باختصار مبسط لشرح ما هو معقد..
أولا: يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تعاونا على مدار سنوات في زرع أجهزة تنصت عالية الدقة في الضاحية الجنوبية، وهذا يفسر أن الاغتيالات جميعها تحدث في الضاحية ، إسرائيل لا تعلم شيئا خارج الضاحية، وكافة قيادات الحزب الذين سقطوا كانوا في الضاحية..
هذا يتطلب مراجعة وتمشيط لهذا الحي الملغوم، وفي تقديري أن لبنان لا تملك القدرة على ذلك، فهي بحاجة لمساعدة أجنبية خصوصا من روسيا والصين، لا أقول إيران.. لأن من الواضح أن الإيرانيين غير متقدمين أيضا في هذا المجال لأسباب ليس هنا ذكرها..
ثانيا: يبدو أيضا أن إسرائيل والولايات المتحدة اخترقوا فئة مهمة من الحرس الثوري، لا أقول تجنيد عملاء منهم، لكن زرع أجهزة تنصت معهم أو في أماكن تواجدهم، ومن أحد الأدلة الكبرى على ذلك، أنه ما من اغتيال يحدث في الضاحية إلا ومعه مستشار إيراني من الحرس الثوري، إذن يوجد علم مسبق بحركة هؤلاء القادة…
الإيرانيون مطالبون على وجه السرعة بانتفاضة علمية وسياسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن القادم في حال التصعيد ربما قتل قيادات الدولة الإيرانية نفسها، أو المرشد، وأبعاد هذه الانتفاضة في التواصل مع الروس لكشف وتفسير ذلك، فالروس متقدمين في هذا المجال، ولديهم خبرات تقنية لكشف وسائل التجسس الغربية.. ولديهم سوابق متعددة معها منذ حرب الشيشان وجورجيا وصولا لأوكرانيا..
ثالثا: الشرق الأوسط سيدخل حربا إقليمية كبيرة الفترة المقبلة، فاغتيال نصر الله قضى على مشروع (الوئام السياسي اللبناني) وستظهر قيادات لحزب الله أكثر حزما، فالأمين العام للحزب لم يكن مجرد قائد حزب لبناني سياسي، بل كان مشروع ملهم، وفكر، وأسلوب، وكاريزما، أعطته نفوذا واسعا في لبنان مكنه من التواصل مع الفئات اللبنانية المختلفة، وعلى مدار 20 عاما صنع توافقا سياسيا داخليا هو الذي كان يحكم المشهد اللبناني..
باغتيال نصر الله يظهر الزعيم الجديد الذي ربما قد لا يتمتع بالصبر وضبط النفس اللذين أظهرهما نصر الله على مدار العام الماضي..
نصر الله لم يكن ميالا لاتخاذ ردود أفعال عاطفية مما جعله في مرمى الانتقاد والاتهام بالتقصير وخيانة غزة وكان مصرا على تسمية لبنان بجبهة الإسناد، وبرغم أن لذلك كانت عواقب سلبية أمنية أدت لهذا الاختراق، لكنه كان مصرا عليه لآخر لحظة..
حتى الآن لا نعلم من هو الزعيم الجديد، وما طبيعته وشخصيته، وكيف سيتناول سائر الملفات المعقدة، لكن المرجح أنه سيأتي بمشاعر (انتقام وإثبات ذات) مزدوجة، وهذه المشاعر كافية للتصعيد وإظهار القوة والبأس الذي حرص نصر الله على عدم إظهارهم الفترة الماضية..
رابعا: الزعيم الجديد لحزب الله سيكون تحت ضغط تكثيف الهجمات، واستعمال أسلحة لم تستعمل من قبل..
خامسا: حلفاء الحزب في محور المقاومة، سيكثفوا أيضا هجماتهم من باب (التضامن) ووحدة الموقف، وربما نشهد أعمال انتقامية واسعة نظرا لمركز نصر الله كزعيم ملهم في المحور، فالرجل كان له تأثيرا ومواقف جادة لنصر بقية أطراف المحور خصوصا في اليمن، واليمنيون بالذات ربما نشهد لهم مواقف وحضورا أقوى من السابق..
سادسا وأخيرا: من يتوقع أو يدعو أو ينشر دعاية (انهيار الحزب والمقاومة) هو لا يفهم التكوين العقائدي والنفسي (للمقاتل المسلم) الذي ينظر لهذه الحوادث على أنها طبيعية من أقدار الله، ولا تستدعي هذا الغضب والضعف، أو إظهار الحزن بشكل مبالغ فيه، غاية ما هنالك سيتحول نصر الله لأيقونة وأسطورة شعبية لبنانية وعربية، وقصة اغتياله على أيدي إسرائيل أعطته قوة ومكانة، ليس فقط في المجتمع الشيعي، ولكن في المجتمع السني الذي دفع حياته ثمنا وفداءا لهم..
أختم بأن اغتيال نصر الله هو حلقة من أهم حلقات التضامن السني الشيعي في وجه الاحتلال، ورب ضارة نافعة، فالذي حدث قضى تماما على فكرة (عمالة الشيعة لإسرائيل) والرائجة بكثافة في المجتمع السني، والتي صدرتها الدعاية الوهابية على مدار العقدين الماضيين لتبرير المجازر الطائفية، ولترسيخ قوة وسلطة ونفوذ الجهاديين الذين خرجوا من تحت عباءة الوهابية التكفيرية بالخصوص، وأجهزة الأمن الغربية بالعموم..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سامح عسكر “بتصرف”