ألقى السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، اليوم الأحد، خطاباً بمناسبة المولد النبوي الشريف تحدث فيها عن الشخصية الجهادية للرسول محمد صلوات الله عليه وآله، وكيف واجه مشركي العرب ومجتمعات اليهود والدول العظمى في ذلك الوقت المتمثلة بإمبراطورية الروم وكيف انتصر الرسول الأعظم على كل التحديات والصعوبات التي واجهته.. كما تحدث السيد عن تميز الشعب اليمني في إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف.
وأوضح السيد أن إحياء شعبنا اليمني لمناسبة المولد النبوي الشريف يأتي من باب الاعتراف بمنة الله وفضله علينا بأن كرمنا وبعث إلينا خير مخلوق على الأرض لإنقاذنا من الظلمات إلى النور كما يقول الله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.
وأوضح السيد أن الإحياء العظيم للمناسبة هو من مظاهر الابتهاج والتقدير لنعمة الله والاعتراف بفضله ومنته، موضحا أن المرحلة التي سبقت مولد رسول الله كان الضلال قد عم المعمورة، وظلمات الجاهلية قد استحكمت، والجور قد ملأ الدنيا، والفساد قد انتشر وتحول المجتمع الى مروجين للضلال وساعين في الأرض فسادا وأطبقت الجاهلية الجهلاء بظلمها وظلماتها على كل المجتمعات بمختلف أديانها وطال عليهم الأمد وتطاول عليهم العمر وأصبحت الأباطيل سلوكا متجذرا وعادات اجتماعية محمية من قوى الطاغوت المستكبرة.
ولفت السيد إلى أنه في ظل ذلك الواقع كان الأمل الوحيد للخلاص والإنقاذ للبشرية من ضياعها وضياع مستقبلها هو ما بقي معروفا ومأثورا من بشارة الأنبياء بالنبي الخاتم الذي ظهرت ارهاصات قرب مولده في تلك المرحلة المعتمة بالظلمات.. مضيفا أن قوى الطاغوت كانت تسعى للحيلولة دون تحقق الخلاص ومنع تحقق الوعد الإلهي فقامت بحملتها الاستباقية لوأد المشروع الإلهي وتحرك حينها الجيش الحبشي الموالي للرومان ومن معه من مرتزقة العرب في حملة أصحاب الفيل باتجاه مكة بهدف هدم الكعبة والسيطرة على الوضع هناك بما يمنع ظهور النور الإلهي ولكن بحمد الله فشلت حملتهم ودمرهم الله تدميرا.
مولد النبي الأعظم
وأوضح السيد أنه في عام الفيل ولد رسول الله محمد بن عبدالله صلوت الله عليه وآله ونشأ يتيما بعد وفاة والده ثم من بعد ذلك وفاة والدته فرعاه الله برعايته ووفر له رعاية مميزة ونشأ نشأة مباركة وفريدة تفوق كل جهد بشري تربوي ولم يتدنس بشيء من دنس الجاهلية وارتقى في سلّم الكمال الإنساني بإعداد إلهي بالمهمة العظيمة المقدسة .. مضيفا أنه وفي تمام الـ40 من عمره ابتعثه الله بالرسالة وأنزل عليه القران الكريم المعجزة الخالدة الذي يحتوي رسالة الله ويتضمن خلاصة كتب الله السابقة وفيه الهداية الكافية للناس إلى قيام الساعة.
وأضاف السيد القائد أن الرسول صلوات الله عليه وآله بدأ حركته في مكة وعلى مدى 13 عاما ثم هاجر الى المدينة حيث لم يتوفق مجتمع مكة بالشرف المهم في احتضان الرسالة الإلهية ولم يؤمن معه الا القليل بعد أن أثرت عليهم الزعامات المستكبرة التي أصرت على الضلال.
قوى الطغيان تتحرك ضد الرسول
ولفت السيد إلى أن رسالة الله هي رحمة لكل الناس وفيها الخير لهم جميعا إن هم آمنوا بها وقبلوها وهي نور يسموا بالإنسان في أخلاقه وفي كل مسيرة حياته ويترتب على الايمان بها خير الدنيا والآخرة إلا أن قوى الشر والاجرام المستكبرة وزعامات الفساد والطغيان اتخذت موقفا عدائيا ضد الرسول والقران وسعت لمحاربة الإسلام بكل الوسائل والأساليب بما في ذلك الدعايات الكاذبة والحرب الاقتصادية والاستهداف العسكري وكانوا مغرورين بما لديهم من إمكانيات وطمعوا بالقضاء على الرسالة بالنظر إلى محدودية إمكانيات الرسول ومن معه من المؤمنين فاعلنوا الحرب على الرسول والمسلمين ومارسوا التعذيب والاضطهاد وحاولوا الاغتيال لرسول الله إلا انهم فشلوا.
وأضاف السيد أن الرسول الأعظم هاجر من مكة إلى المدينة حيث المجتمع الذي حظي بشرف الإيواء لنبي الإسلام وهم الأوس والخزرج اليمانيون الذين سماهم الله بالأنصار وكانت الميزة لهم أنهم أسلموا وحملوا راية الإسلام واحتضنوا المشروع الإلهي فتكون المجتمع الإيماني من مجتمع الأنصار بقيادة الرسول في المدينة بينما كانت البيئة المحيطة بهم من العرب بيئة معادية وكان الاستهداف لهم من كل الفئات التي حاربت الإسلام والمسلمين وكانت الأمور تتجه بشكل واضح نحو الحرب العسكرية بعد أن فشل الأعداء بالقضاء على الإسلام بالوسائل الأخرى.
الله يأذن بالجهاد
وأوضح السيد القائد أن الأعداء لرسول الله لحقدهم الشديد ولرهاناتهم على إمكانياتهم الضخمة اتجهوا لحرب الرسول، لكن الله أتى بالأمر لنبيه بالجهاد والتحرك في الميدان العسكري للتصدي للطاغوت وكسر شوكة الاستكبار، لافتا إلى أن الصراع مع كونه حالة واقعية على مدى التاريخ إلا أن الجهاد في سبيل الله كان له مميزاته الراقية التي تجلت في الأداء الجهادي في قيادة رسول الله على أرقى مستوى في مبادئه وقيمه وأخلاقه وأهدافه لأن القضية التي يحملها الرسول هي أسمى قضية هي نور الله وهديه المبارك هي الحق في مواجهة الباطل والخير في مواجهة الشر والعدل في مواجهة الظلم.
الرسول في مواجهة الكفر والطغيان
وأوضح السيد أن الأداء الجهادي للرسول والتحرك الميداني كان بأمر من الله، مضيفا أن الرسول الأعظم واجه مختلف فئات الكفر والشر التي أعلنت حربها على الإسلام من مشركي العرب واليهود وصولا إلى المواجهة مع امبراطورية الروم (الدولة الكبرى في تلك الفترة) وحقق الله لنبيه والمسلمين الانتصارات الكبرى والتنكيل والفتوحات العظيمة وتجاوزوا التحديات وتهاوت قوى الكفر واحدة تلو أخرى بالرغم من إمكاناتها الكبرى وما بذلت من جهد لمحاربة الإسلام.
وفيما يتعلق بالتحديات التي واجهها الرسول فأوضح السيد أنه تجمع آنذاك خبث اليهود ومكرهم وغدرهم من جهة مع شراسة المشركين من المجتمع العربي الذي كان معروفا بالقتال العنيف والتوحش الى درجة وأد البنات والتمرس على القتال الدائم والاعتياد على القتل والسلب والنهب كسلوك اعتيادي ولكنهم فشلوا جميعا حتى عندما وصلت المواجهة مع إمبراطورية الرومان بما ثمله من قوة كلهم فشلوا وكانت نتائج مؤامراتهم ومكائدهم وحروبهم ضد الرسول والمسلمين هي انتصار المسلمين إلى درجة أن أصبحوا قوة فعالة حاضرة في الساحة العالمية وفي الصدارة بين الأمم ، متميزة برسالتها المقدسة.
الرسول القدوة
ولفت السيد إلى أن الله خلّد المسيرة الجهادية للنبي محمد في القرآن الكريم لتبقى درسا للإسلام بما فيها من مواقف والتقييم للأداء في حالات الانتصار و الإخفاق في المعارك، مضيفا أن حديث القرآن شمل وقائع غزوة بدر الكبرى وأحد والأحزاب ووقائع أخرى من المواجهات وصولا الى فتح مكة المكرمة والمواجهات مع اليهود بمختلف تجمعاتهم المواجهة للإسلام في بني النظير وبني قينقاع وخيبر وفدك والعوالي ووادي القرى وغيرها وكذلك المواجهة مع الرومان في مؤته وتبوك التي تحقق فيها نتائج مهمة مهدت للفتوحات الكبرى فيما بعد.
وأضاف السيد أن النبي صلوت الله عليه وآله واجه أيضا جبهة النفاق التي كانت تخلخل الصف الإسلامي من الداخل بعد أن أتى الله بالأمر في اتخاذ الموقف الحاسم في قوله تعالى” يأ أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم” فشن الرسول عليهم حملة كبيرة لفضحهم وإبطال تأثيرهم في الساحة وافشال مساعيهم وكان سقف الإجراءات التي اتخذها الرسول ضدهم عاليا الى حد قوله تعالى” : لئن لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لغرين بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وتقلوا تقيلا”.
الدروس الهامة من سيرة الرسول:
وتطرق السيد القائد إلى الدروس العظيمة الملهمة الهادية من مسيرة رسول الله الجهادية الكفيلة بالارتقاء بالمؤمنين من واقعهم المؤسف الذي وصل الى الذلة أمام اليهود الذين ضرب عليهم الذلة والمسكنة، ومن أهم الدروس:
– ضرورة التمسك بالقضية المقدسة في حمل رسالة الله وحمل راية الإسلام الموعود بالظهور والغلبة والتحرك وفق تعليماته كما قال تعالى: ” ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.
– الثقة بالله تعالى والتوكل عليه في مواجهة التحديات والمخاطر كما أمر الله نبيه فقال له ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾.
– الروح المعنوية العالية والاستعداد للتضحية في سبيل الله كما قال ﴿۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ موضحا أن أهم عامل في ذلك هو الانطلاقة الإلهية التي يحظون معها بالدعم الإلهي .
– البصيرة العالية والوعي واليقين بما في ذلك الوعي عن الأعداء بمختلف فئاتهم وطبيعة الصراع معهم وعوامل النصر وأسباب الهزيمة وفي القران البصيرة الكافية كما قال الله ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾.
– الصلابة والصبر والثبات في مواجهة التحديات كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
– الاستقامة والتقوى لله والاهتمام العملي والجد والمثابرة والمسارعة كما قال الله: ((اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
– الحكمة والرشد والأخذ بالأسباب وحسن تقدير الموقف والإدارة الصحيحة في الأداء على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي فكان لكل خطوة من خطوات الرسول ترتيباتها وطريقتها ما بين أحد والخندق وبني النظير وخيبر وما بين غزوة الحديبية وفتح مكة وحنين ومؤتة وتبوك وما بين السرايا الى مناطق كثيرة والعمليات الاستباقية والهجوم المباغت فسيرة رسول الله الجهادية كانت اعظم قصة نجاح في التاريخ لأعظم قائد وقدوة وباقل تكاليف على مستوى الخسائر المادية والبشرية ولصالح اعظم مشروع.
وأكد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن الاتباع والتأسي بالنبي صلوات الله عليه وآله بقدر ما هو التزام ايماني هو طريق النجاة والفلاح وصلة برحمة الله ورعايته قال تعالى ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ .