خلافا لما كان معهود ومتوقعا بأن يركز الاحتلال أنظاره صوب عواصم إسلامية وعربية مقاومة أخرى، اتجه صوب العاصمة اليمنية، صنعاء، فما تداعيات الخطوة وما تبعاتها؟
بالتوازي مع التهديد والوعيد، بدا حلفاء الاحتلال البحث عن قنوات دبلوماسية مع حركة انصار الله.
التهديد الذي بدأ لفظا من الاحتلال بالحديث عن دور قادم في اليمن والوعيد الذي اطلقه الرئيس الأمريكي جوبايدن أيضا نفذ بالفعل وقد انهالت الطائرات الأمريكية والإسرائيلية بقنابلها على ميناء الحديدة ومحطة الكهرباء والمطار بالمدينة وهي القدرة الوحيدة لتلك القوى التي لم تستطيع منذ نحو عشرة اشهر في الوصول إلى هدف يمنحها ولو انتصار اعلامي.
فعليا اشتعلت النيران في ميناء الحديدة ومعها ستبدأ فرق الإطفاء بإخماد النيران وقد يستغرق الامر أيام قليلة كما حصل في السابق، وسيعاود معه الاحتلال التباهي بإشعال النيران في الحديدة مع أن تلك النيران لا توازي احتراق محطة وقود واحدة في اليمن وبعده سياتي الرد اليمني على شكل “سونيون” كما حدث سابقا أو ربما اكبر.
هذه التطورات العسكرية او بالأحرى محاولة الضغط عسكريا على اليمن تأتي بالتوازي مع بيان مشترك أصدرته حكومة أمريكا و5 دول غربية حليفة لها بالبحر الأحمر، وقد دعت المنظمات للبحث عن قنوات دبلوماسية للتواصل مع صنعاء وهم بذلك يشيرون إلى تحريك وساطات إقليمية جديدة.
ما يهم الان ليس الغارات ولا البحث عن قناة اتصال خلفية، بل بتصويب هذه الدول انظارها نحو اليمن في هذا التوقيت الدقيق بالذات.. كانت اليمن ولا زالت ابرز جبهات المقاومة فاعلية ، وقد اثبتت على مدى الأشهر الماضية قدرات عسكرية جوية وبحرية وبرية نجحت معها اطباق الحصار على الاحتلال الإسرائيلي ليس في البحر الأحمر بل في المتوسط أيضا إضافة إلى استهداف مدنه الواحدة تلو الأخرى وصولا إلى العاصمة تل ابيب ناهيك عن ادارتها المعركة مع حلفاء الاحتلال الإقليميين برا بتضليل المنظومات الدفاعية المنتشرة على طول خارطة الدول العربية والخليجية المحيطة باليمن ومنعها من صد العمليات ضده وبحرا بحسم المواجهة مع القوات الامريكية والبريطانية وحتى الغربية لصالحها,
الان تخشى هذه الدول الحليفة للاحتلال ان تتصدر اليمن المشهد ليس فقط في نصرة غزة بل ولبنان التي تتعرض لمؤامرة واسعة أيضا، وان تسند مهام القيادة لها رسميا باعتبارها اقوى جبهات المقاومة وأكثرها تحصينا وخبرة في مواجهة اعتى الدول واقوى المنظومات العسكرية.
ليس الهدف من تهديد اليمن وحتى قصفه، وقد تعرض على مدى العقد الأخير لأبشع ما يتوقع على مر التاريخ من قصف ومؤامرات، بل لمحاولة ترويضه ودفعه للاستسلام عبر تخويفه بهذا السيناريو او ذلك مع أن جميع تلك السيناريوهات سبق وان طبقت في اليمن وخرج منها اقوى مما كان.
مع فشلها استراتيجيا بلبنان هل تنجح أمريكا وإسرائيل والسعودية بحملتها على اليمن؟
على مدى الأسابيع الأخيرة تعرضت لبنان لحرب إعلامية اكبر مما تحقق عسكريا، ولأن هدفها فشل في تحقيق اهم هدف استراتيجي، يحاول العدو بإبعاده الثلاثة تجربته في اليمن، فهل ينجح بتمريره؟
منذ اللحظة الأولى لتفجيرات “البيجرز” وما اعقبها من تفجيرات “أجهزة الاتصالات اللاسلكية” وصولا إلى الاغتيالات كانت الحملة الإعلامية المرافقة اكبر بكثير مما يجرى وقد كرس الاحتلال خارطة لوسائل اعلام عربية مؤثرة حتى بمن فيها تلك التي ظلت تزعم دعم المقاومة بغزة وقد أصبحت جميعا، كما يصف الخبراء، صوت إسرائيل في حربها على لبنان.
وبغض النظر عن الحسابات التي تحيكها تلك القنوات وفق لتوجهات أنظمتها بشان سوريا وغيرها، ظل الهدف الاستراتيجي بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الحلفاء العرب والغربيين هو إيجاد شرخ او ازمة ثقة بين الشعب والمقاومة اللبنانية، حيث ظل الاحتلال وعلى لسان كبار قادته يصور بان ما يجري يستهدف حزب الله فقط بينما في الحقيقة كانت طائراته وتفجيراته تستهدف الغالبية العظمى من الناس.
مع أن الحملة الأخيرة ليست جديدة في سياق الحرب النفسية على لبنان ومحاولة ضرب المقاومة بحاضنتها اذ بدأت مبكرا مع الازمة الاقتصادية وقطع الوقود ومنع وصوله لمحطات الكهرباء الا ان الشعب اللبناني ابدى تضامنا والتفاف غير مسبوق حول المقاومة وهو ما اسقط ابرز اهداف الاحتلال بحربه على لبنان في العصر الحديث.
وخلافا للبنان التي ترزح ارضا وشعبا تحت وطأة قنابل أمريكا وإسرائيل وبتمويل خليجي بدأت الالة الإعلامية لهما التحرك باتجاه اليمن البلد الصلب الذي اثبت على مدى نحو عقد من المواجهة المباشرة قوة تماسك منقطع النظير والهدف هذه المرة تفكيك التضامن المجتمعي.. كانت الدعوات لفوضى بذكرى سبتمبر احدها وعندما لم تنجح توجه هؤلاء لحملة جديدة تحت التلويح بتكرار سيناريو لبنان مع أن اليمن أصلا تعرض لما اسواء مما تعرضت له بيروت وطالت صنعاء من القنابل مالم تتحمله عواصم أخرى.
فعليا، تتعرض اليمن لحرب وحصار منذ 2015، عندما بدأت السعودية حربها بتحالف 17 دولة، وحتى رغم اتفاق الهدنة لا تزال قيود الطيران والملاحة مستمرة بينما عاد الحرب على اليمن بثوب بريطاني وامريكي مع تمزق العقال السعودي وان كانت الذريعة هذه المرة تأمين البحر الأحمر، ولن تستطيع تلك القوى مجتمعة تنفيذ ما سبق وان اسقطته من قنابل وصواريخ على اليمن وبنيته التحتية التي لا تزال مدمرة، وكل هدفها من التسويق الجديد لسيناريو غزة او لبنان مجرد حرب نفسية فارغة من المضمون فلو كان بمقدور هؤلاء تحقيق ابسط اختراق في اليمن لكان تحقق حينها وما اضطرت أمريكا لتبديل بوارجها تباعا من المنطقة بينما تتعرض مرار وتكرار لضربات اليمن الصاروخية.