بعد عملية طوفان الأقصى، تعرض نتنياهو وحكومته لضغوط شديدة من الرأي العام الصهيوني داخل الأراضي المحتلة، ومع العلم أن هذه الخطوة البطولية تمت تحت إدارة يحيى السنوار، الذي كان متواجدًا في غزة ولم يتركها، وأيضًا إدراكهم أن اغتياله ممكن، فقد تحدث هو وبعض أعضاء الحكومة بشكل متكرر عن ضرورة اغتيال يحيى السنوار.
وقد بالغوا في هذا الأمر لدرجة أنهم اعتقدوا أنه إذا تمكنوا من اغتياله، فسوف يحققون جميع مطالبهم، ويعيدون الهدوء إلى المجتمع الصهيوني، ويعالجون الجرح العميق الناتج عن طوفان الأقصى، وفي خضم هذا التخطيط، كان يبدو أن يحيى السنوار يتأمل في مفهوم آخر يمكن تسميته “طوفان الأقصى 2”.
في طوفان الأقصى 2، تمكن يحيى السنوار مرةً أخرى من إهانة جهاز المعلومات الأمنية الصهيوني بأسلوب أكثر قسوةً، متجاوزًا العقبات المرئية وغير المرئية للکيان الصهيوني، ومن خلال طريقة استشهاده، أطلق طوفاناً مدمراً ضد هذا الکيان.
1-في طوفان الأقصى 1، كان أحد الأمور المذهلة التي أدهشت الهيئة الحاكمة للکيان الصهيوني، والمجتمع الصهيوني، وحتى المراقبين الدوليين، هو الفشل الذريع لجهاز المعلومات الأمنية الإسرائيلي أمام عملية طوفان الأقصى 1، إذ كان يتطلب تنفيذ هذه العملية تخطيطًا دقيقًا وشاملاً وطويل الأمد، وكل من هذه الخصائص كان بإمكانها بمفردها أن تهيئ الساحة لوعي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حول البرنامج الكبير لحماس.
ومع ذلك، لم يحدث ذلك، والأهم من ذلك، كان مفاجأة هذا الجهاز الضخم والمبالغ فيه في الوقت الذي تمت فيه العملية، حيث لم يتمكنوا من اتخاذ رد فعل مناسب وفاعل خلال مراحل العملية المختلفة، وعندما تمكنوا أخيرًا من الخروج من حالة الصدمة واستعادة وعيهم، كان الوقت قد فات، إذ كانت حماس قد حققت ما أرادت وغادرت منطقة العمليات.
هذا الجهاز الاستخباراتي، الذي لم يتعافَ بعد من تلك الضربة القاسية، تلقى ضربةً أشدّ خلال استشهاد يحيى السنوار، حيث أدرك الکيان الصهيوني حجم هذه الضربة القاتلة وغير القابلة للتعويض، عندما كان قد فات الأوان على اتخاذ أي إجراء للتعويض، وقد وقعت هذه الضربة في اللحظات الأخيرة من الحرب الشجاعة والفريدة التي خاضها يحيى السنوار ضد الجنود الجبناء وقاتلي الأطفال للکيان الصهيوني.
وقد تبين أن جهاز المعلومات الأمنية الصهيوني قد مُني بالفشل مرةً أخرى أمام يحيى السنوار، والدليل على هذا الفشل هو التصريحات المتعددة التي أُدلي بها في وسائل الإعلام الصهيونية والدولية، وكذلك من قبل شخصيات مختلفة في هذا السياق.
2- في طوفان الأقصى 1، تمكنت حماس من عبور عدة مئات من العناصر، عبر الجدران والعوائق المختلفة التي كانت تفصل بينها وبين قوات الکيان الصهيوني، حيث تقدمت عدة مئات من الأمتار داخل الأراضي المحتلة، محققةً غنائم قيمة، ومفروضةً حالةً من الرعب الثقيل على الصهاينة، أما في طوفان الأقصى 2، فقد تمكن يحيى السنوار بمفرده من تجاوز جميع العقبات المرئية وغير المرئية للکيان الصهيوني، ما خلق كابوسًا دائمًا في نفوسهم.
كانت الأكاذيب المتكررة وواسعة النطاق التي روّج لها الکيان الصهيوني حول يحيى السنوار، والتي زعمت أنه مختبئ في الأنفاق ويستخدم الأسرى كدروع بشرية، وأنه يتوارى في المستشفيات وبين مخيمات اللاجئين، تهدف إلى تشويه سمعته وخلق حاجز بينه وبين الشعب الذي يعاني من الألم والمعاناة، وكان الهدف من ذلك هو عزل السنوار تدريجيًا، وفقدان الدعم والشعبية العامة.
ومع ذلك، أثبت حضور يحيى السنوار في ساحة المعركة إلى جانب مجاهدين آخرين من حماس، كيف تمكن بذكاء ودهاء من تجاوز هذه العوائق غير المرئية، وهذه المرة، بدلاً من التقدم عدة مئات من الأمتار داخل الأراضي المحتلة، ضرب قلب العدو، ليصبح كابوس يحيى السنوار راسخًا في نفوس الصهاينة ولا يمكن محوه.
3-في طوفان الأقصى 1، أحدثت حماس طوفاناً، وفي طوفان الأقصى 2، أطلق يحيى السنوار بمفرده طوفاناً آخر، لقد كانت ضربة حماس في طوفان الأقصى 1 للکيان الصهيوني غير مسبوقة في تاريخ الصراع الذي دام سبعين عامًا بين الفلسطينيين والکيان، حيث كانت أروع جوانب هذه الملحمة الكبرى هي ارتباطها بطوفان الأقصى 2، التي تعود فيها الفخر الخالد إلى يحيى السنوار، إذ إنه هو من أطلق هذا الطوفان بمفرده.
على مرّ تاريخ نضال المجاهدين الفلسطينيين ضد الکيان الصهيوني، تعرض تقريبًا جميع المقاتلين الفلسطينيين المعروفين للاغتيال أو القتل بشكل مفاجئ، لكن هذه الشهادة الفريدة والمشرفة كانت من نصيب يحيى وحده.
في وقت استشهاده، كان يحيى قائدًا لحماس، وحسب الحسابات المادية والدنيوية التي يعتز بها الصهاينة وداعموهم، كان ينبغي عليه أن يتواجد في مكان آمن وهادئ لإدارة الأمور الحساسة والمعقدة للوضع الراهن، ومع ذلك، على عكس هذا التصور، أظهرت لقطات استشهاده التي هزت العالم، جانبًا آخر من الحقيقة العميقة والفكر اللامع الذي كان يحمله.
تعدّ هذه الصورة القصيرة أصدق دليل على أن يحيى كان مخلصًا لكل ما قاله عن الله، والإسلام، والدنيا، والآخرة، والنضال، وعلي (ع)، وكربلاء، والقدس، وفلسطين، وغيرها، وإن شجاعته الفائقة ونضاله المشرف، مع يده المقطوعة ودمه المسفوك على الأرض، تشكّل صورةً ستظل تؤرق الصهاينة وداعميهم حتى الموت، وستكون مصدر إلهام للفلسطينيين وكل الأحرار، أي قوم أو أمة يمكنها أن تفخر بمثل هذا البطل الحر؟!
في المستقبل، من يجرؤ على أن يتحدث عن يحيى السنوار، بينما يقف في الوضع الراهن، سواء في أحد حالاته الظاهرة أو الباطنية، أو كليهما، بجانب الکيان الصهيوني ومعارضًا ليحيى وشعبه؟! إذا كان هناك من تساورهم الشكوك حول عودة القدس إلى الفلسطينيين، فعليهم أن يدركوا يقينًا أن استشهاد يحيى السنوار بهذه الطريقة البطولية، سيعجّل بعودة القدس إلى أحضان الفلسطينيين، حيث اختصر يحيى الطريق نحوها بتعليماته وإلهامه.
لقد أعدّ يحيى البطل طوفان الأقصى 2 بمفرده، مسخّرًا جهوده لتسريع تحرير القدس وزيادة عدد المجاهدين في سبيلها، رحم الله روحه، ونسأل الله أن يكون دربه مليئاً بالأنصار والتابعين.