يعتبر الهجوم الذي استهدف أجهزة البيجر التابعة لحزب الله نموذجًا متقدمًا من العمليات الاستخباراتية المعقدة التي تدمج تقنيات الحرب السيبرانية والتلاعب المادي. لم يقتصر الهجوم على اختراق شبكات الحاسوب التقليدية، بل شمل استغلال سلسلة التوريد للأجهزة المستخدمة من قبل حزب الله. وفقًا للتقارير، جرى زرع متفجرات داخل هذه الأجهزة أثناء مراحل التصنيع أو التوزيع، مما يشير إلى عملية تلاعب دقيقة في البنية التحتية لهذه الأجهزة لتتحول إلى أدوات تفجير عن بُعد.
كما تم تفجير هذه الأجهزة عبر إشارات لاسلكية، مما يعكس نوعًا متقدمًا من الهجمات السيبرانية التي تستهدف اختراق شبكات الاتصال. هذه الهجمات لم تكن مجرد تعطيل للاتصالات، بل اعتمدت على إرسال إشارات تفعيل مباشرة لتفجير الأجهزة بعد تلقيها أوامر معينة. هذا الأسلوب يعتمد على استغلال نقاط الضعف في البنية التحتية للاتصالات وتوظيف التكنولوجيا للتحكم في الأجهزة عن بعد.
فالهجمات السيبرانية ليست جديدة، حيث تشبه هذه العملية الهجوم الذي استخدم في اغتيال يحيى عياش عام 1996 عبر تفجير هاتفه. في هذا السياق، الهدف لا يتوقف عند التدمير المادي، بل يشمل تعطيل الاتصالات وشل قدرات العدو في استخدام التكنولوجيا. وبالتالي، تُظهر هذه العملية أن الحرب السيبرانية قد تكون أكثر فتكًا من الحروب التقليدية، إذ يمكن أن تتسبب في تعطيل المنشآت الحيوية والمؤسسات بالكامل، مما يزيد من خطورة مثل هذه الهجمات على الأمن الوطني والمنشآت الحيوية
الهجمات السيبرانية: السلاح الخفي في النزاعات المسلحة وتأثيرها على المجتمعات الحديثة
وعرّف الباحث في القانون الدولي الانساني “Michael N.Schmitt” الهجمات السيبرانية بأنّها” تلك الاجراءات التي تتخذها الدولة من أجل الهجوم على نظم المعلومات للعدو وبهدف التّأثير والاضرار فيها، والدفاع عن نظم المعلومات الخاصة بالدولة المهاجمة”.
إذا ما تمّ تصنيف الحرب السيبرانية في إطار القانون الدولي الانساني بكونه نزاعا مسلّحا فهو إذا” عملية الكترونية سواءَ هجومية أو دفاعية يُتوقّع أن تتسبّب في اصابة أو قتل أشخاص أو الإضرار بأعيان أو تدميرها، وبالتّالي فإن الهجمات السيبرانية يمكن أن تكون أوسع نطاقَا من الحرب السيبرانية وقد تكون خارج الحروب وقد تكون سببا لبدء الحرب”.
ترتبط قوّة الهجمات السيبرانية بالمجتمعات التي بلغت أوج حداثتها، وتختلف عن الهجمات التقليدية ذلك لأنّ أدواتها تختلف عن الادوات المستخدمة في الحرب التقليدية، فالأخيرة تعتمد على الجيوش النّظامية ويكون الميدان الذّي تشن ضمنه الهجمات ظاهرا للعيان وملموسا على ارض الواقع والاطراف المتصارعة معروفة غالبا، أمّا الهجومات السيبرانية فهي غامضة ولا يمكن غالبا معرفة خلفّياتها أو حصر مجالاتها ومن يقف ورائها كما أنّها غير معلنة، فلا يعرف الضّحية أيّا من المنشئات الحيوية والمؤسسات التي يمكن أن تُستهدف.
ومن الأضرار التي يمكن أن تسبّبها الهجمات السيبرانية في إطار النزاع المسلح في القانون الدولي الانساني إعاقة الشعوب من التمتع بالخدمات العمومية اليومية كالمياه والكهرباء والخدمات الصحية والامنية، اختراق الحواسيب وتعطيل المشاريع وإعاقتها أو إفشالها، تدمير المحطات النووية والسدود …
أهمية الأمن السيبراني: الحماية الرقمية في مواجهة التهديدات المتزايدة
يشير مفهوم الامن السيبراني الى مختلف الآليات والتّدابير الهادفة الى حماية الانظمة والبرامج والشّبكات الرقمية من الهجمات السيبرانية التّي يمكن أن تُعطل سيرها أو تتمكّن من الحصول على معلومات خاصّة وحسّاسة أو التلاعب بها بتغييرها أو تدميرها لتحقيق مصالح معيّنة. ويمكن أن تستهدف هذه الهجمات السيبرانية اشخاص أو شركات وبنوك ومؤسسات لإفشال سير عملها أو مخطّطاتها.
والامن السيبراني يعدّ اليوم مجالا في غاية الاهمية خاصّة فيما يتعلّق بالتقنيات والوسائل التي تمكّن مختلف الاطراف (التي يمكن أن تقع ضحية الهجمات السيبرانية) من حماية برامجها الرقمية، فقد تطورت الهجمات السيبرانية لتصبح أكثر ابتكارا وتعدّدت تقنياتها حتى أصبحت طرق الحماية أكثر صعوبة.
إذ يرتبط وجود أمن سيبراني ناجح وفعّال بتعدّد طبقات الحماية بطريقة موازية لطرق الهجمات محتملة الحدوث، أي كل خاصية هجوم لها طريقة الرّدع الخاصة بها. كما ترتبط فعالية الامن السيبراني بجانب التكامل، فأنظمة وتطبيقات الحماية لا تكفي بمفردها للتصدي للهجمات السيبرانية، إذ يجب أن تتضمّن كل مؤسسة عملاء الحماية، البرامج، والتكنولوجيا الضرورية، وهذه العناصر هي مكوّنات نظام “إدارة التهديدات الموحّد ” UTM”(Unifiedthreat management) الموجودة داخل كل كيان مهدّد بالتّعرض الى هجوم سيبراني.
بالنسبة الى وظائف نظام “إدارة التهديدات الموحّد”، فهي تعمل على تأمين ثلاث عمليات رئيسية تتمثّل في:
الاكتشاف: كلما كانت هذه العملية سريعة الحصول قلّت فرص تحقيق الهجوم السبراني لغايته بطريقة مكتملة وكان الضّرر اقل.
التّحقيق: بعد مرحلة اكتشاف الهجوم السيبراني، تأتي عمليّة التّحقيق ليتمّ من خلالها التّعرف على نوعيته وخصائصه والثغرة التي مكّنته من اقتحام البرنامج أو النظام الرقمي، ويمكن اختصار هذه المرحلة في كونها عمليّة “دراسة الهجوم السيبراني”.
المعالجة: وهي المرحلة الاخيرة التي تحدث على ضوء التّحقيق في الهجوم السيبراني، ويتمّ خلالها التّخلص من أثار الهجوم والاضرار التي ألحقها بالأنظمة والبرامج الرقمية (التعافي من الهجوم السيبراني الغير مكتمل أو الناجج).
يضطلع عملاء الحماية بهذه الوظائف الثلاث، وهم مُطالبون قبل الانطلاق في عمليّة إدارة الهجوم السيبراني، بالقيام بالإجراءات الوقائية اللازمة من أي تهديد قد يطرأ على كل العناصر الرقمية، كوضع كلمات مرور قوية، تشفير الرسائل واستعمال تطبيقات أكثر حماية والتّحذير من الدخول في الاعلانات والتطبيقات المجهولة، نسخ البيانات التي تكون في غاية الاهمية بالنسبة للمؤسسة أو الدولة … في حد ذاتها أو أنّ هناك مصلحة من اختراقها بالنسبة لأطراف اخرى، أما الاهم فهو وضع مجموعة خطط متتالية (Plan B…، plan A) حتى إذا تمّ التعرض لهجوم سيبراني في غاية الخطورة لا تكون هناك خسائر جسيمة تحل بأنظمة العمل والبرامج، أي تكون هناك خطط بديلة لتستكمل عملها دون أضرار كبيرة، وهذه العمليات تلخّص مدى أهمية اختيار عملاء حماية في غاية الاحترافية لسد كل الثغرات المتوقّعة والتهديدات التي يمكن أن تلحق بالأنظمة والبرامج.
لا ينجح عملاء الحماية بهذه الادوار دون توفّر القاعدة التكنولوجيا الضرورية لتأمين الحماية من الهجمات السيبرانية، حيث أنّ عدم توفر برامج حماية الحواسيب من الفيروسات وتصفية “نظام اسم المجال” أو DNSـ الذي يتمّ من خلاله منع متصفّح الانترنت من الدخول الى المواقع المريبة أو عناوين IPبإظهار صفحة تشرح أنّ الموقع غير آمن ـ وكذلك البرامج التي تحمي البريد الالكتروني، يمكن أن يسهّل عملية الوقوع ضحية الهجمات السيبرانية بكلّ سهولة.
يستمد الامن السيبراني أهميته من الاضرار التي يمكن أن تنجم عن الهجمات السيبرانية، على المستوى الفردي، يمكن أن تتسبب في فقدان المعطيات الشخصية أو توظيفها لأغراض اخرى كسحب الاموال، التشويه، انتحال صفة الضحية، أو ابتزازه.
كما يمكن أن تكون الضحايا ايضا المؤسسات الكبرى للدولة كالمستشفيات والشركات المالية والمشاريع خاصّة في ظلّ هيمنة الرقمنة وبرامج الانترنت عليها وعدم ارتباطها ببرامج الحماية الضّرورية وعجزها عن مواكبة تطورات هذا النوع من الهجمات.
أيضا في ظل النزاعات المسلحة المعاصرة، تكتسب الأمن السيبراني أهمية متزايدة حيث أصبح جزءاً أساسياً من استراتيجيات الدفاع الوطنية. ومع تزايد الاعتماد على الأنظمة الرقمية والشبكات الإلكترونية، يمكن أن تتسبب الهجمات السيبرانية في تعطيل البنى التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى التلاعب بالبيانات الحساسة والمعلومات العسكرية. ومن خلال استهداف أنظمة المعلومات والاتصالات، يمكن للهجمات السيبرانية إحداث أضرار جسيمة توازي أو تفوق تأثير الهجمات التقليدية.
لذا، يعتبر تعزيز الأمن السيبراني أمراً حيوياً لحماية المعلومات الحيوية وضمان استمرار عمل المنشآت الأساسية، مما يسهم في الحفاظ على استقرار الأمن الوطني في أوقات النزاع. فالاستثمار في تقنيات الحماية المتقدمة، وتطوير استراتيجيات لمواجهة التهديدات السيبرانية، وتدريب الكوادر الفنية يصبح ضروريًا للتقليل من تأثير هذه الهجمات والحفاظ على القدرة على الاستجابة الفعالة للأزمات.
خلاصة:
الهجوم على أجهزة البيجر التابعة لحزب الله يمثل تطورًا متقدمًا في الهجمات السيبرانية، حيث يدمج بين تقنيات الحرب السيبرانية والتلاعب المادي. لم يقتصر الهجوم على اختراق الشبكات الحاسوبية، بل شمل أيضًا استغلال سلسلة التوريد للأجهزة. تم زرع متفجرات داخل الأجهزة أثناء مراحل تصنيعها أو توزيعها، مما حولها إلى أدوات تفجير عن بُعد. تم تفعيل المتفجرات عبر إشارات لاسلكية، مما يعكس نوعًا متقدمًا من الهجمات السيبرانية التي تستهدف اختراق شبكات الاتصال وتعطيلها.
هذا النوع من الهجمات يُظهر كيف يمكن أن تكون الحرب السيبرانية أكثر فتكًا من الحروب التقليدية، حيث يمكنها تعطيل المنشآت الحيوية والمرافق الأساسية بشكل فعال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صبرين العجرودي