المصائب لا تأتي فرادى، فمع استمرار التدهور الاقتصادي الصهيوني، تتوالى الضربات تباعاً على العدو، حيث لا تزال الشركات الأوروبية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، في هروب مستمر لتفادي الخسائر الكبرى، في ظل عجز العدو المالي وتنامي الخطر الأمني والعسكري.
وبعد انسحاب عدد من الشركات البريطانية وفض شراكتها مع الشركات الصهيونية خلال الفترات الماضية، بينها صندوق تقاعدي عملاق، دخلت الشركات الفرنسية موجة من الضغوط التي تطالبها بفض الارتباط بالعدو الصهيوني، وذلك على أعقاب انسحاب العديد منها من داخل فلسطين المحتلة، للهروب من خسائر أكبر في ظل المخاطر المحدقة بالعدو الصهيوني من كل جانب، ومن جهة أخرى لتجنب الشراكة في الإجرام الصهيوني في ظل تنامي السخط العالمي ضد العدو وجرائمه وكل المتعاونين معه.
وفيما أكد الإعلام الصهيوني في وقت سابق انخفاض نسبة المستثمرين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بنسبة أكثر من 60%، سلط موقع استقصائي فرنسي الضوء على عمليات العزوف للشركات الفرنسية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، بداعي الخوف من تعرضها لخسائر باهظة، وأيضاً بداعي الضغوط الجماهيرية الناتجة عن حملات المقاطعة العالمية للشركات الصهيونية والمرتبطة بها.
وذكر تقرير حديث لموقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي، أن بعض الشركات الفرنسية أخذت خطوات بعيدة عن الأنظار للانسحاب من العلاقات التجارية مع “إسرائيل”، لا سيما تلك المرتبطة بالاستيطان الصهيوني والجرائم المرتكبة في غزة، وهو ما يشير إلى تنامي سخطاً كبيراً في الأوساط الأوروبية ضد العدو الصهيوني المجرم.
ونوه الموقع إلى أن الشركات الفرنسية التي ترتبط باقتصاد العدو “الإسرائيلي”، تواجه ضغوطاً متزايدة وسط الحملات المستمرة لحركة المقاطعة “بي دي إس” (BDS) وحركات التضامن مع فلسطين، في تأكيد على أن الحراك الجماهيرية والطلابي في المدن الفرنسية والأوروبية بشكل عام بات يلقي بأثقاله على العدو الذي يواجه عدة أزمات أمنية وعسكرية وسياسية وأكبر منها اقتصادية.
وبحسب التقرير فقد قامت شركة التأمين الفرنسية الكبرى “أكسا”، مؤخراً بـ”الانسحاب الكامل والسريع من ثلاثة بنوك إسرائيلية”، وهو ما أوردته أيضاً وكالة “رويتزر” في تقرير حديث لها، في حين تشير التقارير اللاحقة إلى أن تلك البنوك هي “بنك هبوعليم، وبنك لئومي، وبنك ديسكونت”، والتي هي مدرجة ضمن قائمة الأمم المتحدة للشركات المتورطة في دعم الاستيطان على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد أوضح “ميديا بارت” أن “أكسا” كانت تمتلك 2.5 مليون سهماً، بقيمة 20.4 مليون دولار، معتبراً هذا الانسحاب “انتصار كبير لحركة المقاطعة”.
ونوه التقرير إلى أن كبريات الشركات الفرنسة المرتبطة بالعدو الصهيوني تواجه ضغوطاً كبيرة مطالبة بالانفصال عنها والكف عن دعم العدو.
وفي هذا الصدد صرحت منسقة حركة المقاطعة “بي دي إس” في أوروبا “فيونا بن شكرون”، وقالت إن “البنوك الإسرائيلية تمثل العمود الفقري للاستعمار الإسرائيلي، فهي لا تمول فقط البناء في المستوطنات، بل تشارك في تخطيطها وتنفيذها”، مشيرةً إلى أن غالبية الشركات الأوروبية تنتهج سياسة التعاون مع بنوك العدو الإسرائيلي.
وأكدت “شكرون” أن حركة المقاطعة ستبقى حذرة، وسوف تكثف تحقيقاتها في تصنيف كل الشركات الأوروبية المرتبطة بالعدو وبنوكه، وسوف تتخذ إجراءات ضاغطة تجبرها على التخلي عن الشراكة مع أعمدة العدو الاقتصادية، وهو ما يجعل العدو الصهيوني على موعد مع المزيد من الضغوط التي قد لا يحتملها.
وبالعودة إلى تقرير “ميديا بارت”، فإن شركة كارفور الفرنسية تواجه انتقادات كبيرة لصلاتها بالاقتصاد الاستيطاني الصهيوني، وذلك بعد أن وقعت عقد امتياز مع شركة “إلكترا كونسيومر برودكت”، وهي شركة “إسرائيلية” متورطة في بناء وصيانة المستوطنات والمغتصبات.
وأشار التقرير إلى أن “كارفور” تحاول امتصاص موجات الغضب الموجهة ضدها، واتخذت خطوات خجولة وسحبت منتجاتها من بعض المتاجر الواقعة في المغتصبات داخل فلسطين، في حين أن هذه الإجراءات وإن كانت بسيطة إلا أنها تعبر عن مدى فاعلية الضغوط الجماهيرية المناهضة للعدو داخل الدول الأوروبية، وإسهامها في تخفيف حدة الدعم للعدو وتلاشي مسارات الارتباط به.
وأورد موقع “ميديا بارت” تصريحات لمسؤول الحملة في المنصة الفرنسية “بيير موتان” قال فيها إن “انسحاب كارفور من بعض المتاجر في المستوطنات هو مجرد خطوة تجميلية”، مؤكدا أن الاتفاقيات التجارية ما زالت قائمة، وأن الشركة تستمر في التورط رغم محاولاتها إخفاء ذلك.
وبين الموقع أنه ومع موجة الضغوط الجماهيرية المتواصلة في الأوساط الأوروبية، فإن بنك “بي إن بي باريبا”، أحد أكبر البنوك الفرنسية، يواجه انتقادات حادة لدوره في تمويل العدو الصهيوني، موضحاً أن البنك الفرنسي كان ضمن تمويل بمبلغ ملياري دولار من السندات الإسرائيلية، خصصه العدو لصالح مشاريعه الاستيطانية الاستعمارية.
وفي سياق تصاعد السخط، يوضح التقرير أن 6 منظمات حقوقية داخل فرنسا، طالبت البنك بوقف تمويل هذه المشاريع الاستعمارية التي تعرض فرنسا للمساءلة القانونية الدولية، في إشارة إلى الحراك القضائي الدولي ضد العدو الصهيوني.
عزوف استثماري مستمر عن العدو
وتجدر الإشارة إلى أن المطالب الجماهيرية الفرنسية بقطع العلاقات التجارية مع العدو، تأتي بعد أقل من أسبوع على إعلان وكالة “رويتزر” عن عزم أكبر صندوق اقتصادي استثماري في العالم، على سحب أصوله وأسهمه من الشركات الصهيونية.
وأوضحت “رويترز” أن “صندوق الثروة السيادي” الذي تبلغ أصوله نحو تريليونين دولار، قد يتخلص من أسهم بقيمة مليار ونصف المليار دولار في شركات إسرائيلية، وذلك على واقع فرضته معايير جديدة ضد دعم الشركات المرتبطة بممارسات العدو الإسرائيلي الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرةً إلى أن الصندوق قام في وقت سابق بسحب أسهمه من 9 شركات صهيونية تعمل في الضفة الغربية، في إشارة إلى أن العدو الصهيوني بات مطارداً من عدة جهات، بما فيها الجهات الاقتصادية الدولية، وهو ما يزيد من الضغوط التي تقود لوقف الإجرام في غزة.
وفيما تؤكد تقارير أن وتيرة انسحاب المستثمرين الأوروبيين ترتفع بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، لتزيد من المخاطر على التصنيف الإنمائي للعدو واقتصاده بشكل عام، فإن مراقبين يرون أن استمرار هذه المستجدات على الاقتصاد الصهيوني، واضطرار العدو للاعتراف بأرقام المستثمرين الفارين وبيانات الشركات المطالبة بفض الشراكة معه، جميعها مؤشرات تؤكد أن الضغوط الجماهيرية العالمية المناهضة للعدو الصهيوني سوف تفاقم متاعبه وتوسع آفاق أزماته المتلاحقة، فضلاً عن التهديدات المباشرة التي تطال اقتصاد العدو، خصوصاً من جهة الجبهة اللبنانية وجبهة الإسناد اليمنية.
يشار إلى أن هذه المتاعب الاقتصادية التي يواجهها العدو، تأتي في ظل تصاعد عجزه المالي البالغ أكثر من 41 مليار دولار، فيما تجاوز الاقتراض الحكومي (53.5 مليار دولار)، والتي تصنفها وسائل إعلام صهيونية أنها واحدة من أكبر عمليات الاقتراض على الإطلاق منذ نشأة الكيان، لتتعزز المعطيات التي تؤكد سير العدو في طريق الزوال إذا لم ينصاع لمطالب وقف العدوان والحصار على غزة.