أكتوبر في التاريخ العربي المعاصر

150

يظل شهر أكتوبر يحمل خصوصية بعينها، وقد تعززت هذه الخصوصية بما أضاف لها الزمن من أحداث، ومن معان جديدة، كلها تصب في الصراع العربي مع المستعمر، ومع الحركة الصهيونية العالمية، ففي عام 1973م حدثت حرب أكتوبر بين العرب والكيان الصهيوني وتم على اثرها عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واتخاذ مراكز دفاعية متقدمة، وكان من نتائجها أن استردت مصر سيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس.

وفي السابع من أكتوبر من عام 2023م يتجدد الصراع بشن هجوم واسع النطاق لفصائل المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الغاصب للأرض وما تزال المعركة مستمرة وقد اتسعت دائرتها لتشمل محور الإسناد والمقاومة، وهي معركة وجود لا تنفصل عن معارك الصراع والتحرر من المستعمر والمحتل الغاصب للمقدسات في فلسطين، وقد امتدت يده اليوم كما في الماضي إلى غالب المنطقة العربية في التحكم بمقدراتها وموانئها وطرق التجارة ومنابع الطاقة، فالذي وهب “إسرائيل” أرض فلسطين هو نفسه اليوم يعود إلى المنطقة بثياب مستعمر جديد.

وفي اليمن حدثت ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م وهي ثورة ضد مستعمر غاشم جثم على الأرض زمنا طويلا، وقد خرج هذا المستعمر ولكنه عاد اليوم تحت غطاء عودة الشرعية واحتل الجزر والموانئ وتحكم في القرار السياسي وأنشأ القواعد العسكرية وعاث في الأرض فسادا.

اليوم يهل أكتوبر وتتعدد مناسباته، وهي تفرض سؤالا عربيا ووطنيا كبيرا، وسؤالا حضاريا وثقافيا بالغ الأهمية، بعد أن تحول المفهوم عن مضمونه الثقافي والاجتماعي والحضاري ليصبح تبريرا لغازٍ جديد يلبس شعار التحرر ويمارس غواية الاستغلال الذي كان يمارسه المستعمر القديم من خلال فرض هيمنته العسكرية والسلطوية على مقدرات العرب ومواردهم الطبيعية ومنافذهم البحرية، ومن خلال جرف الحياة الطبيعية في سقطرى وزرع القواعد العسكرية، ومن خلال استغلال حالة الفوضى في اليمن لإقامة مشاريع حيوية في الموانئ كما يحصل ذلك في المهرة .

لقد تحدثت التقارير الدولية عن ممارسات غير إنسانية، ومصادرة للحقوق والحريات، وتنكيل في سجون مستحدثة بذات السيناريوهات التي كانت تحدث في سجن “أبو غريب” في العراق وكأن المؤلف والمخرج هو نفسه، وهو في الحقيقة نفس المخرج كما تدل مذكرات هيلاري كلينتون لكن الذين يستغرقون أنفسهم في خضم التفاعلات لا يدركون أو أنهم يدركون ولكنهم آثروا استغلال المرحلة لتحقيق أمجاد سياسية أو مالية بالمعنى القريب “انتهازيون” فاليمن اليوم بكل مبادئها التقدمية والطلائعية والثورية تتحرك بين فكي انتهازي ذكي بدون دين أو قيم أو أخلاق، وبين متدين بدون وعي وفكر يتحرك في فضاء تاريخي تجاوزته المستويات الحضارية المعاصرة.

العالم الذي يرتبط بمصالح في الجغرافيا العربية يتبع سياسة واضحة ويبني استراتيجيات تهدف إلى ضمان مصالحه، والحال الذي عليه العرب اليوم نتيجة منطقية لتلك الاستراتيجيات والسياسات، ويبدو أن العرب من الغباء بالمكان الذي جعل منهم دمى تتلاعب بها تلك المصالح دون ادراك واع بمصالحهم، فالجهل المقدس صناعة استخباراتية عالمية تقبلنا واقعها بدون سؤال، وسرنا في طريقها دون وعي، وأصبح الوعي غائبا من جل تفاعلاتنا اليومية، فنحن نقتل ونرقص على الأشلاء بفرح المغامر الذي لا يغامر، وبنشوة البطل الذي ليس بطلا، لفقدان المعيارية الأخلاقية والثقافية.

اليوم تطرح أحداث أكتوبر سؤالا وجوديا، وتطرح سؤال الاستقلال من جديد، فقد عاد المستعمر مكشرا عن نابه في كل بقعة من البلاد العربية وعاد إلى أرض الجنوب اليمني وأعلن عن نفسه في شوارع ومدن حضرموت، وفي شواطئ المهرة، وفي عدن والجزر اليمنية دون قناع، وقد كان على مدى سنوات العدوان يتخذ من البشت السعودي والإماراتي غطاء يستر من ورائه أهدافه، وبعد كل هذه السنين خرج إلى شوارع المدن في الجنوب كي يكشر عن نابه دون خوف أو حياء.

أحداث أكتوبر اليوم تعلن عن نفسها كسؤال يعيد ترتيب مفردات الحرية، والاستقلال، والسيادة، والوطنية، والعمالة، والخيانة، وحرية القرار، وتحديد المصير، وتضع على الطاولة سؤالها الوجودي الذي يبعث رموزه للواقع حتى يستعيد وعيه بالحظة الزمنية الفارقة في حياة العرب قاطبة واليمن خاصة، ويتعلم من خلال التاريخ ما يجب أن يتعلمه.

لقد أصبحت صنعاء والقوى المناهضة للمشروع الاستعماري والاستكباري في صدارة المشهد وعليها أن تدرك مسؤوليتها التاريخية والحضارية فقد شاءت لها الأقدار أن تضعها في الصدارة وهذا قدرها الذي وضعها الواقع فيه.

فالتموجات التي حدثت خلال السنوات الماضية حاولت أن تعيد الحقيقة إلى مكانها الطبيعي، وأن تقول للناس أن العبودية لن تكون هي الحرية التي يستلذ وجودها الانتهازي، وقالت تفاصيل الأحداث للمستعمر الجديد أن فرض الهيمنة على الشعوب الحرة من الصعوبة بالمكان الذي تعجز عنه الأسلحة المتطورة والحديثة، وأن وعي الشعوب لم يعد بالمستوى الذي يمكن النفاذ من خلاله فقد تجاوز مراحل السذاجة وعدم الفهم إلى مراحل متقدمة بدليل أن كل خبراء علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي فشلوا في تسويق فكرة التحرير التي يضمر المستعمر الجديد تحت شعارها أهدافه منها، وهذا الفشل الذي تحطم على صخرة الحرية الثورية كان نتاج الوعي الثوري الذي أحدثته الثورة كمفهوم عام وهو عند محور المقاومة مفهوم يرتبط بثورة الحسين عليه السلام كأول ثورة ملهمة في التاريخ، ولذلك سيكون المستعمر الجديد عاجزا عن بلوغ أهدافه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالرحمن مراد

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا