يوماً تلو الآخر يشتدُّ الخِنَاقُ على الاقتصاد الصهيوني والوضع المعيشي بشكل عام؛ لتطالَ الأزمةُ غالبيةَ مفاصل العدوّ ومستوطنيه. حَيثُ ترتفع الأسعار من جهة ويزداد العرض البائر من جهة، في تناقض عجيب يكشف الحال الذي وصل إليه الكيان الصهيوني، غير أن المصائب هذه المرة لا تأتي فرادى؛ فالشيكل يسجل تراجعاً جديدًا، والتضخم يسجل تقدماً، والعدوّ يخفِّض من توقعه الإنمائي للفترة المقبلة؛ ما يجعل حكومة المجرم نتنياهو محاصَرَةً من عدة جهات في الداخل، أما في الخارج فَــإنَّ الضرباتِ القادمةَ تبدو أكثر إيلاماً، خُصُوصاً وأن الذكرى الأولى للسابع من أُكتوبر، تطرق الأبواب، وقد تحملُ معها مفاجآت وصفعات تفقد العدوّ توازنه نحو السقوط.
بعد مرور أسبوع مليء بالسقطات الاقتصادية تمثلت في عزم نصف الشركات العاملة في القطاع التكنولوجي على المغادرة من فلسطين المحتلّة، وارتفاع نسبة هروب المستثمرين إلى أكثر من 60 % وجدل داخلي واسع حيال تصاعد العجز وارتفاع الموازنة، سجلت عملة العدوّ “الشيكل” تراجعاً جديدًا أمام الدولار بنسبة 1 % ليبلغ قيمة الأخير 3.74 شيكلات، في حين قفز اليورو بنسبة 1.3 % ليصل 4.16 شيكلات، وذلك على وقع الأزمات المتلاحقة، والمصاحبة لتوترات سياسة وصراعات داخلية بين مسؤولي العدوّ.
وذكرت وسائل إعلام صهيونية أن سبب هذ التراجع هو ازدياد الحال سوءًا بالنسبة للوضع الداخلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، في حين أكّـدت أن التهديداتِ المتصاعدةَ لعمق العدوّ الإسرائيلي فاقمت من الأزمات وسرّعت من انهيار القطاعات الحيوية والاقتصادية، في إشارة إلى الضربات اليمنية واللبنانية التي تطالُ عُمْقَ فلسطين المحتلّة وتهز معها كافة أركان الكيان.
وفي إطار توالي الأزمات على كيان العدوّ، ارتفع معدل التضخم في الشهر الماضي إلى أعلى معدل له، جراء استمرار العدوان على غزة وما يرتدُّ على إثره من عمليات موجعة تنفذها المقاومة، فيما تمثل جبهات الإسناد اليمنية اللبنانية العراقية عواملَ أكثر ضغطاً على العدوّ.
ووفق صحف صهيونية، فقد ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 3.6 % الشهر الماضي من 3.2 % في يوليو، وهو أعلى مستوى له منذ أُكتوبر الأول الماضي. وإزاء ذلك ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة أعلى من المتوقع بلغت 0.9 % في أغسطُس مقارنة بيوليو، حَيثُ ارتفعت تكاليف المنتجات الطازجة بنسبة 13.2 %، والأغذية والإسكان بنسبة 5.3 % والنقل بنسبة 2.8 %والتعليم والترفيه بنسبة 0.5 %، وعقود الإيجارات بنسبة 2.6 %.
وفي ذات السياق، أعلنت ما تسمى “الهيئة المركزية للإحصاء” عن تحديث بيانات النمو للربع الثاني، مشيرة إلى أن النمو كان أقل مما تم نشره سابقًا، حَيثُ بلغ 0.2 % فقط؛ مما يعكس نموًا سنويًّا ضعيفًا بنسبة 0.7 %، في حين أن مراقبين يؤكّـدون أن هذه الأرقام الضعيفة تزيد من الضغط على الاقتصاد “الإسرائيلي” وتسهم في ضعف الشيكل أكثر وأكثر؛ ما يجعل العدوّ مقبلاً على مراحِلَ جديدة من الانهيارات الاقتصادية وما يترافق معها من تصدعات داخلية.
ويأتي هذا الانخفاض في النمو بعد أن توقعت وزارة المالية الصهيونية في وقت سابق انخفاضاً حادًّا في معدل النمو، مبرّرةً ذلك بظروف الحرب؛ أي في إشارة إلى تداعيات عمليات المقاومة وجبهات الإسناد، فيما يشار إلى أنه تم خفض التصنيف الائتماني للعدو لأول مرة في تاريخه، وارتفعت عائدات سندات الحكومة بالعملة المحلية بشكل كبير مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية، وذلك يعكس نتائج الخلل الكبير في طاع المستثمرين، وتحَرّكات أصحاب رؤوس الأموال نحو الهروب.
العقاراتُ بين الغلاء و “البوار”.. متناقضاتٌ تكشفُ سوءَ حال العدو:
إلى ذلك، تصاعدت للعلن انعكاساتُ الاختلالات الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والتي خلقتها عملياتُ المقاومة الفلسطينية، وجبهات الإسناد في اليمن ولبنان والعراق، حَيثُ يشهد سوق العقار الصهيوني بواراً غيرَ مسبوق، في مؤشرات تؤكّـد تقلص الكتلة السكانية الغاصبة التي استقدمها العدوّ من مختلف البقاع؛ أي أن معدلات الهجرة العكسية والعزوف عن السفر إلى أراضي فلسطين المحتلّة، كانت أبرز إفرازات تلك الاختلالات؛ ما جعل سوق العقارات الصهيونية يتمرجح بين متناقضات عجيبة، حَيثُ يتراوح هذا السوق بين الغلاء غير المسبوق والبوار الأكبر منذ نشأة الكيان.
ونشرت صحيفة “غلوبس” الصهيونية تقريرًا جديدًا أكّـدت فيه أن المعروض من المنازل غير المبيعة بلغ ذروته في “إسرائيل” لكن الأسعار ترتفع بشكل حاد، متسائلةً: “لِمَ هذا التناقض الكبير؟”، في حين يضع هذا التساؤل حكومة العدوّ أمام العديد من علامات الاستفهام، فوصول الحال إلى البوار والغلاء يؤكّـد سوء الحال وانعدام الحيلة.
ولفتت الصحيفة الصهيونية إلى أن كُـلّ التساؤلات تتمحور حول إجَابَة واحدة وسبب واحد وهو استمرار عمليات المقاومة وجبهات الإسناد والقصف على البلدات والمدن المحتلّة. وبيَّنت أن أسعارَ المساكن ارتفعت بنسبة 5.8 %، مؤكّـدةً أن المؤشراتِ تؤولُ إلى استمرارية ارتفاع أسعار المساكن، مع استمرارية ارتفاع نسبة الطلب، معللةً ذلك بسقوط الحكومة بين العديد من المتناقضات والمفارقات.
ونقلت الصحيفة عن وحداتٍ صهيونية متخصصة، قولها: إن عدد وحدات الإسكان الجديدة غير المبيعة تجاوزت 70 ألف وحدة سكنية. وهنا تأكيد على حجم العزوف عن القدوم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ومن جهة أُخرى تأكيد على ارتفاع وتيرة الهجرة العكسية، لا سيما أن إحصائيات صهيونية “رسمية” أكّـدت في وقت سابق أن أكثر من نصف مليون مستوطن غادروا فلسطين المحتلّة وقد لا يعودون أبداً.
وقالت “غلوبس”: إنه “منذ تسعينيات القرن العشرين على الأقل، لم تشهد “إسرائيل” مثل هذا العرض الضخم من المنازل الجديدة غير المبيعة، ورغم ذلك، ترتفع الأسعار إلى الأمام بشكل لا يمكن السيطرة عليه”. وطالبت حكومة العدوّ بسرعة وضع الحلول اللازمة لموجة الغلاء غير المسبوقة، والتي تأتي في ظل كساد متصاعد داخل معظم القطاعات.
يشار إلى أن هذه الاضطرابات الاقتصادية المتلاحقة، تأتي على وقع ارتفاع نسبة هروب المستثمرين، ووتيرة إغلاق الشركات المتوقع بلوغ عددها 60 ألفاً بحلول نهاية العام، وانهيار معظم القطاعات الحيوية الصهيونية كقطاع الصادرات والواردات المشلول بفعل العمليات اليمنية؛ ما يترتَّبُ على ذلك من انسحاب أهم موارد الاقتصادية وفي مقدمتها قطاع التكنولوجيا والصناعات الكهربائية وتجارة السيارات.
وبما أن هذه الأزمات تتصاعد كُـلّ اليوم، فَــإنَّ مراقبين يتوقَّعون المزيدَ من الأزمات الاقتصادية في ظل تصاعد التهديدات على العدوّ، خُصُوصاً التهديدات القادمة من اليمن، حَيثُ يمثل دخول صاروخ “فلسطين2” إلى خط المعركة، إضافة نوعيةً لها آثارُها السلبية على العدوّ، لا سِـيَّـما أن الضربةَ الأولى أَدَّت إلى خلوِّ البلدات المحتلّة من مليونَي صهيوني اتجهوا للملاجئ؛ أي أن الضرباتِ القادمةَ ستقودُهم إلى الهروب من فلسطين المحتلّة، ومعهم المزيد والمزيد من أصحاب رؤوس الأموال الذي عبَّروا عن قلقهم من هذه التهديدات؛ وهو ما يجعلُ العدوّ على موعد مع جُملةٍ من المصائب والأزمات.