سئل الناطق الرسمي باسم البنتاغون عن مشاركة الإدارة الأمريكية في العملية الأمنية والإرهابية الخطيرة التي استهدفت حزب الله، ومن ثم انتهاك سيادة فكانت إجابته بأنه ليس لديه معلومات عن هذا، وأنّ ما يهم الولايات المتحدة في هذا الظرف الدقيق هو التزامها بمبدأ دعم إسرائيل، ومنع توسع المواجهة في شمال فلسطين إلى حرب شاملة.
لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تنفي ضلوعها المباشر في الحرب على غزة من جهة جهدها المتواصل في توسيع جبهة الإسناد الغربي للكيان. ولم تكن تتوقع أن يصل انكسار جيشه إلى هذا الحد، وكان أكثر ما يزعجها ويرعبها هو عجزه عن تحقيق كل ما ضبط من أهداف ومنها الهدفان الأساسيان: تحرير الأسرى والقضاء على المقاومة. ولم يكن منجز العدوان وحلفائه سوى مزيد القتل والتدمير لكل أسباب الحياة في غزة.
حشدت الإدارة الامريكية كل ما تملك وما يملك الأطلسي معها من قوة استخباراتية وتجسّسية (بريطانيا تحديدا) وتقنية عسكرية وأسلحة تدمير مرعب للوصول إلى قيادة المقاومة في غزة، ولكنها فشلت فشلا ذريعا.
ولم تكن تجهل اعتراف قيادات جيش العدو بحجم ما لحقه من تهشيم وتفكك. واقتناعها بلا جدوى مواصلة القتال في غزة أمام قدرة المقاومة على إعادة بناء نفسها. ولذلك صار همّ الإدارة الأمريكية البحث عن نجاحات لجيش الكيان تغطي بها على اخفاقه في غزة.
ووجدت الإدارة الأمريكية في محيط المقاومة وقوى إسنادها نقطة الضعف التي يمكن أن ترمم باستهدافها صورة الكيان والإيهام بقدرته على استعادة القدرة على الردع. فكان اغتيال العاروري و اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله في قلب الضاحية، واغتيال هنية في طهران وقبلها كان استهداف السفارة الإيرانية في سورية واغتيال الرئيس الإيراني…
عمليات صاعقة لا يمكن ألا تكون الإدارة الأمريكية وراءها. وهي عمليات تمت بدقة مخيفة يفسرها وجود تقنية غير مسبوقة عند الولايات المتحدة ويتم التكتم عنها. ونسبة العمليات إلى الكيان بغاية ترميم صورة للكيان، ومنع تطور الاخفاق إلى انكسار.
فالولايات المتحدة غير مستعدة للتعامل مع المنطقة خلوا من دولة الكيان الوظيفية. ولكن مثل عملية أمس الأول في لبنان لم تغطّ على تدهور معنويات جيش العدو، فتصريحات جنرالاته في الساعات الأخيرة حول وجودهم بغزة هي أقرب إلى رفع الراية البيضاء.
وتذهب بعض التقديرات إلى أنّ الغاية من عملية الكيان الأمنية المركبة توسيع دائرة الحرب. وهو هدف ناتنياهو الخاص الذي لا توافقه عليه الإدارة الأمريكية.
ولكن التدقيق في طبيعة العملية ينبه إلى أنها أكثر عملية تخدم منع توسيع الحرب. فقد أريد من خلالها شل قدرات حزب الله الاتصالية ومن ثم العملياتية، وكان لها أثر كبير على جهوزية الحزب.ورفع الضغط في الجبهة الشمالية جزء من استراتيجية الكيان.
ويمكن ملاحظة أنّ الولايات المتحدة بقدر ما كانت تتجنب في الظاهر توسيع المواجهة كانت تحرص على خوض حرب استنزاف وردع محيط المقاومة من الإذرع الإيرانية بما كان منها من ضربات أخيرة متتالية وموجعة.
أما رد حزب الله فيبدو محكوما بالاستراتيجية الإيرانية، وحجم عمليات اليومين الماضيين وآثارها على قدراته القتالية. وزاد استباق جيش الكيان بهجوم على قواعد حزب الله العسكرية قبل انطلاق العملية بنصف ساعة الأمر غموضا.
إذا رد حزب الله في وقت قياسي -وهذا مستبعد- فإنّ من شأن الرد وحجمه أن يعطيا صورة عن حقيقة العملية الأمنية وحجم تاثيرها على قوة حزب الله العسكرية.
والخلاصة أن الجيش/الكيان الذي انكسر يوم 7 أكتوبر ويهمّ قادته العسكريون برفع الراية البيضاء في غزة، زد على ذلك أنه أصبح غير قادر على ما ينسبه لنفسه من عمليات فقد صار مستطيعا بغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محمود أبو هلال