أثبتت معركة الإسناد مدى أهميتها في إيلام العدو ورعاته، بل وما أحدثته من زلزال إستراتيجي، وبقدر هذا الألم كان هذا الصراخ الذي تمثل في العدوان الغاشم على لبنان، وبهدف معلن جديد ومضاف وهو “عودة مستوطني الشمال”.
لا شك أن معركة الإسناد وإصرار المقاومة على المضي بها دون خضوع لعصا أو لجزرة، كانت لها عوامل إستراتيجية ضاغطة، ولكن أهم العوامل تمثلت في حجز ألوية عسكرية بعيداً عن الجنوب والانفراد بغزة، والأهم في ما بدا من سلوك العدو، هو إخلاء وتهجير مستوطنات الشمال، والدليل هو أن العدو افتتح عدوانه بعملية تهجير للجنوب اللبناني عبر عملية جوية صنفت بأنها الأكبر في تاريخ الحروب ومرفقة بمنشورات وإنذارات بالإخلاء.
هنا نحن أمام مبارزة إستراتيجية كبرى لفصل الساحات ومحاولة تركيع المقاومة، ويأتي التهجير والتهجير المضاد كأحد أبرز معالمها، وهو تحد أعلنه سيد المقاومة شخصيًا لنتنياهو ووزير حربه عندما قال لهم، لا عودة لمستوطني الشمال قبل وقف العدوان على غزة.
وهنا نود إلقاء الضوء على خطورة هذا الملف وأهميته عبر عدة نقاط:
1- إخلاء مستوطنات “غلاف غزة” ومستوطنات شمال فلسطين المحتلة جعل معظم الصهاينة في منطقة غوش دان “تل أبيب ومحيطها باتجاه الجنوب”، يواجهون خطراً إستراتيجيًا وفقاً لتقييمات الأمن القومي الصهيوني، وخطرًا على الجبهة الداخلية عبر احتجاجات المستوطنين واتهامات السياسيين لنتنياهو بالعجز والفشل أمام المقاومة في هذا الملف.
2- مع اندلاع المواجهات وتوسع الصراع، ثبتت خطورة هذا التركز في المنطقة الحضرية مع الصاروخ “قادر-1” والذي تسبب في تفعيل صفارات الإنذار في منطقة “غوش دان”، وإذا ما أضيف وصول صواريخ الحزب لمستوطنات الضفة، فهو ما يعني أن الشعب الصهيوني كله دخل في دائرة الخطر الوجودي.
3- إضافة إلى العوامل المعنوية المتعلقة بضياع هيبة الكيان، والعسكرية بالاستنزاف المستمر والاستنفار لحماية الشمال، والسياسية بضغوط المهجرين والسياسيين وسط مناخ مليء بالانقسامات والمكايدات السياسية، فإن هناك أبعاداً اقتصادية لهذا الإخلاء.
ومن هذه العوامل ما أوردته تقرير صحيفة “كلكليست” الاقتصادية عن تعويض السلطات المحلية والسكان في المنطقة الشمالية، بمبلغ إجمالي قدره نحو مليوني شيكل (555 ألف دولار)، بينما قدر حجم الأضرار التي تتناولها هذه الطلبات بنحو مليار شيكل (28 مليون دولار).
ومنذ بداية المواجهة على الجبهة الشمالية حتى مايو 2024، تم تقديم 535 طلباً إلى ما يسمى بوزارة الأمن “الإسرائيلية”، للحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمساكن وبالبنية التحتية بسبب أنشطة الجيش “الإسرائيلي”، فما بالنا بعد ماحدث من توسيع للقصف ودخول الجليل الأسفل وحيفا ومنطقة “غوش دان” في دائرة استهداف المقاومة!
ويقدّر المسؤولون الأمنيون أن سكان المستوطنات المتضررة لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، إلا بعد مرور عام على انتهاء القتال، نظرًا للحاجة إلى ترميم الدمار، بحسب ما أفادت “القناة 12 الإسرائيلية”.
ناهيك عن أزمات التعليم والتزاحم في فنادق وسط الكيان وإجبار الكيان على توفير ملاجئ وأماكن بديلة للإقامة، والتقارير التي تفيد بأن المستوطنات “الإسرائيلية” الحدودية مع لبنان منذ بدء التصعيد تكبّدت خسائر في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، لا سيما مع خلوها من القاطنين فيها وتحولها لمواقع يتمركز فيها الجيش وآلياته، وتأثير ذلك في مساهمة المستوطنات في الاقتصاد الصهيوني المأزوم والذي لخصه تقرير “ذا كونفيرزيشن” الذي أشار إلى أن تدهور الوضع المالي في “إسرائيل” دفع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إلى خفض تصنيف البلاد، حيث خفضت وكالة فيتش درجة “إسرائيل” الائتمانية من A+ إلى A في أغسطس الماضي على أساس أن الزيادة في إنفاقها العسكري ساهمت في توسيع العجز المالي إلى 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، ارتفاعاً من 4.1% في العام السابق، كل ذلك وسط ترجيحات بتخفيض التصنيف الائتماني لكيان الاحتلال مرة أخرى.
وهنا فإن أميركا على عادتها في الخداع والمراوغة، سعت إلى استغلال نزوح أهالي الجنوب اللبناني لعقد صفقة ومسار جديد يربط بين غزة ولبنان، ظاهره صفقة مشتركة، وجوهره اتفاقات منفصلة لفصل الساحات وتحقيق الهدف الصهيوني من عدوانه.
ويظل موقف المقاومة ثابتاً، وهو المضي في المواجهة ومنع عودة مستوطني الشمال إلا بعد وقف الحرب في غزة، مهما كانت الانزلاقات. ولن يشكل نزوح أهالي الجنوب أو البقاع من بيئتها ضغطاً عليها لأن هؤلاء الأهالي والمقاومة جسد واحد ومعركتهم واحدة، بل هم من يحتضنون المقاومة ويطالبونها بالثأر ودك معاقل الكيان.
ـــــــــــــــــ
إيهاب شوقي