يمكن القول إن أكثر الدلالات أو الرسائل التي تحملها عملية يافا اليمنية اليوم 15 سبتمبر 2024 كانت الفشل الأمني الذريع لأنظمة الاعتراض التي يتفاخر العدوّ بامتلاكها.
بحسب إعلان القوات اليمنية، نُفّذت العملية بصاروخٍ باليستيّ جديد فرط صوتي نجح في الوصول إلى هدفه، بينما أخفقت دفاعات العدوّ في التصدّي له، قاطعًا مسافة تقدّر بـ 2040 كم، خلال 11 دقيقة ونصف الدقيقة.
سريعًا أقرّت أوساط العدوّ بذلك وأشار الخبير الأمني “الإسرائيلي” البارز يوسي ميلمان إلى أنه “على الرغم من استغراق رحلة الصاروخ حوالي 20 دقيقة، إلّا أنه اخترق المجموعة الكاملة المتعددة الطبقات من منظومات الدفاع الجوي “حيتس” و”مقلاع داود” والقبة الحديدية والطائرات وأنظمة التشويش”.
موقع “والا” فصّل أكثر فيما حصل، فأفاد أن أقمار التجسّس “الإسرائيلية” والأمريكية التي يفترض أن تتعقب مواقع الإطلاق المحتملة باليمن فشلت في رصد الصاروخ، وأضاف “كان يفترض أن تلتقط الأقمار الصناعية الأمريكية الحرارة الكبيرة الناتجة عن محرك الصاروخ وأن يبلغ الجيش “الإسرائيلي” بذلك. كان يفترض أن ترصد رادارات سفن البحرية الأمريكية و”الإسرائيلية” بالبحر الأحمر الصاروخ وهو في طريقه إلى “إسرائيل”، كما كان يفترض رصد الصاروخ من قبل رادار “إكس” البعيد المدى في النقب الذي يشغله جنود أمريكيون أو رادار نظام “آرو”.
موقع “يديعوت أحرونوت” أكد من ناحيته أن الصواريخ الاعتراضية التي أطلقت لم تُصِب الصاروخ الذي سقط بالقرب من اللد. وتحدّث إعلام العدوّ عن وصول الصاروخ اليمني إلى يافا “تل أبيب” بعد اختراقه الدفاع الجوي “الإسرائيلي” والمجال الجوي لعدد من الدول العربية في الوقت نفسه.
مراسلة القناة 13 “الإسرائيلية” قالت إن زمن الرحلة المطلوب لصاروخ باليستي لقطع مسافة نحو ألفي كيلومتر حوالي 15 دقيقة، غير أن الأمر استغرق وقتًا طويلًا جدًا للتعرّف عليه واعتراضه، وسألت “في أيّ مرحلة تمّ اكتشاف الصاروخ؟ هل كان الوقت قد فات بالفعل لإجراء اعتراض ناجح عندما تعلّق الأمر بصاروخ باليستي ثقيل بعيد المدى؟”.
هذا التقصير دفع بجيش الاحتلال إلى فتح تحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ.
من المتوقع والمحسوم أن تمتلئ الصفحات الإخبارية في كيان العدوّ بالتحليلات والتصريحات التي تلوم جيش الاحتلال بسبب ما حدث، وماخلّفه هذا التقاعس في أوساط الصهاينة من أضرار مادية وصدمات وخسائر وتدمير سيظهر تباعًا.
ماجرى اليوم حُكمًا له آثاره المباشرة على صورة الكيان العسكرية التي باتت مُهشّمة أكثر من أيّ وقت مضى، لكن لا بدّ من التوقف عند نقطتيْن رمزيتيْن في هذه العملية ربّما أرادت القوات اليمنية أن تلفت الأنظار إليهما:
* استخدام اسم مدينة يافا الفلسطينية للمرة الثانية، بعد طائرة يافا، ما أدّى إلى حدوث صدمة في الكيان حينها. واليوم، تعلن القوات نفسها مرة جديدة عن قصفها لهدف عسكري معادٍ في يافا.
* الحرص على القول في البيان الرسمي إن أكثر من مليوني مستوطن صهيوني دخلوا إلى الملاجئ للمرة الأولى في تاريخِ الكيان، ما يعني مدى تأثير وقوّة اليمن في معركة إسناد غزّة، ليصل التهديد إلى الكيان برمّته، ما يجزم بأنه عامل ضغط كبير وهائل في كلّ هذه الحرب.
وفي البيان أيضًا إشارة جليّة إلى أن القوات اليمنية استخدمت صاروخًا باليستيًّا جديدًا، فرط صوتي، استطاع اجتياز مسافة طويلة بلا عوائق ليبلغ وُجهته بنجاح. هذا يعني قدرة يمنية مُتعاظمة على التطوير بدافع واحد وعلنيّ: “إضعاف العدوّ وتدمير كلّ بروباغندا تفوّقه الأمني وإيلامه والتسبّب بخسارته عسكريًا وماديًا مع استهلاك وهدر عدد كبير من الصواريخ الاعتراضية “الإسرائيلية” بلا نتائج مُحقّقة“.
أمّا في التوقيت، فيبدو تمسّك القوات اليمنية بالعقيدة الإيمانية التي تحكم وتُظلّل مسيرة مواجهة الاستكبار المتمثّل بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني ونصرة الإسلام، وهو ما ظهر من خلال اختيار ذكرى المولد النبوي الشريف كموعد لتنفيذ العملية، تكريسًا لنهج الجهاد في سبيل الله الذي يواظب قائد أنصارالله السيد عبدالملك الحوثي على الحثّ عليه في كلّ خطاباته.
يتّضح اذًا أن جبهة المقاومة بتفرّعاتها من غزّة إلى جنوب لبنان إلى اليمن والعراق وضعت عُمق الكيان نُصب أعينها. “تل أبيب” اليوم في مرمى النيران. اليمنيون استهدفوها مرتيْن، ومهروا بصمتهم في تموز الماضي واليوم في 15 أيلول. حزب الله يلاحق الوحدات الأمنية للعدو في العُمق المحتل ويُدرج أهدافًا جديدة على جدول نيرانه من المقرات العسكرية إلى المستوطنات وصولًا إلى حيفا وصفد، والمقاومة الفلسطينية بدورها تُثبت أن مرابضها ما تزال قادرة على ضرب “تل أبيب” ومستوطنات أبعد من غلاف غزّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لطيفة الحسيني