مقالات مشابهة

صعود القوات اليمنية.. قراءة لتطوّرات العمليات البحرية الأخيرة

تصاعدت وتيرة العمليات اليمنية في الآونة الأخيرة، وتنوّعت في التكتيك ما بين القصف المباشر بالصواريخ والمسيّرات، والاقتحام المباشر عبر وحدات الكومندوز في البحرية اليمنية، فيما من المتوقّع أن تتطوّر العمليات وتتصاعد من دون أدنى تأثّر أو تراجع بأيّ “حسابات سياسية أو خيارات أخرى” كما أعلن ذلك صراحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.

ويبقى الثابت الوحيد أنّ العمليات اليمنية إسنادية بالدرجة الأولى لفلسطين، ولا تستهدف سوى السفن المرتبطة بـ “إسرائيل” أو تلك التي تنتهك قرار حظر الملاحة إلى موانئ فلسطين المحتلة.

ما يؤكّد تصاعد العمليات البحرية اليمنية في الفاعلية وقوة التأثير- ذلك النشاط المكثّف للقوات المسلحة اليمنية مطلع الشهر الجاري، وخلال شهر أغسطس الماضي، بتنفيذ عشر عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن، آخرها ما أعلنته القوات المسلحة اليمنية من استهداف سفينة يونانية تدعى “بلو لاغون ون” في البحر الأحمر، وهي واحدة من أبرز عملياتها التي تؤكّد تصاعد نشاطها العسكري في دعم فلسطين، ومضاعفة الضغط والحصار على الأهداف المرتبطة بالعدو الإسرائيلي.

تفاصيل جديدة

استهدفت القوات اليمنية “بلولاغون ون”، وهي ناقلة نفط يونانية كانت ترفع علم بنما. تعرّضت السفينة لصواريخ دقيقة لم تكشف عن نوعيتها القوات المسلحة اليمنية لكنها تحدّثت عن “إصابة السفينة بشكل مباشر”، وهو ما أكده مركز المعلومات البحرية المشترك الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، إذ اعترف بأنّ صاروخين أصابا السفينة فيما انفجر ثالث بالقرب منها.وإذا افترضنا أنها بالفعل “كانت متجهة جنوباً عبر البحر الأحمر إلى وجهة غير مدرجة” كما ادّعى مركز المعلومات البحرية المشترك، فإنّ المرجّح أن صنعاء استهدفت تلك السفينة اليونانية “بلو لاغون ون” بسبب قيام سفن أخرى تابعة للشركة المالكة نفسها بكسر قرار الحظر المفروض على العدو الإسرائيلي من قبل اليمن.

لسنا في وارد التفصيل، ما يهمّ أنّ هذه العملية جاءت بعد يومين فقط من عملية مشابهة استهدفت سفينة “غروتون” في خليج عدن، وحقّقت إصابة مباشرة أيضاً، كما أنها تأتي بعد أيام من العملية التاريخية التي استهدفت ناقلة النفط اليونانية “سونيون” وظلّت مشتعلة لأيام طويلة في عرض البحر الأحمر، بعد قصفها بالصواريخ والمسيّرات واقتحامها تالياً من قبل وحدة كومندوز تابع للبحر اليمنيّ، اعتلى السفينة وفخّخها وفجّرها في مشهد صادم وزّعه الإعلام الحربي اليمني وتابعه الجميع.

ردود الفعل والتبعات وتسليط الضوء على العمليات اليمنية لم يقتصر فقط على الأضرار التي لحقت بالسفينة الأخيرة وما سبقها خلال شهري أغسطس وسبتمبر، بل امتدّ إلى الصراع الدبلوماسي مع القوى الغربية؛ حيث ادّعت القيادة المركزية للجيش الأميركي بأنّ القوات المسلحة اليمنية استهدفت ناقلة نفط سعودية وهو ما نفته الرياض رسمياً، ونفته مصادر موثوقة في صنعاء.

هذه العمليات المتتالية والمتصاعدة والقوية، شكّلت صدمات متتالية للأوساط الغربية، وهذا ما عكسته تداولات الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث وتصريحات مسؤولين سابقين في البنتاغون والقائمة تطول، وأثيرت تساؤلات حول قدرة واشنطن على الردع، وفشل البحرية الأمريكية أمام القوات اليمنية الصاعدة، والأهمّ من ذلك ما كشفته وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي سابق في البنتاجون بأنّ “حاملات الطائرات الأمريكية غير موجودة في آسيا للمرة الأولى منذ العام 2001″، والحديث عن خلو البحر الأحمر من القطع العسكرية الأميركية تماماً، وهذا التحوّل غير المسبوق منذ 23 عاماً، لم يكن ليحصل لولا تنامي القوات اليمنية وتصاعد عملياتها الضاغطة، وقوة تأثيرها على البحرية الأمريكية نفسها.

وينسحب الأمر على القطع العسكرية البحرية الأوروبية، إذ أكدت مصادر في البحرية اليمنية أن فرقاطة أوروبية تابعة لـ “عملية سبيدس” ويُحتمل أنها فرنسية، حاولت التدخّل لمنع القوات اليمنية من تنفيذ العملية ضدّ “سونيون” الشهر الماضي، لكنها اضطرت في النهاية إلى التراجع تحت وقع الضربات اليمنية، وبعد العملية لجأت دول مشاركة في “عملية سبيدس” إلى الخيار الدبلوماسي، واستعانت بوسطاء وتواصلت بالفعل مع صنعاء لتأمين سحب الناقلة، ونتيجة تلك الجهود وافقت صنعاء بموجب تفاهم سياسي على سحب تلك الناقلة، على أن ترسل قاطرات يوم الأحد الماضي لمباشرة “عملية الإنقاذ”، الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن التي تسعى ولا تزال لإفشال هذا التفاهم طمعاً في تحقيق مكسب ولو دعائي للتحريض على صنعاء بعد أن فشلت في مواجهتها وردعها والحد من قدراتها وعملياتها عسكرياً وعلى مدى قرابة ثمانية أشهر.

ثمّة مؤشّرات سلبية توحي بتأثّر القوى الأوروبية بالضغوط الأمريكية، ويعزّز ذلك تأخير البعثة البحرية الأوروبية عملية الإنقاذ، بحجة أنّ “عمال الإنقاذ امتنعوا” وأنّ “الظروف غير آمنة” مع الحديث عن “حلول بديلة” يجري البحث عنها لإنقاذ السفينة، وسواء نجحت الحلول البديلة أو لم تنجح فإنّ صنعاء لم تعد مسؤولة عن غرق السفينة وما يترتّب على ذلك، كونها سمحت منذ وقت مبكر بسحب السفينة، وبالتالي فإنّ واشنطن والاتحاد الأوروبي من يتحمّل مسؤولية غرق السفينة.

وفي كلتا الحالتين فإنّ صنعاء انتصرت دبلوماسياً كما انتصرت عسكرياً وأثبتت قدرتها على فرض الحصار البحري على كيان العدو وفشل الردع الغربي.

الرسائل الاستراتيجية

تأتي هذه العمليات في سياق استراتيجي واسع يتجاوز مجرّد استهداف السفن. إن نجاح اليمن في تنفيذ عمليات نوعية معقّدة يعكس تزايد قدراته العسكرية، وتأكيده أنّ الحصار البحري على “إسرائيل” سيستمرّ بلا هوادة. وتبرهن هذه العمليات فشل الاستراتيجيات الغربية في مواجهة تصاعد واستمرار عمليات الإسناد اليمنية لغزة والضفة، كما أنها تؤازر أوراق الضغط المتصاعدة من جبهات الإسناد على معسكر الأعداء، ونقصد بذلك العمليات النوعية التي تصدرها المقاومة الفلسطينية، وكذلك الهجمات النوعية من حزب الله في لبنان بما فيها “عملية الأربعين”، وتبقى الخشية الأكبر لدى “إسرائيل” من الردّ الإيراني والردّ اليمني المقبلين.العمليات الأخيرة تؤكّد تطوّر القدرات اليمنية في الصراع البحري، وتبرهن قدرتها على تنفيذ عمليات معقّدة ودقيقة رغم الضغوط الدولية.

هذه الرسائل تعكس قوة التصعيد اليمني والتحديات الكبيرة التي تواجهها القوى الغربية في الحفاظ على استراتيجياتها ليس في البحر فقط بل في المنطقة كلّها، في ظلّ تمسّك صنعاء بمعادلة الحصار مقابل الحصار بتسجيلها أكثر من 183 عملية خلال فترة “طوفان الأقصى” وبمعدل عملية وأكثر كلّ يومين، ضمن مسار تصاعدي يجري تطويره بشكل مستمرّ بلا سقف سياسي أو اعتبارات أخرى يمكن أن تحدّ من العمليات اليمنية، ما لم يتوقّف العدوان والحصار على غزة، ويتوقّف التصعيد في الضفة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
علي ظافر