن هزيمتها واسقاط مشروعها، أو إضعاف نفوذها وإخراجها من المنطقة في أبعد تقدير، لكنها ستبقى دولة كبرى قائمة وقوية لكن دون تأثير لها في المنطقة، والطرف الثاني هو محور المقاومة الذي يمتلك الجغرافيا والموقع الجيوستراتيجي في قلب العالم، والقدرات البشرية والعسكرية الكبيرة، والأهم القيادة الحكيمة، والإرادة، والشجاعة، ولا يمكن لأي قوة في العالم مهما كان حجمها وقوتها ان تهزم هذا المحور او تقضي عليه، ويبقى الطرف الثالث هو إسرائيل، هذا الكيان اللقيط الذي يعيش على الدعم الأميركي والغربي ويتنفس به ولا حياة له الا بهم، واذا ما تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، وهزمت أمريكا لن تقوم لهذا الكيان من قائمةـ وسيدفع ثمن 76 سنة من العدوان والبلطجة والهيمنة والقتل والتدمير في المنطقة، هو الخراب الثالث الذي تنبأت به كتبهم الدينية، ويعتقد بها كبار زعمائهم العلمانيين والدينيين.
فهل التصعيد سيبقى سمة الصراع القائم ويتسع أكثر فأكثر في حرب الاستنزاف وهذه المرة من بوابة طهران، ام انها ارهاصات الحرب الكبرى. حرب الزوال؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير: د. محمد شمص