من المؤكد أن العملية التي استهدفت لبنان هي من تخطيط المخابرات الخارجية والداخلية الصهيونية “المساد” و”آمان” والشباك” مع الجيش الصهيوني وعملائهم في الداخل والخارج، وأكيد أن هذه العملية ورائها الكثير من الخلفيات التي تبحث عنها إسرائيل.
فبعد العملية مباشرة لم تغفل إسرائيل عن جمع النتائج، وهي الأهم بالنسبة اليها هو تعداد الكم الهائل من المعلومات التي تحصلت عليها من وسائل التواصل الاجتماعي ومنها وجوه شبان مقاومين جرحى، وأسماء آخرين ممن تعاطفوا مع ضحايا الإستهداف وغيرها من المعلومات التي تمّ نشرها عبر وسائل التواصل الإجتماعي فهي تعتبر مصادر مهمة جدا لجمع المعطيات والمعلومات وتحليلها من قبل الكيان الصهيوني.
وبحسب الكثير من المحللين العسكريين والإستراتجيين هذا الكم الكبير من المعلومات والصور والأسماء، كان أحد أبرز أهداف العملية الأمنية الإسرائيلية، التي تهندسها شبكات المخابرات الصهيونية وعلى رأسها الموساد ويشرف على تنفيذها عبر طريقين:
الطريق الأول الإشاعات والفتنية عبر وسائل التواصل الإجتماعي:
وهو ابداع وتقنية صهيونية بإمتياز وقد استعملتها سابقا وخاصة في ما يسمى “الربيع العربي” و”عمليات التطبيع” إطلاق الجيوش الالكترونية لبث الشائعات والكذب الممنهج والفتنة أو التعاطف لجذب التفاعل ومشاركة الصور والاحداثيات وغيرها.
الطريق الثاني قوة رصد وتحليل المعطيات:
كذلك هذا الطريق هو الأهم بالنسبة للكيان الصهيوني في فلسطين وفي العالم العربي ومنها يكون تحليل كل المعلومات والإعتماد على “الذي يقال” أكثر مما “لا يقال” فلم تعد تكلف نفسها في مخاطر الجوسسة، فوسائل التواصل الإجتماعي المفتوحة أصبحت مهمة جدا فهي توفر “قاعدة معلومات” كبيرة جدا ويمكن تحصيلها في ساعة واحدة وبالتالي تعتمد على توظيف خلايا رصد لتحليل المعلومات والوقائع وايرادها بتقارير ترفع للقيادة الأمنية والعسكرية وحتى السياسية.
وبالتالي تعد وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً هاماً للمعلومات لدى الأجهزة الأمنية والاستخبارية في العالم. لكن الاستفادة القصوى منها وتجييرها لتخدم الهدف المنشود، تكون عادة، من نصيب الأكثر تفوقاً تكنولوجياً.
كما يعد اغفال هذا الجزء من خطة الإعداد المسبق لأي عملية أمنية أو عسكرية مفترضة، خاصة لدى كيان الاحتلال والأجهزة الاستخبارية الغربية، اخفاق قد يفشل جزءاً هاماً منها وهو تقييم الضرر الحاصل وقطف معلومات أمنية لن تتوفر بفرصة أخرى.
وتعمل هذه الخلايا على عدد من الوسائل:
الدعاية والمعلومات المضللة:
يعرف الكيان الصهيوني بقدرته العجيبة على الكذب والتضليل فهذا الكيان هو في حدّ ذاته “كذبة القرن” وأهم وسائله هي الدعاية على النشر المتعمد للمعلومات المضللة للتأثير على الرأي العام والسلوك. فهم يدركون جيدا قوة وسرعة وسائل التواصل الاجتماعي، فيمكن للحملات الدعائية الوصول بسرعة إلى جماهير كبيرة من خلال الإعلانات المستهدفة والحسابات المزيفة والجهود المنسقة لتضخيم بعض الروايات وخاصة بث الفتنة والكذب وهم يعلمون جيدا البسيكولوجيا العربية “العدو بالنسبة إليهم” أنه شديد التأثر بالشائعات ويقبل كثيرا الكذب ويتبناه فهي مجتمعات وشعوب عاطفية بالنسبة اليهم.
كذلك يمكن أن تنتشر المعلومات المضللة، بعد أن تتم مشاركتها دون نية خبيثة، بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما تغذيها الإثارة من جهة وطبيعة الحدث والطبيعة الفيروسية للمحتوى -أي الخوارزميات- عبر الإنترنت.
الوسيلة الثانية التجسس السيبراني والمراقبة:
التجسس على الأشخاص والمؤسسات والشخصيات المؤثرة التي عادة ما تكون لديها المعلومات وبالتالي يمكن استغلال منصات التواصل الاجتماعي للتجسس من خلال جمع البيانات المتاحة للجمهور والتسلل إلى حسابات المستخدمين ومراقبة الأنشطة عبر الإنترنت التي عادة ما يسيطرون عليها بالتكنولوجيا المتطوّرة. كما يمكن استخدام المراقبة على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات الاستخباراتية عن الأفراد والمنظمات والحكومات، وتوفير معلومات قيمة لتخطيط وتنفيذ حملات حرب المعلومات.
الوسيلة الثالثة وهي التركيز على العمليات النفسية:
يعلم العدو النفسية الهشة للطرف المقابل وخاصة الوضعية “العاطفية والنفسية” وبالتالي تستعمل مجموعة من عملائها وخاصة حسابات لمواقع التواصل الإجتماعي “الوهمية” وهي التي تروّج للمقاطع المثيرة التي تضرب مباشرة القدرة العاطفية والتحكم النفسي لدى الفئات الضعيفة وبهذه العملية تذهب الى الهدف مباشرة إلى التأثير على عواطف ومواقف وسلوكيات الجماهير المستهدفة حيث يصبحون ألعاب تتحكم بهم وخاصة تتحكم بردات أفعالهم.
وفي أغلب الأحيان تتضمن استخدام الرسائل المستهدفة والمحتوى المشحون عاطفياً والمعلومات المضللة للتلاعب بالتصور العام وزرع الفتنة والإنقسام. وغالباً ما تستغل هذه العمليات الانقسامات والتوترات الاجتماعية القائمة، وتضخيمها لتحقيق أهداف استراتيجية مهمة جدا وهي تركز عليها الإهتمام وتستخدمها كوسيلة ضغط على الطرف المقابل وبالتالي تضرب “العصافير” بحجرة واحدة.
كيف يحقق الكيان الصهيوني أهدافه؟
يحقق الكيان الصهيوني أهدافه عبر ثلاثة تقنيات يمتلكها وهو من يصنعها ويبتكرها وهي كالتالي:
شبكات الروبوت والحسابات الآلية:
الحسابات الوهمية أو كما يطلق عليها اليوم الحسابات الآلية كذلك تستعمل شبكات الروبوتات التي تعمل ليلا نهارا ومبرمجة بالأساس على تضخيم الرسائل ونشر المعلومات المضللة والتلاعب باتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي وبمصير شعوب ودول. كما يمكن لهذه الروبوتات أن تخلق وهم الدعم الواسع النطاق لرواية أو قضية معينة، مما يؤثر على التصور العام والتغطية الإعلامية.
التزييف العميق عبر الذكاء الإصطناعي:
استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور ومقاطع فيديو وصوت واقعية ولكنها خاطئة. يمكن استخدام هذه التقنيات لتلفيق الأدلة وانتحال شخصية الأفراد ونشر معلومات كاذبة. تشكل تقنية التزييف العميق تحديات كبيرة لاكتشاف المعلومات المضللة ومواجهتها، حيث يمكن أن تكون مقنعة للغاية ويصعب تمييزها عن المحتوى الحقيقي. وفي انتظار كشف الحقيقية يكون الأمر قد أصاب الهدف و”اندلع الحرق”.
التلاعب الخطير عبر تقنية اختطاف الهاشتاغ والتلاعب بالاتجاه:
يمكن لهذه التقنية تعطيل المحادثات وإرباك الجماهير واختطاف اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي يعني تصبح وسائل التواصل الإجتماعي تسبح ضدّ التيار وضد المصلحة العامة ويتمّ التلاعب بها الى حدود تخلق مجموعة أعداء وهم لا يدرون وكأنهم “روبوتات” لا يفكرون. كما يتم التلاعب بهذا الامر عبر استخدام الجهود المنسقة، بما في ذلك شبكات الروبوت ومزارع المتصيدين، للترويج لعلامات تصنيف وروايات محددة، مما يخلق مظهراً للشعبية المرتبكة.
تحديد المواقع الجغرافية للإستهداف والتركيز على اللغة
يختار الكيان الصهيوني والعدو بصفة عامة تحديد المكان أي الجغرافيا التي سيتحرك فيها، إذ يتضمن الاستهداف الجغرافي تصميم حملات حرب المعلومات لمناطق جغرافية محددة، واستغلال القضايا المحلية والفروق الثقافية الدقيقة والضغط عليها لزيادة النجاعة والفعالية وضمان السيطرة خاصة.
كذلك العدو اليوم يركز كثيرا على مسألة اللغة التي تعتبر من أهم وسائل التكتيك، وتتضمن التكتيكات الخاصة باللغة إنشاء محتوى بلغة ولهجة الجمهور المستهدف، باستخدام التعابير والمراجع المحلية لتعزيز المصداقية والتأثير. تسمح هذه الاستراتيجيات للجهات الفاعلة بالتواصل مع مجموعات سكانية محددة والتأثير عليها بشكل أكثر فعالية.
الخلاصة:
وفي الخاتمة يجب الإنتباه من عدو هو من خلق هذه التقنيات والوسائل من أجل السيطرة على الفكر العام ورسم خارطة جيواجتماعية وجيوسياسية عالمية ليبقى هو الطرف المهيمن على شعوب العالم، وقد نجح في ذلك في مستويات معيّنة. ولكن اليوم أصبحت اللعبة مكشوفة بل وانقلبت على العدو الصهيوني ورجعت عليه وصفعته في العديد من المرات وخاصة بعد طوفان الاقصى الذي اطاح بورقة التوت ولم تنفعه التكنولوجيا ولا الروبوتات بل أصبحت كل الأوراق اليوم على الطاولة وانكشفت الحقيقة وتعرفت شعوب العالم على الوجه البشع وحقيقة الكيان الصهيوني المحتل ومن ورائه أمريكا والغرب.
ولكن لا يجب أن نشيطن كل رواد التواصل الإجتماعي فهناك من ليست له أية نية ولا خلفية وبغض النظر عن نوايا الناشرين والمتفاعلين مع الحدث، فإن عدم التصرف بوعي، والانجرار وراء الاخبار المغلوطة أو تجيير وقائع الحدث لبث الرعب أو الفتنة، أو الكشف عن معلومات أمنية وشخصيات حساسة، فإن النتيجة واحدة، وهي إنجاح عملية العدو وأهدافه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتورة بدرة قعلول
رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية